موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين: إرث اعادة الاعمار بعد زلزال سيتشوان يدفع الصين نحو الأمام

0


صحيفة الشعب الصينية:
أعدت الصين نفسها لأسوأ الاحتمالات عندما توقع علماء النفس موجة من حالات الانتحار عقب زلزال سيتشوان 2008، والذي خلف اكثر من 85 ألف قتيل أو مفقود والملايين بلا مآوى.

ومع ذلك، لم تتجنب الصين موجة حالات الانتحار فحسب، بل تمكنت من خلق حياة ومستقبل جديدين للمتضررين جراء الزلزال.

قال خه شيان تونغ، وهو من سكان محافظة تشينغتشوان في سيتشوان والذي فقد 12 من أقربائه في زلزال 12 مايو، انه فكر في الانتحار ، ولم يكن قد مضى وقت طويل على وقوع الكارثة.

” لقد دفن جميع اقاربي تحت الانقاض وكنت أشعر بألم شديد ، قلت لنفسي ان الانتحار هو الخيار الوحيد لدي ” ، على ما قاله خه.

إن ما أحيا أمله في العيش يتمثل في مكالمة جرت مع المسؤولين الحكوميين المحليين، وعندما سمع ان حديقة جديدة سيتم بناؤها في مسقط رأسه، سأل حكومة المحافظة الحصول على إذن لفتح متجر جديد في الحديقة، حيث يمكن ان يبيع القرابين للزوار الذين يرغبون في احياء ذكرى أقاربهم الذين قتلوا في الزلزال.

واضاف ” وافقوا على طلبي ، وقابلت في متجري الكثير من الناس الذين أثروا عليّ بحبهم وعطفهم .”

واعلن رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو مؤخرا انه تم تحقيق “نصر حاسم” في جهود اعادة الاعمار ، مع اكتمال 95 في المئة من مشاريع اعادة الاعمار في مقاطعات سيتشوان وشنشي وقانسو.

ووفقا لخطة الصين الشاملة لاعادة الاعمار ، سيتم اعادة البناء في المناطق المنكوبة بالزلزال في غضون ثلاث سنوات، ويتمثل هدف الحكومة الرئيسي لتنفيذ الخطة في ضمان الأمن والاستقرار للسكان المتضررين جراء الزلزال من خلال تزويدهم بفرص العمل والاسكان الجديد، فضلا عن الارتقاء بالبنية التحتية والحفاظ على البيئة في المنطقة وتعزيز الاقتصادات المحلية.– معجزة حديثة ..

قال انتوني ريدموند ، مدير معهد الانسانية والاستجابة للصراعات التابع لجامعة مانشستر، ان جهود اعادة الاعمار بعد الزلزال في سيتشوان كانت واحدة من أكفأ جهود اعادة الاعمار بعد الكوارث على الاطلاق .

أدلى ريدموند بهذه التصريحات في الحلقة الدراسية التفاعلية الاولى عن اعادة الاعمار بعد الكوارث والتنمية المستدامة، والتي افتتحت مؤخرا في تشنغدو حاضرة مقاطعة سيتشوان.

وعزا ريدموند ، الذي شارك في اعمال الاغاثة الطبية في هايتي بعد تعرضها للزلزال المدمر، الكفاءة ” التي لا يمكن تصورها تقريبا ” في الصين إلى قيادة الحكومة، قائلا ان جهود الصين في اعادة الاعمار كانت ذات ” اهمية مثالية عالمية”.

وفي 26 مايو 2008 وبعد اسبوعين من وقوع الزلزال، طالب المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، 19 مقاطعة ومنطقة في البلاد باستخدام 1 في المئة من مواردها المالية لدعم اعادة الاعمار في منطقة الزلزال.

وأدى ذلك إلى التدفق السريع للموارد ورؤوس الأموال والخبراء في شتى المجالات ذات الصلة بالكوارث، الامر الذي حول اعادة بناء المنطقة المتضررة بالزلزال إلى مهمة سياسية من كونها مشروعا انسانيا.

وتولى تشو تسي يو، نائب رئيس التخطيط والادارة لدائرة بحوث التخطيط الحضري في الاكاديمية الصينية للتخطيط والتصميم الحضري، المسؤولية عن التصميم واعادة الاعمار في محافظة بيتشوان في سيتشوان.

وقال تشو ان هناك سبب في إندهاش الاجانب بوتيرة ونوعية جهود اعادة الاعمار مستعيدا ذكرياته من تعامله مع الخبراء الزائرين من البلدان الاجنبية في اطار برنامج التنمية للامم المتحدة.

” ان استجابة الحكومة الصينية السريعة تظهر قلقها حيال شعبها.العديد من اعضاء الحزب الشيوعي الصيني على مستوى القاعدة مستعدون للتضحية بحياتهم من اجل تحقيق هدفنا لاعادة الاعمار ، أظن ان هذا هو ما يجعل الصين فريدة من نوعها في العالم.” حسبما قال تشو.

وتظهر الاحصاءات الرسمية أن 76 مليون عضو بالحزب الشيوعي الصيني في البلاد تبرعوا بـ9.3 مليار يوان للاغاثة من الكوارث على مدى السنوات الثلاث الماضية، ما يعادل نحو 12 في المئة من المبلغ الاجمالي للتبرعات .

وأشاد ليو تشي باو أمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة سيتشوان بمساهمات اعضاء الحزب الشيوعي الصيني في مقالته بمناسبة الذكرى الثالثة لزلزال ونتشوان.

وقال ليو إنه ” لتكريم تعهد الصين بقضاء ثلاث سنوات في استكمال اعادة الاعمار ، خطا المسؤولون الحكوميون واعضاء الحزب الشيوعي الصيني قدما لمعالجة اصعب المهام، وأثبتوا نهوض الحزب الشيوعي الصيني بمثابرتهم وروح عدم الخوف من التضحية وخلقوا معجزة على كوكب الارض.”– النموذج الصيني ..

ان جهود اعادة الاعمار بعد الزلزال لا تعد الانجاز الكبير الوحيد الذي أثبتته الصين للعالم في السنوات الثلاث الماضية، وخلال اولمبياد بكين 2008 ومعرض اكسبو شانغهاي 2010 ودورة الالعاب الآسيوية 2010 واعمال اجلاء الرعايا الصينيين السريع من ليبيا، اثبتت الصين مرارا انها قادرة على تعبئة حجم مذهل من الموارد اللازمة لانجاز المهام واسعة النطاق.

وفي السنوات الثلاث الماضية ، حققت الصين اختراقا في وضعها الاقتصادي ، متجاوزة بذلك المانيا واليابان لتصبح ثاني اكبر الاقتصادات في العالم.

وقد وضعت الاكاديميات ومراكز الابحاث الاجنبية التنمية الصينية تحت الميكروسكوب في اعقاب انجازات البلاد وجهودها في السنوات الاخيرة. وحاولت مجموعة متنوعة من الكتب والأطروحات والمقالات تحليل التنمية الصينية، مع بعض منها أشار إلى ان النظام الاقتصادي في الصين يعد “نموذجا للسوق الاستبدادية “.

وعلى الرغم من ان الحكومة الصينية لم تقدم اجابة محددة إلى “النموذج الصيني” حسبما يطلق عليه من قبل الاكادميين الاجانب ، يعتقد المسؤولون الصينيون ان هناك ما هو أهم بالنسبة لمنجزات التنمية في الصين عما كتب عنها حتى الآن .

” ان دافع الحكومة الاولي والاساسي هو وضع مصالح الشعب في المقام الاول ” بحسب رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو الذي أشار الى ان ذلك برز بشكل خاص خلال جهود اعادة الاعمار .

” المعيار الاساسي لتقييم مشاريع اعادة الاعمار لدينا هو معرفة ما اذا كان المواطنون مرتاحين أم لا “، على ما قاله ون، مضيفا ” عند تصميم وتخطيط واختيار موقع لاعمال اعادة الاعمار ، اخذنا في الاعتبار آراء السكان المحليين واقتراحاتهم على نطاق واسع.”

ومحافظة بيتشوان هي المحافظة الوحيدة التي يعاد بناؤها في موقع جديد ،” فمن خلال عمليات المسح الميدانية وجدنا ان 92 في المئة من السكان كانوا راضين بانتقالهم إلى موقع جديد، لأنهم يعرفون ان البيئة الجيولوجية في الموقع القديم غير مستقرة للغاية”، بحسب تشو.

واطلقت اول خطة للعمل الوطني الصيني لحقوق الانسان في ابريل 2009، وتتضمن هذه الخطة بندا خاصا لتنظيم حماية حقوق الانسان اثناء عملية اعادة اعمار المناطق المتضررة بالزلزال.

واستجابة لشكاوى الجمهور بشأن مدى جودة بناء المدارس والمستشفيات في المنطقة، قال ون جيا باو ان الحكومة قد تعلمت درسا ووعدت ببناء مدارس ومستشفيات اكثر أمنا مع ملاجئ ثابتة للطوارئ .

وبعد مرور عام على الزلزال، تم تنفيذ مشروع وطني لضمان سلامة واستقرار المدارس في الصين، في حين اصبحت ثقافة الحيلولة دون وقوع الكوارث أكثر رواجا في جميع انحاء البلاد .

واظهر الزلزال العديد من نقاط الضعف التي يمكن أن تتحملها الصين،لا سيما ما يخص التخطيط الطويل الاجل والتنمية. ولمواجهة ذلك، بذلت الحكومة جهودا كبيرة في الدعوة إلى اعمال السيطرة على الكوارث والوقاية منها في الخطة الخمسية الثانية عشرة (2011-2015)، التي اعتمدت في وقت مبكر من عام 2011.

وتم اصدار اول ” اطلس للكوارث الطبيعية ” في الصين مؤخرا، ويبين الاطلس تفاصيل مخاطر الكوارث الطبيعية في مناطق مختلفة بأنحاء الصين قاطبة كمرجع لمخططي المدن.

واطلقت اللجنة الوطنية للحد من الكوارث مؤخرا برنامج بحوث على مستوى الدولة لتأسيس اول استراتيجية وطنية للسيطرة على الكوارث والوقاية منها.

وقال ليو وي نائب رئيس محافظة ونتشوان ان الحكومة الصينية ليست مركزية لذاتها ، وبدلا من ذلك فهي حريصة على التعلم من الدول الاخرى.

وأفاد ليو ” منذ بداية عملية اعادة الاعمار ، بذلنا جهودا في تعلم خبرات متقدمة من خارج البلاد “.

واضاف ” بدون مساهمة المهندسين المعماريين المشهورين في العالم أمثال بول اندرو، مصمم مسرح الصين الوطني الكبير، وليوه مينغ بي ، مصمم هرم اللوفر، فضلا عن إدخال احدث التقنيات المضادة للزلازل ، لم نكن لنتمكن من تحويل بلدة يينشيو إلى نموذج للوقاية من الكوارث.”

وشجع تدفق المساعدات والدعم من الخارج الشعب الصيني على أن يصبح اكثر وعيا بدوره كمواطنين عالميين، وهرعت الشركات الصينية والأفراد إلى تقديم الإعانات المالية والمادية عندما ضرب اليابان الزلزال والتسونامي في مارس الماضي.

وقال وانغ وي ، البروفيسور في كلية السياسة التابعة للاكاديمية الصينية للحكم، ان النظام السياسي الصيني اثبت قدرته على تعبئة الموارد لتنفيذ مشروع اعادة الاعمار على نطاق واسع ، وفي المقابل كانت العديد من البلدان المتقدمة أبطأ في الاستجابة للكوارث المماثلة.

” لا يتعين على الحكومة ان تغتر بانجازاتها، بل يجب عليها التمسك بوعي الازمة من اجل تقديم افضل الخدمات لاحتياجات الشعب “، على حد قول وانغ.

وعند التطرق إلى أحلامه في المستقبل، قال خه شيان تونغ انه سيكون افضل استعدادا للمستقبل مما كان عليه قبل ثلاث سنوات .

” الحكومة ساعدتني كثيرا، ولكن لا احد يستطيع ان يتمتع بمعاملة تفضيلية إلى الابد ، وعلى مر السنين، شعرت بالفخر بأن يكون لي وطن قوي، ويتجاوز الحب والامتنان كل شيء بالنسبة لي .” على ما قاله خه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.