موقع متخصص بالشؤون الصينية

سباق القرن… بين الصين وأميركا

0

USAChinaFlag
صحيفة الاتحاد الاماراتية:
تميل العديد من دوائر صنع القرار ومراكز البحوث والدراسات في الولايات المتحدة إلى النظر إلى سياسات الصين كمخطط استراتيجي طويل المدى يروم استعادة أهميتها المركزية التاريخية في آسيا أولا، ثم إزاحة الولايات المتحدة عن مكانتها كأعظم قوة في العالم ثانياً. ولكن، ومثلما يلفت إلى ذلك جيف داير في كتابه الذي نعرضه هنا، «سباق القرن»، فإن التفسير الأرجح ربما يكون أكثر بساطة من ذلك: فالصين، ونظراً لنموها الاقتصادي السريع، أخذت تتبنى رؤية أكثر اتساعاً لمصالحها الوطنية وتعمل على تحديث جيشها انسجاماً مع تلك الرؤية. لكن التحدي يكمن في التمييز بين سياسات بكين تلك التي قد تنتهجها أي قوة صاعدة أخرى وتلك السياسات التي يمكن أن تغيِّر بشكل جوهري النظامَ العالمي لمرحلة ما بعد الحرب.

الزعماء الصينيون يشددون على أنهم سيتحاشون الأخطاء التي ارتكبتها ألمانيا واليابان خلال النصف الأول من القرن العشرين. ومثلما كتب مستشار الحزب الشيوعي للسياسة الخارجية جينغ بيجيان في مقاله بمجلة «فورين أفيرز» الأميركية في عام 2005، فإن بكين تسعى لتحقيق «صعود سلمي» عبر السمو فوق «الاختلافات الأيديولوجية في مسعى لبلوغ السلام والتنمية والتعاون مع كل بلدان العالم». غير أن ذلك التفاؤل يبدو في غير محله اليوم، وذلك لأنه كلما حاولت الصين دفع الولايات المتحدة إلى الوراء في المحيط الهادئ وحل نزاعاتها الترابية، حفزت تشكيل ائتلاف مضاد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

داير، الصحفي بجريدة «فاينانشل تايمز» البريطانية، إلى ثلاثة أحداث وقعت مؤخراً رسمت ملامح المعضلة الاستراتيجية التي تواجهها الصين حالياً. ففي مايو 2009، أعاد النظامُ إحياء حدوده البحرية التي تضم نحو 80 في المئة من بحر جنوب الصين. ثم في 2010، اختارت الصين الوقوف على الهامش عندما قامت كوريا الشمالية بنسف سفينة حربية كورية جنوبية. ثم عندما اعتقلت طوكيو في العام نفسه قبطان سفينة صيد صينية اصطدمت مع سفينتين عسكريتين يابانيتين في المياه الخاضعة لسيطرة اليابان، عمدت بكين إلى فرض حظر على صادرات المعادن النادرة إليها.
ومثلما يُظهر داير، فإن موقف الصين العسكري داخل المنطقة يعزى إلى ثلاثة عوامل ثابتة: فهي لا تستطيع تغيير تاريخها كقوة مهيمِنة إقليمية تواصل تشكيل مصدر خوف جيرانها؛ ولا تستطيع تغيير حجمها، مثلما أنها لا تستطيع تغيير موقعها: وهنا يلفت داير إلى أنها محاطة بـ«دول ناجحة وطموحة تعتقد أيضاً أن وقتها قد حان».

ومما يزيد من تعقيد الأمور أكثر هو أن عدداً من الأصوات باتت اليوم تؤثر في سياسة الصين الخارجية؛ حيث يواجه قادتُها «مجموعات مصالح قوية داخل نظام الحزب الواحد»، و«طبقة من الضباط الذين لديهم موقفهم المتشدد الخاص بهم من الشؤون العالمية»، إضافة إلى «الآراء القومية للطبقة الوسطى الصاعدة».

غير أن هذه القوى الجديدة تُضعف أيضاً محاولات الصين التقرب من جيرانها. فبعد ثلاثة عقود ونصف العقد من النمو السريع، باتت الصين اليوم تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم وتُعتبر أول بلد من حيث المبادلات التجارية، والحال أن تقدماً بهذه السرعة والحجم يستدعي فحصاً وتدقيقاً. ثم إن قادة الصين واعون جداً بأن شرعيتهم تتوقف إلى حد كبير على الاستمرار في تحسين مستوى عيش مواطنيهم. غير أنه بينما تتدهور البيئة وتقل الموارد ويزداد السكان، ستصبح الصين أكثر اعتماداً على الخارج حتى تحافظ على نموها. وإذا كان زعماؤها يرون في ذلك ضعفاً وهشاشة، فإن آخرين كثيرين يرون تنيناً صينياً يحاول شراء العالم.

بيد أن التحديات الكثيرة التي تواجه الصين لا تضمن للولايات المتحدة انتصاراً في السباق الذي يحيل عليه عنوان الكتاب. ووفق «قاعدة» تحكم الأوضاع الجيوسياسية للمنطقة، فإن واشنطن ستخسر إن حاولت تسخير جيران الصين في مسعى لاحتواء صعودها. ويرى أنه يتعين عليها أن تبلور «أجندة اقتصادية مقنعة وطويلة المدى» تربط الاقتصاد الأميركي باقتصاد الشرق الأقصى. لذلك، فإن ركود المفاوضات الحالية حول «شراكة عابرة للمحيط الهادئ»، يكتب داير، «سيمثل انتكاسة كبيرة لجهود واشنطن الرامية إلى أن تُظهر أن لديها أشياء لتقدمها لآسيا أكثر من قواتها البحرية فقط».

ويعتقد داير أن «الفوز» سيكون من نصيب الولايات المتحدة، إذ «ستحافظ على دورها في الشؤون الدولية»، لكن نظراً لأن الصين كانت مكاناً معزولا وفقيراً قبل وقت غير بعيد، فإن تبوأها مكانة ثاني أهم ركن في النظام الدولي لن يشكِّل «خسارة» لها في الواقع.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.