موقع متخصص بالشؤون الصينية

قراءة الاعلام الصيني لخطاب أوباما الاخير حول سياسات بلاده الخاصة بالشرق الأوسط

0


صحيفة الشعب الصينية:
ألقى الرئيس الامريكي باراك اوباما يوم 19 مايو الحالي خطابا حول السياسات الامريكية الخاصة بالشرق الاوسط وشمال افريقيا، وهو الخطاب الثاني من نوعه بعد كلمة القاها حول الموضوع نفسه في يونيو عام 2009 بالعاصمة المصرية القاهرة.

وتابعت وسائل الاعلام الصينية الخطاب عن كثب خاصة في ظل الاضطرابات والفوضى المستمرة في بعض دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

— أفكار جديدة محدودة:
رأت وسائل الاعلام الصينية ان ثمة بعض الافكار الجديدة في خطاب اوباما يسهل قولها لكن يصعب تنفيذها، متفقة على ان وعود وطموحات اوباما قد تبقى شفهية، لاسيما فيما يخص القضية الفلسطينية.

وخلصت صحيفة ((جيهفانغ)) اليومية – الاسم يعني باللغة العربية (التحرير) – والتى تتخذ من شانغهاى مقرا لها، في عددها الصادر في 24مايو الجاري, خلصت الى أن في أفكار أوباما الجديدة حول الشرق الاوسط عدة نقاط تستحق الدراسة:

أولا، العزم الثابت للولايات المتحدة على قيادة مسيرة التغيرات في الشرق الاوسط ، فعلى الرغم من ان الاستراتيجية الامريكية تتحول الان الى “الشرق”، الا انها لا تتخلى عن ثقلها في منطقة الشرق الاوسط كما اكد اوباما مجددا في خطابه، اذ اشار الى ضرورة تغيير استراتيجية الولايات المتحدة حول الشرق الاوسط وارتباط مصير الامريكيين بالمنطقة.

وذلك يعنى، على حد قول الصحيفة، ان واشطن ستعدل سياساتها حيال الشرق الاوسط في محاولة للسيطرة على هذه المنطقة الغنية بالنفط التى تحتل مكانة استراتيجية بارزة.

ثانيا، التأييد الصارخ للتغيرات الكبرى التى تجري الان في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. تشعر الولايات المتحدة بالاحباط ازاء الاضطرابات المستمرة في المنطقة، وقال اوباما ان الهدف الاكبر لبلاده هو دفع الاصلاحات الديمقراطية في المنطقة قدما، حيث انها تؤيد حرية التعبير وتعارض استخدام القوة وتدعم تحول دول المنطقة الى الديمقراطية، على حد قوله.

ويعنى هذا، وفقا للصحيفة، ان الولايات المتحدة تزيد الضغط على حلفائها في المنطقة وتطلب منهم دفع الاصلاحات السياسية بثبات والسعى الى تحقيق السلم مع عدوها القديم اسرائيل.

ونوهت الصحيفة الى ان ادارة اوباما تحاول من خلال هذه السبل ان تعيد أخذ زمام المبادرة بعد ان صمتت واندهشت في بداية التغيرات التى تشهدها منطقة الشرق الاوسط، وتعمل على تحويل التداعيات السلبية الناجمة عن الاوضاع المضطربة في المنقطة الى آثار ايجابية.

وفي هذا السياق قال ليو باو لاي ، نائب الرئيس السابق للجمعية الدبلوماسية الشعبية الصينية، للصحيفة ان هذه الافكار تدل على ان الولايات المتحدة تنتهج مبدأ “الواقعية هي الاسمى”.

ثالثا، مازالت الولايات المتحدة تعتبر نسفها “القوة العظمى الاكبر في العالم”, وتتدخل في الشئون الداخلية للبلدان الاخرى بشكل صارخ.

وسبق لاوباما ان شدد مرارا على ان الولايات المتحدة لن تعمل كرجل شرطة العالم، إلا انه لم ينفذ ما وعد به. وتقوم بلاده بالفعل بالتدخل في شئون الدول الاخرى ، حيث طلبت من البنك وصندوق النقد الدوليين تنبي اجراءات لاحلال الاستقرار على اقتصادي مصر وتونس، وعبرت عن تأييدها للحكومتين المنتخبتين في البلدين، وعارضت البرنامج النووي الايراني، واصرت على تخلي الزعيم الليبي معمر القذافي عن السلطة, وعرضت على الرئيس السوري بشار الاسد خيارين اما قيادة التحولات الديمقراطية او التنحى عن الرئاسة.

رابع، فكرة أن الحدود الفلسطينية ــ الاسرائيلية الدائمة يجب ان ترسم على اساس حدود عام 1967. فاثارت هذه الفكرة معارضة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بينما اعربت الدول العربية، بما فيها فسلطين، عن ترحيبها المتحفظ حيالها. ومن المدهش ان اوباما يبدي ميلا كبيرا الى موقف الفلسطينيين بعد وقت قليل من توافق الفصائل المختلفة داخل فلسطين.

واكد السيد ليو باو لاي ان “الافكار الجديدة التى طرحها اوباما حول سياسات ادارته الخاصة بالشرق الاوسط صعبة التطبيق الى حد ما، على الرغم من ان واشنطن حققت اختراقة في موقفها ازاء قضية فلسطين.لكن الامر ليس سهلا بالنسبة للولايات المتحدة للتنفيذ نظرا للاوضاع الحالية في المنطقة التى من المستحيل ان تسير على هوي نوايا الامريكيين”.

واتفق السفير الصيني السابق لدى طهران السيد هوا لي مينغ على هذه الفكرة، قائلا ان اوباما شجع على نشر الديمقراطية في المنطقة لان الولايات المتحدة تعتبر “ربيع العالم العربي” بمثابة “فرصة تاريخية”، على امل دعم التحولات والتغيرات في المنطقة بواسطة نشر مفاهيم الامريكيين للقيم ودفع الوضع الى اتجاه يرضيها.

وقال في مقابلة مع صحيفة ((جيهفانغ)) انه “في الواقع تعد افكار اوباما نسخة من برنامج الشرق الاوسط الكبير الذي طرحه سلفه جورج دبليو بوش”.

— محاولة لإرضاء الفلسطينيين:
اذا درسنا فكرة اوباما الجديدة حول قضية فلسطين بجدية، فيمكننا ان نجد بسهولة انها “لا تعني ان الجانب الفلسطيني سيحصل على ما يغني ويثمن من جوع اذ ان اوباما حدد عددا من الشروط المسبقة”، على ما ذكرت صحيفة ((تشينغنيان)) اليومية الرسمية – الاسم يعني باللغة العربية (الشباب)- في عددها الصادر في 24 مايو الحالي.

وقالت الصحيفة الناطقة باسم المجلس المركزي لجمعية الشباب الصينية التى تعد بمثابة ساحة لتخريج الكوادر رفيعة المستوي في الصين، قالت ان الرئيس الامريكي كان ينوي ان يعبر عن “موقف امريكي جديد” حيال مفاوضات السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين في خطابه، بيد ان فكرة “حدود عام 1967” اثارت غضبا شديدا من جانب اسرائيل، كما لم تلق ترحيبا كليا من الفلسطينين ايضا.

وحدد اوباما عدة شروط مسبقة لانسحاب اسرائيل من الاراضي التى احتلتها بعد عام 1967 وتفكيك مستوطناتها في القدس والضفة الغربية.وتتضمن هذه الشروط ما يلي:

اولا، نزع سلاح الفلسطينيين “لتوفير ضمان امنى لاسرائيل”.

ثانيا، عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع بين حركة التحرير الوطني الفلسطينى (فتح) وحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) حيث مازالت الولايات المتحدة تعتبر الاخيرة “منظمة ارهابية”.

ثالثا، عدم سعى الفلسطينيين لاجراء التصويت على قيام دولة “بشكل احادي الجانب” في الامم المتحدة في سبتمبر المقبل.

والمح مسئولون امريكيون الى ان واشنطن ستستخدم نفوذها لمنع التصديق على قرار لصالح الفسطينيين في هذا الصدد.

ومن الصعب على السلطة الفلسطينية ان تلبي هذه الشروط المسبقة التي تتنافى تماما مع مساعيها الرامية الى تحقيق التوافق الداخلي وقيام الدولة، على حد قول الصحيفة.

قال لي قوه فو، مدير مكتب دراسات شئون الشرق الاوسط التابع لمعهد البحوث الصيني للشئون الدولية، خلال مقابلة مع الاذاعة الدولية الصينية انه على الرغم من ان اوباما اكد في خطابه على ضرورة دعم عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين في الوقت الراهن، مجددا دعوته لكي يغتنم طرفا الصراع الفرصة لاستئناف المفاوضات المتعثرة، “لكني شعرت بان موقف اواباما ازاء القضية يتراجع الى حد ما، اذ اني لم اجد في كل خطابه ان الولايات المتحدة تعتزم فرض اي ضغط على اسرائيل، بل حمل الفلسطينيين مسئولية استئناف مفاوضات السلام وتحقيق التعايش السلمي بين الطرفين وطلب منهم اتخاذ اجراءات واقعية، فيما يشدد على ضرورة ان تتمتع اسرائيل بالامن”.

ولفت الى ان اواباما يريد ان يعبر من خلال خطابه عن نيته فى البحث عن فرص جديدة في منطقة الشرق الاوسط، وتحسين العلاقات مع المسلمين والحصول على تأييد الشعب الفلسطيني، “لكني رأيت شخصيا ان معظم شعوب المنطقة ستشعر بخيبة امل من خطاب اوباما”.

واشار الدبلوماسي المخضرم هوا لي مينغ في مقابلة مع صحيفة ((جيهفانغ)) الى ان ما يسمى بـ “الموقف الجديد في خطاب اوباما كان ضمن نص قرار للامم المتحدة برقم 242 كانت واشطن قد وافقت عليه، فلا يمكننا ان نعتبر مقترح اوباما الخاص بالقضية شيئا جديدا”.

— وعد فارغ:
شأنه شأن العديد من الساسة الامريكيين، ألقى اوباما عددا لابأس به من الكلمات “الرنانة”. لكن بعض المحللين اشاروا الى انه بسبب محدودية السياسات الامريكية تجاه الشرق الاوسط، من السهل التصريح بالهدف الذي حدده اوباما ولكن من الصعب تنفيذه عمليا ، حسبما افاد موقع ((شينخوا نت)) الاخباري الالكتروني التابع لوكالة الانباء ((شينخوا)).

وقال الموقع في تعليق له ان اوباما قال في خطابه ان مستقبل بلاده مرتبط بمنطقة الشرق الاوسط لاسباب اقتصادية وامنية وتاريخية، وان الشرق الاوسط نقطة وصل سياسية جيولوجية منذ زمن قديم، وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور ظلال الدول الغربية الكبرى الى حد ما وراء العديد من الاحداث المهمة في المنطقة.

واضاف التعليق ان السياسات الخاصة بالمنطقة والتى تبنتها الولايات المتحدة منذ عقود على اساس اعتبارات امن الطاقة والمصالح السياسية الجيولوجية وغيرها، ادت بالاخير الى اعمال الشغب والنزاعات وحتى الحروب التي تقع بالمنطقة بشكل مباشر او غير مباشر.

واشار التعليق الى ان اوباما نفسه اعترف بان بلاده سعت لمصالحها الضيقة ووسعت الفجوة بينها وبين العالم الاسلامي. وفي المستقبل، من البديهى ان يظل الشرق الاوسط منطقة مهمة في اطار الاستراتيجية الامريكية العالمية لكن كيف للولايات المتحدة ان تعزز روابطها مع المجتمع الشرق اوسطي؟

لفت محللون الى انه وسط الاضطرات في بعض الدول العربية منذ بداية العام الحالي، يبدو ان الموقف الامريكي المزدوج يبلغ الناس بانه من الصعب ان تعدل او تغير الولايات المتحدة السياسات التى تصب في مصالحها الخاصة.

ومنذ عشرات السنوات، حاول الرؤساء الامريكيون دفع عملية السلام في الشرق الاوسط، لكنهما حصدوا الفشل في نهاية المطاف. ومنذ تولي اوباما الرئاسة لم ينجح في الخروج من هذه الحلقة الضيقة.

وعزا التعليق سبب ذلك الى الموقف الامريكي الضيق، قائلا انه مهما كان اتجاه قضية فلسطين والاوضاع الكلية بمنطقة الشرق الاوسط برمتها، يجب على الولايات المتحدة ان تراجع سياساتها وتأخذ في الاعتبار بجد مصالح معظم دول المنطقة.

وختم التعليق بالقول انه اذا حدد اوباما وعده في اطار التعبير الشفهي فقط، فمن الصعب ان ينفع الوعد.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ايضا، ذكر موقع ((تشاينا نيوز)) الاخباري على الانترنت ان مقترحات اوباما لم تنجح في ازالة العراقيل في طريق مفاوضات السلام بين الطرفين، بل ربما جعلتها “بعيدة المنال”، اذ ان اوباما تبنى سياسة وبخ فيها تعنت اسرائيل من ناحية، وعارض جهود الفلسطينيين فى دفع الاعتراف بدولتهم من ناحية اخرى.

واضاف الموقع ان اوباما دائما مثار انتقاد بسبب “الدبلوماسية الضعيفة” التي يتبعها، على سبيل المثال، لم تأخذ اسرائيل في الاعتبار ابدا طلب واشنطن الخاص بوقف بناء المستوطنات . ولذا يشكك الناس فيما اذا كان لدى اوباما القدرة على دفع الطرفين الى تقديم تنازلات ملموسة .

ومن جانبه نقل موقع ((ايستداي)) الاخباري ، الذى يتخذ من شنغهاي مقرا له، عن شن دينغ لي نائب رئيس معهد البحوث والدراسات الدولية التابع لجامعة فودان اقدم واهم الجامعات في جنوب الصين، نقل عنه قوله ان “الولايات المتحدة تنحاز الى اسرائيل بشكل مفرط، ما الحق ضررا كبيرا بمصالحها”، مضيفا ان “الناس ليسوا مقتنعين بان دولة ظلت تطارد اسامة بن لادن طوال السنوات الماضية، ليس بمقدورها ان تعيد الاراضي المحتلة الى دولة تحتاج الى حمايتها. واذا لم تنجح في ذلك، فسيعتقد كثيرون ان الولايات المتحدة لم تقم بما يجب ان تبذله من جهود”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.