موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين وفلسطين (1)

0

marwan-soudahchina-palestine

موقع الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح*
كان موقف جمهورية الصين الشعبية مُناصراً في استقامته، نزيهاً ومبدئياً، وغير متحفظ في مساندته للقضية الفلسطينية وشعب فلسطين العربي، منذ تأسيس الدولة الشعبية الصينية، وظهور جيشها الشعبي الذي احتفلت الصين وسفاراتها بالعالم مؤخراً بالذكرى الـ88 على تأسيسه.
في الموقف الصيني الرسمي والشعبي حِيال قضية العرب المركزية، القضية الفلسطينية، أن الزعيم المؤسس للدولة الصينية والحزب الشيوعي ماوتسي تونغ رفض رفضاً مطلقاً الاعتراف بدويلة اسرائيل الصهيونية، ووصفها بأقذع الأوصاف، واقترح على القيادة الفلسطينية قبول مليون عسكري صيني، ترسلهم الصين ليقاتلوا الى جانب العرب والفلسطينيين، ليستعِيدوا أراضيهم المحتلة. إذ ان الزعيم والمُحرِّر ماو كان يردّد على مسامع وعلى أنظار العرب و للفلسطينيين، أن الصين الحليفة للعرب مستعدة للتضحية بأبنائها من العسكريين من اجل تأكيد أمميتها ومناصرتها للشعب الفلسطيني ودحر الحركة الصهيونية. لكن طلب ماو المِلحاح من قادة عالم العرب لم يَجد آذاناً صاغية لدى العديد من قياداتهم ومن رئاسات فلسطينية، فتأجل حل القضية والنصر في النزال ضد الصهيونية الى آماد غير معلومة وغير مرئية، إذ دخلت قضية العرب الاولى في مساومات عربية عربية ودولية لا نهاية لدهاليزها، أحبطت الحلول الاممية ومشاريع وقرارات الامم المتحدة، فباتت القضية – وللاسف الشديد – بيد واشنطن ومَن يِلف لفّها.
لكن الصين تبقى داعمةً بصدق لفلسطين ولسفارة فلسطين في بيجين، وهو ما أكده لي سفير دولة فلسطين السابق لدى جمهورية الصين الشعبية وعضو الهيئة الإدارية للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين، وسفير فلسطين في دولة اليمن حالياً، الأخ دياب اللوح، الذي أسهب في التعريف بنواحي هذا الدعم المتميز وتاريخه، وأسهب في الحديث لي كيف ان مَن يخدم في سفارة فلسطين بالصين يكون مكرماً ومعززاً لدى القيادية الحزبية والحكومبة الصينية وفي كل مجال على كل مِنوال صيني، وقد زادتني أقواله ثقةً بالصين وحزبها الشيوعي القائد والباني والمُسَيِّر.
وفي مجال جديد، نلاحظ كيف ان وسائل إعلام عربية وغرب سياسية عديدة تحاول الإيحاء، ان بيجين اتفقت مع تل بيب في السر، لخدمة مشروع الصهيونية في إقامة المزيد من المستوطنات اليهودية في فلسطين، وتعزيز السابق منها وترسيخه، وبأن ذلك يدخل ضمن ما تسميه تلك الوسائل الخبيثة اتفاقات وتفاهمات صينية اسرائيلية “على أعتاب” ما تدّعيه من فشل الدول العربية على مِثال سورية والعراق ومصر وغيرها في النظام العربي، وفي إطار ما تصفه بـ”ازدهار اسرائيل وتقدّمها في كل مجال وقوتها العسكرية المتزايدة والضامنة للاستقرار في منطقتها”.
لكن الصين بادرت الى الرد على تلكم الاتهامات الصهيونية، فحذرت من أنها لن تسمح بتوجّه عمال من مواطنيها إلى إسرائيل لبناء مستوطنات يهودية، ولا بتوجّههم الى الكيان الصهيوني إلا بعد تعهّد سلطات الاحتلال بعدم توظيفهم في مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، بحسب ما أعلنه مسؤول حكومي إسرائيلي، مضيفاً في محاولة مكشوفة لتوريط الصين في نزاع عربي صيني: “نحن في طور التفاوض مع الصين حول اتفاق يشمل قدوم آلاف العمال الإضافيين.. وفي الوقت الحالي، المفاوضات تتعثر حول مسائل عدة، من بينها عمل هؤلاء المهاجرين في مستوطنات” في “يهودا والسامرا” – (إقرأ هكذا: الضفة الغربية المحتلة)، ومشيراً إلى أن “بيجين تطلب منا تعهداً بعدم توظيفهم هناك، لكن ذلك يَطرح مشكلة” !!

في الإحصاءات الاجنبية المختلفة، وإحصاءات الحكومة الكولونيالية والإحلالية الإسرائيلية نفسها، أن بناء المستوطنات التي يُقيم فيها من 400 – 500 ألف شخص وعددها مئة مستوطنة، يُشكّل أكثر من ثلاثة في المئة من مجمل مشاريع البناء في إسرائيل.
في فلسطين المحتلة عام 1948 تشترط بيجين ان يكون عمل مواطنيها في فلسطين بموجب عقود خاصة ورسمية بين شركات إسرائيلية وصينية، لا يكون فيها مجال لأكثر من تفسير واحد لطبيعة عملهم، وعلى ان يُحدّد الاتفاق شروط عمل الصينيين بإشراف رسمي صيني، حتى لا تتحول العمالة الصينية الى عامل احتلال لشعب صديق وحليف للصين، ولأمة عربية لها علاقات ذات سِمةٍ عريقة بالصين، ولأنظمة عربية واسلامية تَعتبر فلسطين المحتلة والمقدسة مقياساً عالمياً للانتصار الدولي للسلم الحقيقي والعدالة والتحالف المبدئي بين الاحرار والمقموعين.
في رأي وكالة الصحافة الفرنسية، ان الخلاف حول العمال الصينيين
يَظهر في ظروف حساسة تتعرض فيها “إسرائيل” لحملة مقاطعة عالمية غير حكومية، بهدف زيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها، لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.
وفي تحليل المراقبين الصحفيين والسياسيين، انه سيكون من الصعب على حكومة نتنياهو العنصرية، وهي من الأكثر فاشية في تاريخ إسرائيل، ولكونها هي بالذات وليس المستوطنون فقط، تتحمل مسؤولية حرق الرضيع الفلسطيني علي سعد دوابشة (سنة ونصف) من قرية دوما جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية وحرق عائلته ومنزلهم، قبول الشرط الذي تفرضه بيجين، خصوصاً أنها لا تملك قوة كافية في البرلمان، ما يجعلها خاضعة للوبي المستوطنين، الذي يتمتع بنفوذ قوي ونافذ وفي إطارات “لوبي” نتنياهو نفسه. ثم ان الشرط الصيني يتناغم مع حملة مقاطعة كيانية اسرائيل التي وهي حملة تشتد راهناً وتصم بالعار قيادتها وحلفائها وعلى رأسهم الادارة الامريكية الضامن الاول لحروب واستمرار عدوانات تل أبيب وعدد من قيادات دول غرب وشرق أوروبا المرتهنة والمتذيلة لأمريكا سواء بسواء.

المخطط الاسرائيلي كان يهدف وما يزال يهدف الى تلطيخ سمعة الصين بالطين والسخام، وفصل الصين عن التحالف والتعاضد مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين، واستعداء كل حليف دولي وأممي على الصين، لأن للصين مستقبل واعد في البشرية تريده اسرائيل لها وحدها على قاعدة السيكولوجية الصهيونية الاستحواذية المعروفة، وجعل قضية فلسطين عارية من دعم بيجين العظيمة، بل ووقف الدعم الكبير صينياً لقضية العرب المركزية، إلا ان ذلك لم يحصل ولن يحدث، وستبقى الصهيونية الماكرة تبحث عن سبب كبير لكسب المعركة السياسية ضد الصين وفلسطين في أنٍ، لكن الصين والقوى العربية الخيّرة والنابهة متنبهين لهذه العملية التأمرية.
مشروع نتنياهو سيبقى هو هو مناهض للصين، وسيحاول قبل خروجه من رئاسة الوزراء النيل من مشروع الأربع نقاط الصيني الذي طرحه سابقاً الرئيس الصيني والامين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، وقدّمه للرئيس محمود عباس ولنتنياهو، والاخير قبل به ، لكنه عمل فوراً لتفشيله ووأده، لكون المشروع يُحرّر فلسطين من قبضة الصهيونية ويدفع بعجلة السلام بالشرق الاوسط الى الامام.. فكان ان توقفت الدعوة للمشروع السلمي الصيني بالمنطقة، لكن الصين لم توقف رغم ذلك مساعيها السلمية تجاه شعب فلسطين، ولم يَجف دورها السياسي الفاعل في فلسطين والدول العربية، وبقيت الوفود الصينية الحزبية والحكومية تزور فلسطين والعواصم العربية وتنسق مع العرب والفلسطينيين المحاصَرين بالاحتلال وإحلال المُستوطِنين، وتطّلع على أرائهم وتقرأ مقترحاتهم التي هي نافعة للصين التي تبني مشروع العدالة والسلام العالمي من خلال الاقتصادي والتجارة والسياسة الصينية الشفافة والسلمية الناعمة المُناصِرة للامم.
*رئيس الاتحاد للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.