موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين.. دولةً وتاريخ.. ماضياً وحاضراً

0

nabila-kaed-china

موقع الصين بعيون عربية ـ
نبيلة القائد *:

الصين دولة عريقة، حضارتها متواصلة، وتضرب جذورها في أعمق أعماق التاريخ. وفي المراجع، يعود أول تاريخ مكتوب للصين إلى العام 1766 ق.م.، فقد وجدت بعض المخطوطات المدوّنة داخل أوعية برونزية ومقتطفات منقوشة على أصداف سلاحف وعِظام بعض الحيوانات. وفي العام 100ق.م. بدأ المؤرخ الصيني “سيما كيان” بكتابة تاريخ الصين، وبالتالي وفّر للصين ولنا وللبشرية فرصة لتصوّر ذلك التاريخ القديم للصين، وكيف تطور في خط صاعد ومذهل.
على الأراضي الشاسعة التي سكنها أبناء قومية (هان)، نشأت حضارة الصين التي تعد من أقدم الحضارات في العالم، وهي وحدها، من بين أربع حضارات عريقة، تواصلت فيها الحضارة والثقافة ولم تنقطعا، مثلها مثل حضارة وادي النيل، وحضارة بلاد ما بين النهرين، وحضارة الهند القديمة. ولقد اكتُشف في الصين متحجرات الإنسان البدائي في «يواگو» بمقاطعة «يونّان» (إنسان يواگو) الذي عاش قبل (1.7) مليون عام تقريباً. وظهر «إنسان بكين» الذي عاش في «زوكوديان» بالقرب من بكين قبل 600 ألف عام تقريباً، ويتصف بالمميزات الأساسية للإنسان، إذ استطاع المشي معتدل القامة، وصنع أدوات حجرية بسيطة واستعملها، كما عرف كيف يستخدم النار ويسيطر عليها، وانتشرت آثار العصر الحجري الحديث قبل عشرة آلاف سنة تقريباً في أنحاء الصين، واكتشف الأرز وحبوب الدخن، التي زرعها الإنسان وبقايا أدوات زراعية في مواقع «خيمودو» في «يويتاو» بمقاطعة «ژجيانگ» Zhejiang وبانيوه في «شيآن» Xi’an التي يعود تاريخها إلى ما قبل الألف السابع قبل الميلاد.

العصر الحجري الحديث
في العصر الحجري الحديث، احتضنت الصين حضارتي يانگشاو و لونگشان. وبلغت حضارة يانگشاو أوجها حوالي عام 3000 ق.م. وامتدت هذه الحضارة من الوادي الأوسط هوانج هي إلى الإقليم المعروف حاليًا باسم گانسو، ثم حلّت محلها حضارة لونگشان التي انتشرت في أرجاء البلاد كافة. عاش شعب هذه الحضارة داخل الأسوار، وزرعوا الأرز والدخن ودرجوا على تربية الأبقار والأغنام.

الصين القديمة
أُولى السلالات (الأسر) الصينية الحاكمة، هي أسرة شانگ في وادي هوانگ، خلال القرن الثامن عشر ق.م. وحكمت الصين حتى عام 1122 ق.م.
ـ انبثقت عن حضارة لونگشان حضارة الأسرة الحاكمة شانج في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. ونشأ خلال هذه الحضارة مجتمع متطور تحكمه بالوراثة طبقة أرستقراطية. إن أهم ما قدمته هذه الحضارة، وما زال شاهدًا على عراقتها، يتمثل في الأواني البرونزية الضخمة وتماثيل الخيول والعربات، ووضعها لنظام كتابة خاص بها.
ـ في عام 1122 ق.م.، قام سكان غربي الصين بإنهاء حضارة شانگ، وأقاموا بدلاً منها حضارتهم وهي حضارة أسرة تشو التي حكمت الصين حتى عام 256 ق.م.
ـ في عام 500 ق.م.، ظهر الفيلسوف كونفوشيوس، الذي حوّل الناس من الدين إلى الفلسفة، كما كان عليه الحال في اليونان. إبان تلك الحقبة الزمنية خلال فترة حكم تشو تحارب الحكام من أجل بسط نفوذهم على الأراضي الصينية كافة
التاريخ الحديث (1840- 1919م)

إنحطّت أسرة تشينغ بسرعة في بداية القرن التاسع عشر. في تلك الفترة، نقل البريطانيون كميات ضخمة من الأفيون إلى الصين، وحاولت حكومة أسرة تشينغ حظر الأفيون. لكن حكومة بريطانيا شنت حرباً عدوانية ضد الصين في عام 1840، من أجل حماية تجارة الأفيون وتجّارها، وفي النهاية وقّعت حكومة تشينغ مع حكومة بريطانيا ((معاهدة نانجينغ))، التي مسّت سيادة الصين وجرحت كرامة الأمة الصينية. وبعد حرب الأفيون، أجبرت بريطانيا وأمريكا وفرنسا وروسيا واليابان وغيرها من الدول بإستمرار حكومة تشينغ على توقيع معاهدات غير متكافئة عديدة. ومنذ ذلك الوقت، تحوّلت الصين تدريجياً إلى مجتمع شبه مُستعَمَر وشبه إقطاعي.
أطاحت ثورة 1911 التي قادها صون يات صن بحكم أسرة تشينغ التي دامت نحو 270 عاماً، وفي نفس الوقت وضعت نهاية للنظام الإمبراطوري الذي دام أكثر من 2000 عام، وأسست جمهورية الصين، وكان ذلك حدثاً عظيماً في تاريخ الصين الحديث.

ومع نهاية الحرب العالمية الأولى ، بدأ الرأسمال الغربي وبضائعه غزو السوق الصينية مرة أخرى. ودخلت الصناعات الصينية في أزمة ، ولا سيما صناعات القطن والرز والبترول وكذلك صناعة الحرير وأعمال الفولاذ في أواسط وادي اليانغ تسي و منشوريا.
وسّع الحزب الشيوعي الصيني نشاطاته الأممية . وأرسل مُمثليه إلى مؤتمر كادحي الشرق الأقصى الذي انعقد في موسكو في كانون الثاني 1922. قضى عدة كوادر في الحزب الشيوعي الصيني بعض الوقت في فرنسا (شوان لاي، دنغ شياو بنغ). وعقد الحزب مؤتمره الثاني في تموز 1922 (123 عضواً). ودأب على حضور المؤتمرات السنوية للكومنترن الذي كان الاممية الشيوعية. ( المصدر صحافة أجنبية )

الحرب مع اليابان
بلغ التوسّع الياباني أوجهُ في الصين على مدار عدة سنوات منذ أوائل الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي . فقد شن الجيش الياباني هجومًا كبيرًا ووحشياً على الصين في بداية العام 1931، وأتبعه بهجوم واسع في العام 1937م، وبرغم المقاومة الصينية الباسلة بقيادة الحزب الشيوعي والتي أبهرت العالم كله، تمكنت اليابان من السيطرة على أجزاء من الصين مع نهاية عام 1938م، وارتكبت مجازر كبرى يندى لها جبين الانسانية منها مجزرة نانجينغ.
انضمت البلاد الصينية إلى الحلفاء الدوليين في الحرب العالمية الثانية، ووقفت الى جانب الاتحاد السوفييتي، بعد ان فهم الحلفاء الغربيون ان الشعب الصيني قادر على هزيمة الاستعمار الياباني دون مساعدتهم برغم الخسائر الكبيرة التي أُنزلت به. أنذاك قويت شوكة الشيوعيين وأسسوا قوة في شمالي الصين، مكّنهم من ذلك الفلاحون الذين قاموا بتقديم الغذاء اللازم والخدمات المساندة للقوات الشعبية. وزع الشيوعيون على المزارعين الأرض، وباشروا بالثورة الاجتماعية التي دفعت بشعب الصين الى الامام نحو النصر.

الثورة الديمقراطية الجديدة (1919-1949م )
وفي عودة الى صفحات التاريخ، نقرأ عن ان الثورة الديمقراطية الجديدة للاعوام (1919-1949، م)، تُعد “حركة 4 مايو” التي اندلعت في الصين عام 1919، مصدر أفكار لأحداث هامة في تاريخ الصين المعاصر. ويرجع سببها المباشر، إلى المعاهدات غير المتكافئة التي فُرضت على الصين بعد الحرب العالمية الأولى. كما بدأت أفكار جديدة مختلفة تدخل إلى الصين، ومنها كان انتشار الماركسية – اللينينية الأشد جذباً. وفي عام 1921، عقد الزعيم ماو تسي تونغ و11 شخصاً آخر، بصفتهم ممثلين للجماعات الشيوعية في مختلف المناطق، المؤتمر الوطني الأول في شانغهاي، فتأسس الحزب الشيوعي الصيني، الذي نفاخر نحن أعضاء الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (حلفاء) الصين بعلاقات متميزة معه.

وعن الحزب الشيوعي الصيني، فقد شهد خلال قيادته للشعب الصيني في الثورة الديمقراطية الجديدة حلول أربع مراحل: مرحلة حرب الحملة الشمالية (1924 –1927)/ ومرحلة حرب الثورة الزراعية (1927 – 1937)/ ومرحلة حرب المقاومة ضد اليابان (1937 – 1945)/ ومرحلة حرب التحرير الوطني (1945 – 1949). وفي مرحلة حرب المقاومة ضد اليابان، تعاون الحزب الشيوعي الصيني مع حزب الكومينتانغ في مقاومة الغزاة حيث اضطر الكومينتانغ للتحالف مع الشيوعيين الذين طرحوا نهج الوحدة الوطنية والتحريرية، وأحرز الشيوعيون الانتصار في الحرب. ولكن في عام 1945، شن حزب الكومينتانغ حرباً أهلية بشعة، وأخيراً أطاح الحزب الشيوعي الصيني بحكم حكومة الكومينتانغ، في عام 1949، بعد حرب التحرير الوطني التي دامت 3 سنوات، حيث اختار الصينيون الجمهورية والاشتراكية.
في بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية عل يد الرئيس ماو، نجحت الحكومة الصينية في إنجاز الإصلاح الزراعي في كل مناطق البلاد التي يقطنها أكثر من90٪ من المزارعين. وحصل 300 مليون فلاح على نحو 47 مليون هكتار من الأراضي. ونجحت الخطة الخمسية الأولى للتنمية الاقتصادية الوطنية التي نفذت في فترة 1953 – 1957، محققة منجزات مدهشة إذ :-
ـ بلغت نسبة زيادة الدخل الوطني أكثر من 9ر8٪ سنوياً؛
ـ وأنجز بناء مجموعة من الصناعات الأساسية التي يحتاج إليها التحديث الصناعي ولم يكن لها وجود سابقاً؛
ـ وضعت قاعدة ناجحة للصناعات الثقيلة ومنها، صناعة الطائرات والسيارات والآلات الثقيلة والدقيقة ومعدات توليد الكهرباء ومعدات التعدين والمناجم وسبائك الفولاذ الممتاز، وصهر المعادن غير الحديدية وغيرها.

ـ في فترة 1957 – 1966، شرعت الصين بالبناء الاشتراكي على نطاق واسع. فبالمقارنة مع عام 1956، ازدادت الأصول الثابتة للصناعة في عام 1966 ثلاث مرات حسب السعر السابق، وازداد الدخل الوطني 58 ٪حسب السعر الثابت. كما ازدادت كمية إنتاج بعض المنتجات الصناعية الرئيسية عدة مرات أو بضع عشرة مرة.
ـ وجرى البناء الأساسي الزراعي والإصلاح التقني على نطاق واسع. والفترة ما بين مايو 1966 وأكتوبر 1976 هي السنوات العشر لـ “الثورة الثقافية الكبرى” التي أنزلت أخطر نكسة وأفدح خسارة بالبلاد والشعب منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية.

ونقرأ في المراجع الرسمية الصينية، ومنها “شبكة الصين” الرسمية، أنه في أكتوبر 1976، “سُحقت طغمة جيانغ تشينغ المعادية للثورة.. كان ذلك رمزاً لانتهاء “الثورة الثقافية الكبرى”، و “دخلت الصين مرحلة جديدة في التاريخ”. ثم أُعيدت إلى دنغ شياو بينغ الأمين العام السابق للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وداعية التحديث والانطلاق الى فضاءات الكون، كل مناصبه الحزبية والحكومية، وتحت قيادته بدأت الصين تطبيق سياسة ونهج “الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي” عام 1979 وتحويل مركز ثقل الأعمال إلى بناء التحديثات. وبواسطة إصلاح النظام الاقتصادي والسياسي، حدّدت بالتدريج طريق بناء تحديثات اشتراكية ذات خصائص وألوان صينية. ومنذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي، طرأت تغيرات عميقة على ملامح الصين. وأخذ يتطور اقتصادها تطوراً سريعاً ويرتفع مستوى معيشة الشعب ارتفاعاَ واضحاَ، وتعد هذه الفترة أفضل فترة من حيث الوضع السياسي والاقتصادي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية.

بعد تلكم التطورات الحاسمة، تولى جيانغ تسه مين الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني عام 1989 ورئيس جمهورية الصين الشعبية عام 1993؛ وتولى هو جين تاو منصب الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني عام 2002 ورئيس جمهورية الصين الشعبية عام 2003. وهما منَ قادا المجموعة القيادية المركزية في مواصلة ووراثة سياسات الدولة حول الإصلاح والانفتاح، التي دعا إليها الاصلاحي والمُفَكّر والعبقري الكبير دنغ شياو بينغ، ما أفضى إلى ظهور عصر عظيم من الازدهار في الصين، يتمثل في سياستها المستقرة و تنميتها الاقتصادية السريعة وأعمالها الدبلوماسية النشطة بخاصة مع البلدان العربية، إذ أيّدت وتؤيد الصين كافة القضايا العربية المشروعة بلا تحفّظ، وعلى رأسها الفلسطينية وشعب فلسطين.

الصين الجديدة.. الجمهورية
قريباً، في الثلاثين من سبتمبر الحالي، نحتفل سوياً مع الصين قيادةً وسفارةً وشعباً بالذكرى ال66 لتأسيس الدولة الشعبية. وفي هذا السياق نستذكر، الأول من أكتوبر 1949، حيث تجمّعت جماهير الشعب الصيني في ميدان تيان آن مِين في بكين – (ساحة السماء)، حيث أُقيم احتفال مهيب لتأسيس الدولة. وأعلن الزعيم المؤسس ماو تسي تونغ، رئيس الحكومة الشعبية المركزية الاولى بمهابة: تأسيس جمهورية الصين الشعبية رسمياً.
وبهذه المناسبة الغالية – تأسيس جمهورية الصين الشعبية الحليفة، أوجّه أحر التهاني القلبية وأطيب تمنياتي للقيادة السياسية الصينية التي على رأسها فخامة السيد شي جين بينغ – الامين العالم للحزب الشيوعي الصيني الحليف ورئيس جمهورية الصين الشعبية الحليفة، والحكومة والشعب الصيني وسفارة جمهورية الصين الشعبية بالاردن، وعلى أسها الاخ تشانغ هايتاو- السفير المؤقت، وأرغب توظيفاً للمناسبة التاريخية الرائعة، بالتأكيد على أهمية وضرورة العمل على رفع درجة علاقاتنا الاتحادية بالصين الى درجة التحالف في كل المجالات .

الصين.. العرب والاردن
مؤخرًا، ألقت المستعربة الصينية لي شي، التي تحل باحثة زائرة على جامعة فيلادلفيا بدعوة من دائرتي العلاقات العامة والمكتبة، محاضرة عن تاريخ اللغة العربية في الصين.
وقد لفت انتباهي ما أكدته لي شي، التي تحضّر لنيل درجة الدكتوراة في التاريخ المعاصر للأردن، أن حكومة الصين الجديدة تهتم أكثر بتطوير العلاقات الصينية الاردنية والعربية. ففي عام 1956، تم اختيار دفعة من الطلبة الممتازين وإيفادهم إلى مصر لدراسة اللغة العربية والثقافة العربية؛ إلى جانب ذلك، أنشأت الحكومة تدريجياً في بعض الجامعات تخصص اللغة العربية.
واستطردت قائلة، أنه وبعد تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين حققت الجامعات الصينية طفرة جديدة في تعليم اللغة العربية، فمنذ الثمانينات من القرن العشرين وحتى اليوم، بدأت الدراسات العليا لتخصص اللغة العربية والأدب العربي على التوالي، كما صار لجامعة الدراسات الأجنبية ببكين وجامعة بكين وجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي الحق في منح درجة الدكتوراه لتخصص اللغة العربية والأدب العربي.
وفي تعليم اللغة العربية فقد بدأ في المساجد مع انتشار الإسلام وزيادة عدد المسلمين في الصين، في زمن أسرة مينغ (1522 – 1566)، على يد خو دنغ تشو (1522 – 1597 م) العالم المسلم من قومية هوي في مقاطعة شانشي. وبعد ثورة عام 1911، ونتيجة لتأثير الحركة الثقافية عرف المسلمون الصينيون تدريجيا الجوانب السلبية للتعليم في المساجد وبدأوا بإنشاء مدارس حديثة، وهي المدارس التي تدرس فيها الصينية والعربية.
وأشارت إلى أن عبد الرحمّن نا تشوني هو أول من بدأ تعليم اللغة العربية في جامعة صينية، عام 1943، بعد تخرجه في جامعة الأزهر، وانتشر تعليم اللغة العربية في الصين بمناطق المسلمين السكنية وأدرج في نظام التعليم العالي الأمر الذي أوضح جيدا اهتمام الحكومة الصينية بإعداد الأكفياء ممن يتقنون العربية ويعرفون الثقافة العربية الإسلامية.
• عضو في الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (حلفاء) الصين، ومنتديات قرّاء “مجلة الصين اليوم”، واذاعة الصين والدوليةCRI، والفضائية الصينيةCCTV.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.