موقع متخصص بالشؤون الصينية

شساعة فضاءات التعاون الاردني والعربي – الصيني

0

maria-soudah-china-arabs

موقع الصين بعيون عربية ـ
ماريا مروان سوداح*:
العلاقات الاردنية الصينية متكافئة في كل مجالاتها، وهي تتمتع بالصداقة والتناغم والمساواة في الحقوق. والممتع في هذه العلاقات، أنها تتطور بخطى متسارعة وواثقة، مع تعمّق إدراك الجانبين لأهميتها في خضم التطورات الخطيرة التي تشهدها منطقة “الشرق الاوسط”، وما تنتجه من تبعات جيوسياسية وعسكرية.
والمتابع لمجرى تطوّر العلاقات والصِلات الصينية الاردنية، يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأن الاردن والصين “دولتان مِثال” للعلاقات المتكافئة تماماً بين الدول ذات الانظمة السياسية المتباينة جداً، وبين تلك الصغيرة مساحة وتلك الكبيرة، وما يجب ان تكون عليه ما بين الدول القوية والجبارة كالصين، والدول المحدودة الموارد والامكانيات والقدرات الاقتصادية والتجارية  والبشرية كالاردن.
جلالة الملك عبدالله الثاني زار بيجين ويينشوان بدعوة صينية رسمية، انتهت قبل أيام، وكانت زيارة عمل سياسية واقتصادية مُنتجة ودافعة بالعلاقات الى الامام، وأكدت مرة أخرى بأنها، إقتصادياً، إستراتيجية، وسياسياً متقاربة وتبحث عن التفاهمات بلا كلل، في الكثير من الحقول، وبأن الدول الاخرى لا يمكن ان تتغاضى عن تلك العلاقات عندما يدور الحديث عن صِلات دول المنطقة العربية مع الدول الاخرى، بحيث تقفز الصين في سياقات ذلك، الى مكانة متميزة حين تلعب دوراً إيجابياً واستثنائياً ومختلفاً عن أدوار معظم الدول، وبخاصة المتربولية، مع الاردن والبلدان العربية، وجُل العلاقات الصينية مع العرب – عموماً – تجري على قاعدة الاحترام التام والصارم المتبادل النفع مع الآخر، وكيانه، وتوجهاته، وتتفهم الصعوبات المختلفة التي يواجهها، والتحدّيات الجِسام، التي تعصف بالمنطقة، وتكاد تفتتها إرباً، وقد فتّتت بعضها.
وقد كانت مدينة ينتشوان عاصمة منطقة نينغشيا الذاتية الحكم “في غرب” جمهورية الصين الشعبية الحليفة كما يجرى دوماً توصيفها، المحطة الثانية للملك في الصين بعد زيارته الى بيجين، العاصمة السياسية الوحيدة للامة الصينية، حيث حلَّ ضيف شرف على معرض الصين والدول العربية، وشارك في افتتاحه، وفيه تألقت معارض بقية البلدان العربية الواقعة في آسيا وأفريقيا.
وتعتبر مشاركة الاردن في معرض نينغشيا الصيني – العربي، فرصة تاريخية حقيقيةً، لتفعيل العلاقات الاردنية الصينية، ودفع رؤوس الاموال الى مناطق   الاستثمار الاردني الصيني بالبلدين، دون وجل أو خشية من خسارة، فهذه الخشية غالباً ما تسيطر على رجال الاعمال لدينا، لكن عليهم إدراك قيمة العمل مع الصين، حيث لا يمكن ان تكون هناك خسارة، بل ربحاً وقِيم مُضافة. كما، وعلى الفعاليات والقطاعات الأردنية المختلفة إنجاز قفزة تاريخية واقعية مع الصين، في ذلك المعرض، للمساهمة الاكبر في الارتقاء بالتعاون الاقتصادي القائم بين الصين والأردن إلى “مستوى جديد وآفاق أكثر رحابة. فالصين تستطيع خلال شهر واحد إعلاء علاقاتها مع الاردن وإفادته سريعاً الى درجة لا يمكن لأحد تصوُرِها، والامر يتطلب موافقة اردنية، وتسهيلات اردنية حقيقية، بعيداً عن التمنيات والانهماك بالكلامية..
وفي مجال التشاركية الأفعل، تلفت الصين الى انها أعلنت عن “مشروع إعادة إحياء طريق الحرير”، وبأن فخامة الرئيس شي جين بينغ، كان طرح العام الماضي مبادرة، لإنشاء “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير”، و “طريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين”، وتسمّيه باختصار “حزام وطريق”، أحدهما بري والآخر بحري. لهذا، تهتم حكومة الصين وشعبها بمشاركة الاردن في بناء “الحزام والطريق” “بإرادة واحدة” مع الصين، والتقدم سوياً في ذات الاتجاه، وتؤكد أن الأردن يمكن أن يلعب دور “رأس الجسر في التنفيذ الصيني لاستراتيجية الحزام والطريق”، إذ سيمكنهما ذلك “بكل التأكيد” من “تسجيل صفحات جديدة لعلاقات الصداقة والتعاون القائمة” بين البلدين، لما فيه خدمة أفضل لمصالح للدولتين والشعبين الصديقين.
وبرأي السفير الصيني السابق في الاردن، قاو يو شينغ، الذي غادر قبل ايام الى المركز نهائياً بعد انتهاء مهام عمله بالعاصمة الاردنية، ان العلاقات الصينية -الأردنية “تشهد هذه الايام أفضل المراحل في تاريخها”؛ إذ “تتوثق روابط الصداقة والتعاون في شتى المجالات، بفضل الرعاية الشخصية لقيادة البلدين، فقد قام الملك عبدالله الثاني بأكثر من (10) زيارات الى الصين، كان آخرها في أيلول (سبتمبر) 2013، حين تم التوصل إلى توافقات عديدة” بينه وبين فخامة الرئيس الصيني الصديق شي جين بينغ “حول الارتقاء الاستراتيجي بالعلاقات الصينية – الأردنية”.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، اقترحت حكومة الصين على الاردن ، “أن يتمسك الأردن بهذه الفرصة التاريخية للتشارك في بناء مشروع “الحزام والطريق”، وأن “يوظّفه لصالحه، بفضل ميزته الجغرافية الفريدة”.. وبيّنت الحكومة الصينية بأنه “يمكن للحكومة الأردنية ومراكز الفكر ومختلف الأوساط في المملكة، القيام بدراسة مُعمقة حول مبادرة “الحزام والطريق”، حيث يجب إطلاق الإمكانات الكامنة الكبيرة للتعاون بين البلدين للتشارك في بنائه، والعمل بجهود جماعية على وضع مخططات وإجراءات خاصة بدفع التعاون الثنائي، وتعزيز الاتصالات والمشاورات بين البلدين في تحديد “دفعة من المشروعات” التي “تراعي المصالح الثنائية”، و “الإسراع في بدء تنفيذ المشروعات التي تتوافق عليها الأطراف المختلفة وتتوفر فيها الشروط اللازمة، سعيا إلى تحقيق الثمار في وقت مبكر”.
وفي العلاقات الاردنية الصينية، فقد وصل حجم التبادلات العام الماضي الى 3.6 مليار دولار أميركي. طبعاً، الصادرات الصينية الى الأردن زادت السنة الماضية، بنسبة صغيرة، ولكن الصادرات الأردنية الى الصين ازدادت 200 %، لذا قال السفير شينغ: “أنا واثق ان زيارة الملك للصين ستعطي دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين”، واستطرد، أنه “سيكون هناك مزيد من الشركات الصينية، التي ستأتي للأردن للاستثمار، وفي شهر آب (أغسطس) الماضي، كان هناك وفد رجال اعمال من مدينة تشينجن، في مدينة العقبة للتباحث مع مفوضية العقبة، حول فكرة إقامة مدينة صناعية صينية، وهي مبادرة من رجال الأعمال هؤلاء، اي من القطاع الخاص”. ويرى السفير، “ان زيارة الملك ستلعب دوراً كبيراً جداً في دفع التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين الى الأمام. وأكيد ان السنوات القادمة ستشهد قفزة في هذا المجال، لهذا اعتقد ان التبادل التجاري بين البلدين سيستمر في الزيادة على مدى السنوات القادمة”.
* ما هي اهم الصادرات الأردنية للصين؟
– البوتاس، الفوسفات. الصين حريصة على تقليص العجز التجاري لصالحها، فالتوازن في العلاقات مع الاردن مهم لها لاستمرار زخمها ولديمومتها، فالصين تصدر للاردن ما قيمة نحو3.3 مليار دولار، والباقي يصدره الأردن، وقيمته 300 مليون دولار فقط.
يعتقد السفير، “ولكن واقع الحال، وبحكم حجم الاقتصادين الصيني والأردني، والفرق بينهما كبير جداً، فإن من شبه المستحيل تحقيق توازن كامل في التجارة البينية بين البلدين، تماماً كما هو صعب تحقيق توازن بين عدد سكان الصين وعدد سكان الأردن”. لكنه يضيف، “الرقم الاجمالي من المؤكد سيزداد، لأنه ستكون هناك زيادة في الاستثمارات الصينية في الأردن”.
الشعب الاردني طموح الى فضاءات الانتاج والاستثمار وتحقيق النجاحات في حال توفير البيئة المناسبة له بعيداً عن طحنه بالضرائب من كل شكل ونوع وتكرار. والرئيس الصيني نفسه يشهد على طموح الشعب الاردني، إذ أنه سبق وأشار الى في خطاب له أمام اجتماع وزراء الخارجية لمنتدى التعاون الصيني العربي، وقد اصبح هذا الشاب، وإسمه مهند الشلبي، شخصية مشهورة ومحبوبة في مدينة ايوو، وهي مدينة تجارية مشهورة في الصين، فيها سلع صغيرة متنوعة، والاف التجار العرب، حيث قامت البلدية هناك بإقامة مسجد خاص لهم، لأن الكثيرين من العرب يقطنونها .والشاب الاردني تزوج مواطنة صينية تعينه في حياته هناك، وافتتح شبكة مطاعم في مدينة ايوو وغيرها من المدن الصينية، ونجح في اعماله الى حد كبير جداً، وصار إسمه شهيراً حتى في القيادة السياسية الصينية، وهذا دللي على رغبة الاردنيين بالعمل مع الصين ومشاركة الصينيين الاستثمارات والاعمال النافعة للطرفين على كل المستويات.
وفي التعان الاردني مع الصين، كان توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التربية والتعليم في الصين ووزارة التعليم العالي الأردنية، لتشييد جامعة صينية اردنية، وتم تبادل الزيارات بين وفود متخصصة خلال الفترة السابقة، واتفق على هذا المشروع. وقد وقع وزير التعليم العالي لبيب الخضرا، في ايار (مايو) الماضي، خلال زيارته للصين، على مذكرة تفاهم لإنشاء هذه الجامعة.
هذه الجامعة لها مغزى خاص للعلاقات الثنائية بين البلدين، وايضا ستكون معلما مهما ومميزا في مسيرة هذه العلاقة، لأنها اول جامعة مشتركة، تقيمها الصين في الخارج. وقد وقع الاختيار على الأردن، رغم انه بلد صغير، والمغزى من وراء ذلك، هو تقدير لدور الأردن في مجال التعليم في العالم العربي، والشباب الأردنيون سيستفيدون من الجامعة ، التي يمكن ان تكون موجهة نحو بقية الدول العربية، مثل دول الخليج، ويمكن ايضاً ان تصبح جامعة عربية صينية، في الأردن.
تعتبر الدول العربية شريكة تجارية واقتصادية (طبيعية ومهمة) للصين بحسب التوصيف الصيني، بخاصة في فضاء بناء “الحزام وطريق”؛ كونها تقع في منطقة تلاقي لـ”الحزام” و”الطريق”، ولأنه توجد بين الجانبين مزايا كثيرة للتكامل الاقتصادي، وإمكانات واعدة للتعاون، فقد أكد الرئيس الصيني الصديق شي جين بينغ في الجلسة الافتتاحية للدورة السادسة من الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني – العربي، في حزيران (يونيو) الماضي، أهمية تشارك الدول العربية في بناء “الحزام والطريق”، لدفع التنمية الصينية – العربية المشتركة بروح السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتعلم المتبادل والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك التي تحملها طريق الحرير، وتُتوارث جيلا بعد جيل منذ آلاف السنين. إذ تأمل الصين وتنشط في تعزيز التعاون مع الدول العربية في المجالات كافة؛ التقليدية والمستحدثة، وتقاسم ثمار التنمية وتحقيق الازدهار المشترك.
ويرى الجانب الصيني،  أن الدول العربية تحرص على أن تقابل “انفتاح الصين على غربها” – (أي على المنطقة العربية التي تقع الى الغرب الجغرافي منها)، بما تصفه بِـ”استراتيجية التوجه نحو الشرق”، وبأن توظف مزاياها النسبية، لإيجاد مزيد من الفرص والمجالات للتنمية، بما يأتي بفوائد ملموسة لشعبي الجانبين. ويمكن للجانبين الصيني والعربي التشارك في بناء “الحزام” و”الطريق”. ولذا، ستكون مجالات التعاون ذات الأولوية التالية:
أولا؛ توسيع التجارة والاستثمار بين الصين والعالم العربي، ووضع آليات وترتيبات مناسبة لتسهيل التجارة والاستثمار. ومن أجل تحقيق ذلك، يحرص الجانب الصيني على المشاركة في بناء “الممر الاقتصادي لقناة السويس” ومنطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري في جمهورية مصر العربية. ويأمل في استئناف المفاوضات بين الصين ومجلس التعاون الخليجي حول إنشاء منطقة التجارة الحرة، والتوصل إلى اتفاقية في وقت مبكر. كما يستعد لبحث إمكانات إنشاء مناطق التجارة الحرة مع الدول العربية الأخرى.
ثانيا؛ تعزيز التعاون الصيني-العربي في مجالات السكك الحديدية والطرق العامة والموانئ والطيران المدني والاتصالات وغيرها، بما يعزز الترابط على مستوى البنية التحتية. إن الصين مستعدة للمشاركة بما لها من القوة التكنولوجية القوية والخبرة الوافرة في مجال السكك الحديدية الفائقة السرعة، في بناء شبكة السكك الحديدية في شبه الجزيرة العربية، والمشاريع الأخرى ذات الطابع الاستراتيجي.
ثالثا؛ توسيع التعاون في مجالات جديدة، تشمل المالية والطاقة النووية والفضاء وغيرها، بما يرتقي بمستوى التعاون العملي الصيني-العربي. إن الجانب الصيني على استعداد للتباحث مع الجانب العربي بشأن التعاون في إقامة مشاريع في مجالات الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وصناعة وإطلاق الأقمار الصناعية، وغيرها، بالإضافة إلى التعاون في التبادل الفني وتدريب الأفراد في المجالات ذات الصلة.
رابعا؛ تعميق التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي من المجرى الأعلى إلى المجرى الأسفل، وتوسيع التعاون في مجال الطاقة المتجددة، وفي مقدمتها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يحقق الالتقاء بين خطط الجانبين طويلة المدى لتنمية الطاقة. وكذلك بذل جهود مشتركة لحماية الممرات الاستراتيجية للطاقة، بما يضمن الأمن في الإمداد والاستهلاك للطاقة على الساحة الدولية.
خامسا؛ توسيع التواصل في المجالات الثقافية والتعليمية والصحية والرياضية وغيرها من المجالات الإنسانية، وتعزيز التواصل والحوار بين مختلف الحضارات، وتعزيز الفهم المتبادل بين الشعب الصيني والشعوب العربية.
*ملاحظة: المعلومات الواردة في المقالة، تم الحصول عليها من سفارة جمهورية الصين السعبية لدى الاردن، ووردت في المقالة حرفياً.
* ماريا مروان سوداح: مديرة في مجال الاستثمار السياحي، وعضو في الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حلفاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.