موقع متخصص بالشؤون الصينية

المسيحية بالصين.. تاريخ وقُدرات ونمو موصول

1

george-sharayha-china

موقع الصين بعيون عربية ـ
الأب الخوري محمد جورج شرايحة*:

دخلت المسيحية الى الصين خلال عهد سلالة تانغ في القرن السابع مع وصول المسيحية النسطورية في عام 635 م. أعقب ذلك المبشرون الفرنسيسكان في القرن الثالث عشر، واليسوعيون في القرن السادس عشر وأخيراً البروتستانت في القرن التاسع عشر. ومن بين الأقليات الدينية في الصين، تعتبت المسيحية الأسرع نمواً، إذ يتراوح عديد المسيحيين اليوم تقريباً بين 40 (3%) و54 مليون (4%) وفقاً لاستطلاعات مستقلة، وتشير أغلب التقديرات إلى كون عدد المسيحيون في الصين حوالي70 مليوناً، في حين تشير التقديرات الرسمية بوجود 16 مليون مسيحي فقط. بينما تشير بعض المصادر بوجود ما يصل إلى 130 مليون مسيحي في الصين، أو ما بين يترواح بين 70 و150 مليوناً. لذا، يجب الحذر بشأن مختلف التقديرات في عديد مسيحيي الصين، فلا يمكن الركون الى الكثير منها، لكن الاهم، ان المسيحية هي واحدة من اكثر الاديان انتشارا في الصين.
وتتحدث شبكة الصين الرسمية، وهي موقع اعلامي شهير، عن ان المسيحية (البروتستانتية) دخلت الى الصين في عام 635 الميلادي من بلاد فارس. لكن وبسبب أن جذورها لم تترسخ في المجتمع الصيني والثقافة الصينية، لم تشهد تطورا جيدا، حتى ألغيت عدة مرات. في القرن 19، عادت إلى الصين من بلدان غربية. في عام 1950، شن معتنقو المسيحية الصينيون حركة الذاتيات الثلاث الوطنية، وبواسطة الحكم الذاتي والتمويل الذاتي والتبشير الذاتي، سارت المسيحية الصينية على طريق الإدارة الذاتية معتمدة على النفس. وفي فترة “الثورة الثقافية” بين عامي 1966 و1976، توقفت حياة الكنيسة الصينية بعض الوقت، وعادت إليها حياتها في عام 1979، وتأسست الجمعية المسيحية الصينية في عام 1980. وفي أكثر من 20 عاما، شهدت المسيحية تطورا جيدا تحت قيادة اللجنة الصينية لحركة الذاتيات الثلاث الوطنية المسيحية والجمعية المسيحية الصينية. وفي الوقت الراهن، في الصين50 ألفا تقريبا من الكنائس ونقط التجمع الدينية، منها 70% جديدة البناء. لقد تجاوز عدد معتنقي المسيحية الصينيين 16 مليون نسمة، منهم أكثر من 70% في الأرياف. وفي الوقت الراهن، تم إنشاء 18 معهد لاهوت ومدرسة كتاب مقدس، تخرج فيها 5000 طالب تقريبا، ينتشرون في كنائس ومعاهد لاهوت في عموم البلاد. لقد نشرت اللجنة الصينية لحركة الذاتيات الثلاث الوطنية المسيحية والجمعية المسيحية الصينية 30 مليون نسخة من ((الكتاب المقدس)) و14مليون نسخة من ((الترانيم (نسخة جديدة) )). وفي الوقت نفسه، أنشأت اللجنة الصينية لحركة الذاتيات الثلاث الوطنية المسيحية والجمعية المسيحية الصينية مواقع عنكبوتية.

ونرى اليوم، كيف تجمع مختلف التقديرات والاستنتاجات الرسمية والاجتماعية والدولية، على ان المسيحية تنتشر بسرعة في الصين. وفي تقرير لآسيا تايمز قالت، أنّ خبراء الاديان يتوقعون أن يصبح عدد المسيحيين في الصين نحو 247 مليون نسمة عام 2025، لتصبح الصين أكبر دولة فيها مسيحيين في العالم. وقد أعلنت صحيفة رسمية نقلًا عن مؤسسة حكومية صينية، أن عدد المسيحيين في الصين في ارتفاع مستمر، كما تشير عدد من المنظمات الغير الحكومية الى أن عدد المسيحيين في الصين. يشار إلى أن 10 آلاف صيني يتحولون إلى المسيحية يوميًا، وأن عدد كنائس – البيوت في ازدياد، علماً ان الكنائس تعمل في الصين بعلانية تامة، وكثير منها اقيم في مناطق رئيسية، وبالقرب من الفنادق والعمائر الكبرى.
تعتبر المسيحية من الأقليات الدينية في الصين الأسرع نمواً،  وبخاصة في المئتيّ سنة الماضية، ومن المتوقع أن تصل أعداد السكان المسيحيين في الصين إلى أكثر من 400 مليون شخص بحلول عام 2040، الأمر الذي سيجعل الصين أكبر دولة مسيحية على الأرض.

الاعتقاد الديني

يشير موقع (شبكة الصين) الرسمي، الى ان الصين دولة متعددة الأديان. ومن الأديان الرئيسية في الصين، البوذية والطاوية والإسلام والكاثوليكية والمسيحية وغيرها. وفي الوقت الراهن، يبلغ عدد المؤمنين من مختلف الأديان أكثر من 100 مليون شخص. وثمة ما يزيد عن 100 ألف من المواقع الدينية، وأكثر من 3000 جمعية دينية وطنية ومحلية. ومن بين 300 ألف شخص يزاولون تدريس علوم الدين والإدارة الدينية، 200 ألف راهب وراهبة بوذية، و25 ألف راهب وراهبة طاوية، وأكثر من 40 ألف إمام وآخوند، و4000 مدرس وموظف ديني من الكاثوليك، وأكثر من 20 ألفا من العاملين المسيحيين.
وينص ((دستور جمهورية الصين الشعبية)) على “أن مواطني جمهورية الصين الشعبية يتمتعون بحرية الاعتقاد الديني.” و”لا يحق لأي من أجهزة الدولة أو المنظمات الاجتماعية أو الأفراد إرغام أي مواطن على الاعتقاد بأي دين أو عدم الاعتقاد به، ولا يجوز التعصب ضد أي مواطن يعتقد بأي دين أو لا يعتقد به.” و”أن الدولة تحمي النشاطات الدينية الطبيعية.” وفي الوقت نفسه، ينص على “أنه لا يجوز لأي شخص أن يقوم بنشاطات تخريب النظام الاجتماعي والإضرار بصحة المواطنين البدنية وعرقلة نظام التعليم الوطني مستخدماً الأديان”، و”أن المنظمات الدينية والشؤون الدينية لا تخضع لسيطرة نفوذ أجنبي”.
وتستطرد الشبكة: دخلت الكاثوليكية الصين في القرن السابع الميلادي عدة مرات، وتطورت بصورة نشطة بعد حرب الأفيون عام 1840. وفي الوقت الراهن، في الصين 100 أبرشية للكاثوليكية الصينية، و5 ملايين من الكاثوليك تقريبا، كما فتحت 5000 كنيسة، و12 معهدا دينيا. وتتم المعمودية لأكثر من 50 ألف نسمة سنويا. ومنذ عام1981، تمت تربية وتعيين أكثر من 1500 كاهن شاب في البلاد كلها، منهم أكثر من 100 من عاملي الكاثوليكية أرسلوا إلى كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا والفلبين وجمهورية كوريا وغيرها من البلدان، لدراسة علم اللاهوت، منهم من منح درجة الماجستير والدكتوراة، ويعملون كمعلمين في معاهد دينية بعد عودتهم إلى الوطن. للجمعية الكاثوليكية الصينية هيئة طبع ونشر ذاتية، طبعت أكثر من 3 ملايين نسخة من ((الكتاب المقدس)) وكتبا دينية أخرى. في الصين عدة كنائس ذات تأثيرات وهي كنيسة القديسة مريم (سانت ماري، كنيسة شيوان وو من ببكين) وكنيسة القديس ميخائيل بمدينة تشينغداو وكنيسة القديس يوسف بتيانجين (كنيسة لاو شيكاي) وكنيسة هونغ جيالوه بمدينة جينان وكنيسة شيشان بشانغهاي وغيرها.

 

china-religions

طبيعة “المسيحية الصينية” ودور الرهبان

منذ دخول المسيحية الى الصين، شعر الصينيون ان المسيحيين هم مثلهم في كل شيء، ولا يختلفون عنهم سوى بإيمان مختلف. وقد غدا المسيحيون صينون بامتياز ومخلصون لمجتمعهم كما علمهم السيد المسيح، وبدأ المجتمع الصيني منذ بداية دخول المسيحة إليه، يعترف أن الإنسان المسيحي شخص جيد ومواطن مخلص أيضًا، وقد أكدت أعمال الكنائس بالصين، أنها تقف مع أبناء الشعب والى جانبهم، وتحترم الدولة وسيادتها وقوانينها، تنفيذاً للايمان المسيحي.
لعب اليسوعيون ويلعبوا للآن دوراً كبيراً في تعريف الشعب الصيني على العلوم الغربية والرياضيات والفلك والطب والهيدروليكية والجغرافيا، وقد عرّفوا العالم الغربي كذلك على الثقافة والفلسفة الصينيتين، عن طريق ترجمة الأعمال العلمية إلى اللغة الصينية وتطويرها. وقد
طوّر اليسوعيون مجموعة كبيرة من المعارف العلمية ومجموعة واسعة من الأدوات العقلية لفهم الكون المادي، بما في ذلك الهندسة الإقليدية، التي طورت مفهوم حركة الكواكب. ويعتبر البعض ان حركة اليسوعيين العلميةن كانت من اهم اسباب الثورة العلمية في الصين، وهو ما يؤكد ان هؤلاء يحترمون الصين وكيانها واستقلاليتها وسيادتها، ولا يتدخلون في شؤونها الداخلية، لكونهم سلميون، بل يعملون على تناغم الثقافات والحضارت بينها وبين العالم، وهي الحركة التي اتسعت في الصين منذ سبعينات القرن الماضي  وما تزال تجد اتساعاتها في الوضع الصيني الحالي.
وبذل اليسوعيون جهوداً حثيثة لترجمة الأعمال الغربية الرياضية والفلكية في مصلحة الشعب الصيني، وجذبت هذه الأنشطة انتباه العلماء الصينيين لهذه العلوم، ما جعل الرصد الفلكي واسع جدًا، وقد نفذوا أولى أعمال رسم الخرائط الحديثة في الصين .
وقد وضع هؤلاء الأطباء والجراحون المسيحيون قواعد أول العيادات والمستشفيات الحديثة، وتم تدريب الممرضين والممرضات فيها، وفتحوا المدارس الطبية الحديثة الأولى في الصين، وتم عملوا أيضًا في معارضة تعاطي الأفيون، وارسوا عملية العلاج الطبي والرعاية الصحية للصينيين الذين كانوا مدمنين، وتأثر الرأي العام والرسمي في نهاية المطاف لصالح وضع حد لهذه التجارة الاستعمارية، التي سبق للبريطانيين ان وضعوها، لتدمير الصين وسحل شعبها وتشويه حضارتها العظيمة.
في هونغ كونغ على سبيل المثال، وهي تتبع سياسياً وسيادياً للبر الصيني، وعادت للوطن الام بعد استعمار بريطاني طويل الامد، تدير الكنائس الكاثوليكية عدداً من المستشفيات التي تشكِّل أكثر من90% من المستشفيات الخاصة. كذلك، تصل نسبة الطلبة المسيحيين في هونغ كونغ – وفقًا لإحصائية جامعة هونغ كونغ – الى نحو 24.3% من مجموع طلبة الجامعات، وذلك اعتبارًا من العام الدراسي 2010/2011 ، على الرغم من أن المسيحيين هناك يُشكلون 10% من السكان. وللحديث بقية.
*كاتب وإعلامي ورئيس تحرير موقع “نورسايت” الإعلامي المسيحي بالاردن، وعضو في الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتّاب العرب اصدقاء الصين، وخوري منطقة مرج الحمام للروم الملكيين الكاثوليك.

تعليق 1
  1. Dr.Amal Arbid يقول

    تحياتي لجهودكم المقدرة
    أعددت كتابا عن الرموز الصينية وكتابا آخر عن الرموز المسيحية وبالطبع هناك علاقة كبيرة بينهما تظهرها تلك الرموز، وهما كتابين من ضمن موسوعة أعددتها عن رموز احضارات القديمة ودلالاتها في الأديان ،ولكن هذان الكتابين بحاجة لدعمهما ماليا لنشرهما باللغة الصينية الانكليزية، أرجو التواصل معي في حال اهتمامكم بالنشر والترجمة. وشكرا جزيلا.
    د. آمال عربيد
    استاذة جامعية وباحثة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.