موقع متخصص بالشؤون الصينية

صين شي.. إقتصاد مباشر وسياسة ناعمة

0

yelina-semironva-shi-middle-east

موقع الصين بعيون عربية ـ
م. يلينا سميرنوفا*:
لا يَخفى على المتابع مُلاحظة أن زيارة الرئيس شي جينبينغ الى دول عربية كبيرة بمكانتها الإقليمية والدولية، تندرج ضمن رغبة “صين شي” بلعب أدوار اقتصادية وسياسية عميقة وناجحة وفورية في العالم العربي، لكون الصين لا تحتمل تحقيق كل ذلك النجاح في مديات طويلة أو متوسطة. فالواقع الصيني السكاني والقوى العاملة الكبيرة في الصين وحاجة الصين لتقدم اقتصادي سريع والتفعيل الاقتصادي والتجاري الفوري، يُحتّم على بكين تحقيق نقلات اقتصادية نوعية في العالم، وبخاصة مع الدول الغنية والكبرى لا تحتمل التأخير ولا الإبطاء .
إضافة الى ذلك، يتكشّف أن سياسة الصين تنحو نحو دور سياسي ناعم في المنطقة العربية، وهو المطلوب اليوم في السياسات الدولية التي تتحلى بالواقعية والمُنتجة لصالح الشعوب، ولتَصير مقبولةً لجميع البلدان والشعوب العربية بدون استثناء أحد منها، سيّما لعدم رغبة الصين الانغماس في الفِعل السياسي العربي المُناقض لبعضه بعضاً في عديد من الحالات، ولعدم رغبة بكين كذلك التطرق إلى أية خلافات سياسية وأيديولوجية ومذهبية عربية – عربية، أو اختلافات سياسية عربية – صينية، مايَضمن للصين تقدمها الاقتصادي الأسرع في طول وعرض العالم العربي، وجذبها لمزيد من الاصدقاء (ولا أقول الحلفاء الأيديولوجيين) في مديات قصيرة .
وفي القضية الاستراتيجية، لا يمكن الوصول الى استراتيجيات سياسية وفكرية عربية مع الصين، لكن تبقى الاستراتيجية الاقتصادية فاعلة مع الصين، ومرد ذلك لاختلاف المنطلقات والقواعد السياسية والفكرية الصينية عن تلك العربية، سيّما منطلقاتها الشيوعية والاشتراكية، ولأن البلدان العربية متناقضة فيما بينها فكرياً وسياسياً ويَصعب بالتالي عليها ان تنسجم سوياً حتى كجماعة عربية، ناهيك عن بروز تلك الاختلافات العربية في تفاعيلها اليومية على كل الصُعد العربية، فما بالكم بالانسجام العربي – الصيني سياسياً وأيديولوجياً..
الصين تريد لعب أدوار اقتصادية أكثر جسارة وضخامة وتأثيراً مع السعودية وإيران ومصر، وهي دول عربية كبيرة وقوية ومؤثرة اقتصادياً وسياسياً، لذا جاءت زيارات الرئيس شي لها أولاً، وبالتالي كسب تلك البلدان للصين ومعها البلدان العربية الأصغر منها وزناً ومساحةً وسكاناً.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان الحِراك الصيني الحالي يكتسب أهمية تاريخية، وهو يَعود بالتاريخ العربي – الصيني القهقرى، لتكريس جهود الصين والعرب وتعزيزها إقتصادياً، ولبناء صروح اقتصادية فاعلة لعلها تؤّمن صروحاً من شأنها تبريد العصبيات السياسية والاجتماعية والقبلية العربية – العربية، والعربية الاجنبية. فالصين تختلف عن البلدان الغربية في استثماراتها في دول العالم الثالث وحتى في الغربية أيضاً، سيّما لأنها ذات لون صيني اشتراكي خاص، يوظّف الرأسمالية مؤقتاً في مشروعه الاشتراكي الاستراتيجي المحلي والكوني، وهو يرى في شعوب العالم، وليس في كل دوله، حليفاً سياسياً وإنسانياً.
التكريم الذي يَحظى به الرئيس شي في البلدان العربية رسمياً وشعبياً يدفع بالصين الى مزيد من التواجد الاقتصادي وتوظيف الاستثمارات في الدول العربية. وشخصية الرئيس شي مثالية ومناسبة للعرب ومحبوبة بتوجّهاتها وطروحاتها، وهو الى ذلك يَحظى بتعاطف دولي وتقدير ومحبة في لدن مختلف الاوساط، فتغدو هذه الشخصية دافعة لمزيد من نجاحات الصين في الإقليم العربي.
إضافة لذلك، تحظى السياسة الصينية على تعاطف العرب لجهة التقدم الاقتصادي الصيني المتواصل الذي أصبح مِثالاً يُحتذى ويُعظَّمُ، ومكافحة الفساد وعمليات الإفساد وفي أوساط أعلى المسؤولين والمدراء، وإيداع مزيد من الفاسدين بالصين في السجون ومحاكمتهم علنياً، وتجريدهم من ممتلكاتهم التي هي ملك الدولة والشعب، ودعم الصين للقطاع الخاص الصغير والاستثمارات الفردية والمحدودة النطاق للمواطنين الصينيين، مايضمن تشغيلهم بفعالية، والابقاء على الصناعة الثقيلة بيد الدولة، خشية من انقلابها على الأُسس التي قامت عليها الدولة الصينية الاشتراكية، وبالتالي استضعافها و.. تغريبها.
إن كل تلك القضايا مهمة للغاية، وهي تكمن في استراتيجيات التقدم الصيني على كل المسارات ومنها الاجتماعية والسياسية والعالمية. وبإحراز الصين نجاحات متواصلة يتعاظم تأييدها و/أو التعاطف معها عربياً، ونرى كيف ان الصين تتقدم كذلك على مسار مساهماتها بمشاريع لها صبغة دينية في السعودية، مايؤثر في مزيد من الانفتاح العربي والاسلامي عليها، زد على ذلك ان صناعات الحلال الاسلامية اصبحت مزدهرة في الصين وهي تُصدَّر لعشرات بلدان العالم.
وهنا بالذات، تتأهّل الصين خطوة بعد خطوة للتوسط في وأد الخلافات العربية – العربية، و بإحتمالية قيامها بلعب دور الوساطة في الأزمة الإيرانية – السعودية، برغم ان الصين تُحجم للآن الخوض في هذا المجال. وتزداد أصوات العرب الذين ينادون بدور صيني محوري في العالم العربي وأزماته المزمنة والمُعتمة، ومساهمة بكين في حل أو حلحلة القضية الفلسطينية التي غدت تراوح مكانها، بتفعيلها لوزنها وامكانياتها وبوصفها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي للامم المتحدة، حيث تطوّرت مواقفها السياسية وتعمّقت، وعَرضت لعضلاتها في خضم الازمة السورية وبخاصة حين استخدمت حق النقض – الفيتو.
*كاتبة ومهندسة صناعات ثقيلة وناشطة سياحية وعضوة ناشطة في الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.