موقع متخصص بالشؤون الصينية

موسكو والإقليم العربي إعلامياً (الجزء الثاني)

0

marwan-yelena-russia-media2

في الأمّية السياسية العربية

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
“بقلم/ مروان سوداح* و يلينا نيدوغينا*:

 

يَشهد تلاحق الأحداث المأساوية في العالم العربي برمّته، على أمّية سياسية وإعلامية مُفرطة لدى العامة، ولدى الخاصّة كذلك!

في العالم العربي الكبير، المُترامي الأطراف والمُتّسع المساحات، تصل درجة الأُمية اللغوية وبضمنها أمية الحرف، إلى نسبة مئوية عالية جداً (وهي معلومات متوافرة في الدراسات والمقالات والأبحاث المنشورة في “الانترنت”)، ربما لم تبلغه في كل أزمان العالم العربي، حتى في عهد الاستعمار العُثماني البغيض، الذي حطّم الحجر، وحَرق الشّجر، وقطّع رؤوس البشر من العرب مسلمين ومسيحيين على حد سواء، الذين رفضوا خدمة السلطان العثماني في جيوشه الإنكشارية، التي احتلت العالمين العربي والاوروبي الغربي لمئات السنين، وحَشدت قِواها بمواجهة الروسيا في محاولة يائسة لتصفيتها، ولاستعباد الأمة السلافية خدمةً لمشروع غربي وياباني إمبرطوري تصفوي، وحَرقت كنائسها الاورثوذكسية، في استنساخ مطابق وتام للجرائم الهمجية التي اقترفها “الصليبيون” (والصليب منهم براء)، ممن عاثوا خراباً في العالم الأُورو- أسيوي الاورثوذكسي، وقتـّلوا شعوبه البَررة، وأجاعوا العرب والروس وأفقروهم واسترقّوهم.

لذا، ولكل ما تقدم وغيره أكثر، لم يُدرك العرب حقيقة ما يجري من أحداث مأساوية في أوطانهم، ولم يدركوا أن المؤامرة أكبر مما يظنون ويعتقدون، ولا ننسى هنا إشادات هيلاري كلنتون في بدايات الخريف العربي بإحدى الفضائيات العربية، وبأن تلك الفضائية لم يَسبق لها مثيل في عالم البث. ولم تتوقف كلنتون عند هذا الحد فحسب،  بل عملت عن سابق قصد سياسي بتعظيم هذه المحطة والمحطات المشابهة لها، وقيّمت “إيجابية” دورها الإعلامي والسياسي ومردوده على السياسة الامريكية وصانع القرار الامريكي بأفضل وجه، وفضّلتها على أعمال وسائل الإعلام الامريكية، بل أعْلت هيلاري مكانة وأساليب وسرعة أعمال تلك “العربية”، على تلك الامريكية وعلى وكالات مخابرات وإستخبارات العم سام نفسه..!

وبرغم ذلك، لم يُدرك العرب أبعاد إشادات كلنتون بتلك المحطة وأخواتها، وأعمالها لصالح أمريكا أكثر من أعمالها لصالح العرب وقضاياهم، ولم يدرس العرب معاني إشادات كلنتون بالفضائية، والمُخطّطات المَرسومة للمنطقة. ولم يُدرك معظم العرب كذلك أن اقوال كلنتون إنما تخفي وراءها الكثير لصالح مستقبل المصالح الامريكية والاسرائيلية وتقسيم العالم العربي بأيدي أبنائه أنفسهم، وبموافقتهم وخنوعهم للخطة الأمري – إسرائيلية، عملاً بشعارات حق يُراد بها باطل حِيال الحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد وتسلّط السلطات وقمعِها ودكتاتوريتها.. الى آخر القائمة المَعروفة.

وللآن، وبعد مُضي عدة سنوات على اندلاع موجات الخريف العربي الذي أفضى بنا لصقيع عربي شامل وقتّال، ما تزال قطاعات واسعة من العرب مبرمجة على برنامج واحد، غربي وإسرائيلي وأمريكي، يوافق على إُنكار الحقوق، ويؤيد التحالف مع المُستَعمِرِ (بكسر الميم الثانية) الأجنبي الاستئصالي والإحلالي، برغم ان هذا المُستعمِر يعترف بأهدافه القتّالة علانيةً، وبرغم أنه أبطل أكثر من 65 قراراً للامم المتحدة بشأن حقوق شعب فلسطين العربي. إن كل ذلك وغيره ليس سوى إنكار متجدّد ومدروس لحقوق كل العرب الذين يرون في الحل النهائي العادل والشامل والناجز والحقيقي للقضية الفلسطينية، حلاً مأمولاً لملفات كثيرة معلقة يَمور بها عالمهم، ويَفتح المجال أمامهم للانطلاق في كل الاتجاهات والفضاءات بلا رادع.

عدة أسباب تلعب أدواراً رئيسية في إلهاء العرب عن حقيقة مجريات الأحداث المأساوية في عالمهم وإدراك كُنهها، وتقف أمامهم عائقاً لفهم آليات تلميع الحياة الغربية والديمقراطيات والحريات الغربية وأنماط الغرب. ومن هذه الأسباب: 1/ المناهج التعليمية المُتخلّفة في معظمها في غالبية الدول العربية، وهي مناهج تخرّج أميين لا مُتعلّمين لا يتقن كثيرون منهم كتابة بلا أخطاء حتى لأسمائهم بلغتهم العربية الأُم، ناهيك عن كتابتها صحيحة بالإنجليزية؛ 2/ أمّية نسبة كبرى من العائلات العربية والأُمهات العربيات، فما بالكم إذن بالأجيال التي تخرّجها تلكم الامهات؟!؛ 3/ “إحتواء” أمريكا والغرب السياسي لغالبية وسائل الإعلام العربية التي تصيغ الإخبار والأفكار لمصلحة الدول الامبرطورية؛ 4/ المِنح الدراسية العليا المُقدّمة من أمريكا والغرب لطلبتنا العرب بخاصة لأبناء أصحاب القرار.. وكبار المُستثمرين والتجار والاقتصاديين.. وزعماء منظمات المجتمع المدني.. وتلك المقدّمة لبعض الفقراء أيضاً، ولأولئك الذين تحتضنهم أمريكا والغرب بعد لفظ مجتمعاتهم العربية لهم، برغم ان عدداً منهم مُبدعون ومُخترعون ومُكتشفون صاروا يعملون لصلح الآخر، وليس لمصلحة أوطانهم، فاستقطبتهم أنماط الحياة الغربية بحلاوتها وبهرجاتها وديمقراطياتها الكرنفالية، وحرياتها القشرية ونبتها القثائي؛ 5/ الأدوار الغير الحميد التي تلعبها غالبية الفضائيات العربية، فبرغم العدد الهائل لها، وبرغم التضخم الكبير في عددها، إلا أنها أصبحت عبئاً سياسياً وثقافياً في صياغة التوجّهات السياسية العربية، فتبث الفرقة والنزاعات الدينية والمذهبية والسياسية، وتمكّن الامية السياسية في العقول، ومن خلال تأكيد أنماط جديد جُلّها المهاترات الإعلامية والمُمَاحكات السياسية، وتهكير الحقائق وتعكير المناخات السياسية والدينية، وبث الاكاذيب وأسباب الفرقة والانسلاخ العربي، وتقييد العقل والفكر، ونشر الفاقة وتقاليد التكفير السياسي والديني، وتسطيح المعاني وجواهر الرؤى الاستراتيجية لحقيقة الصراع الجاري في المنطقة العربية وآفاقه، والاستعاضة عنه بسطحيات وتفاهات تشغل العرب بنزاعات وخلافات ومواجهات كلامية وفعلية قتّالة، تبقى ناضحة لعشرات السنين المقبلة بالشرور على بعضها البعض وعلى الحلفاء والاصدقاء وبخاصة روسيا- العاملة بكل قواها الحالية من عسكرية وسياسية وإعلامية لاستئصال الارهاب من منطقتنا المُعذّبة.. ولكل هذا وغيره، على الحلفاء أن يأخذوا بعين الاعتبار والحسبان والحساب الدقيق، المستويات السياسية والثقافية والتعليمية والإدراكية العربية المتدنية بعين الاعتبار عند تطويرهم لأعمالهم الإعلامية نحو عالمنا العربي المتصارع والمتعارك والمتراجع الى أتون الرجعيات، وهو الذي مُعظمه لا يفقه سوى الانتهازية السياسية المُفرطة، والحوز على أملاك الآخر ومكانته، وتدمير شخصيته لمجرد السّطوة والاستمتاع بسلطة القمع الفردية وتسخيره عَبداً.. وللحديث بقية تأتي.

  • كاتبان من الاردن.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.