موقع متخصص بالشؤون الصينية

الشرق الأوسط الجديد.. الصيني

0

98f700dd-a8d1-4a93-b930-7fc793f9cbc6

أيمن عقيل – السفير:

يعتبر بحر الصين الجنوبي من أهم المساحات البحرية الاستراتيجية في العالم على الإطلاق. المفارقة أنه من أكثر البحور المتنازع عليه وعلى جزره في الوقت نفسه. لا يوجد ما هو أكثر قدرة على التعبير عن حراجة الموقف من هذه المفارقة، هذا البحر هو الأكثر أهمية والأكثر إثارة للنزاعات في العالم. أهلاً بكم في «الشرق الأوسط الجديد».
يبقى أنك لن تجد نظيراً لكثير من لاعبي الشرق الأوسط خاصتنا، الصين دولة – حضارة تعرف أن تدير صراعاً سياسياً – اقتصادياً مع الولايات المتحدة، خاصة في ما يتعلق بحديقتها الخلفية. هي التي لم يَشفَ عنفوانها بعد من اقتطاع الإنكليز لهونغ كونغ وأيضاً لانفصال تايوان، ترى بأن المواجهة قادمة، لذلك تحاول تثبيت مناطق سيطرة في البحر عبر تحويل بعض النتوءات الصخرية المثيرة للشفقة إلى جزر متكاملة الأوصاف، تشكل «حاملات طائرات» صخرية مأهولة بالجنود والمدارج ومستلزمات لوجستية أخرى. هذا ما تسمّيه الولايات المتحدة الأميركية بعسكرة بحر الصين الجنوبي.
قبل شهر من الآن، تحسّست مدمّرة أميركية الاستعدادات الصينية على بعد 12 ميلاً من جزيرة كانت قبل أعوام مجرد شعاب مرجانية. يومها هاجمت صحيفة China daily الحكومية «العنجهية» الأميركية التي تتصرّف كأنها القوة العظمى الوحيدة في العالم. هذا الحادث لم يكن الوحيد ولن يكون كذلك في سلسلة الاستفزازات والرسائل المتبادلة بين العملاقين. في جغرافيا بحر الصين الجنوبي الضيق نسبياً، السيطرة على «كومة» صخر في منتصفه تعني عملياً امتلاك السيادة على عنق الزجاجة الحيوي لخطوط النقل البحري.
النزاع عملياً يشمل ست دول هي الصين، الفيليبين، بروناي، ماليزيا، فيتنام، وتايوان. تتصارع هذه الدول على ثروات البحر النفطية وخزاناته الغازية بالإضافة على ثرواته السمكية. لا جدال، الصراع على خطوط النقل البحري هو الأكثر أهمية. على سبيل المثال، وصل النزاع إلى مضيق ملقة (Strait of Malacca) الذي يصل بين المحيطين الهادئ والهندي ويمر عبره حوالي أربعة أضعاف ما يمر من نفط في قناة السويس.
يوم حاول الاتحاد السوفياتي عسكرة الجزيرة الكوبية بما لا يطاق أميركياً من الصواريخ، أطلّت الأزرار الحمراء المشفّرة برأسها منذرة بالمواجهة النووية. الولايات المتحدة لا تلعب في حديقتها الخلفية، لذلك تهاجم الآن الروس في أوروبا الشرقية، ولذلك أيضاً تهرع إلى بحر الصين الجنوبي متسلّحة بمعاهدات وعلاقات، بعضها مستجدّ، مع الدول المحيطة به. هي أرادت أن تواجه الصين في بحر الصين الجنوبي بدلاً من مواجهتها مثلاً في البحر الكاريبي، الصين أخذت علماً وهي تستعدّ للمواجهة عبر خطوات لا تخطئها عين المراقبين. هذه محطة أخرى للعملاق الأميركي ليحاول فيها تسييل رأسماله العسكري الهائل في شرايين حصص الاقتصاد الكوكبي.
في شباط الماضي، بثت قناة «فوكس نيوز» الأميركية ما وصفتها بأنها صور تُظهر نشر الصين لصواريخ في جزر متنازع عليها مع تايوان. الأخيرة أكّدت هذا الأمر، ولكن الصين في المقابل نفت هذه التقارير ودعت وسائل الإعلام إلى التركيز على «المنارات» التي تبنيها لضمان سلامة مرور السفن. لاحقاً، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول أميركي تأكيده خبر «ما يبدو أنه نشر صواريخ». ماذا بالنسبة «للمنارات»؟ حسناً، لا أحد يهتمّ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.