موقع متخصص بالشؤون الصينية

“الصيني” حزب المِثال والقدوة لا السيطرة

0

yelina-nedogina-china-party

موقع الصين بعيون عربية ـ
يلينا نيدوغينا*:

الذكرى ال95 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني متميزة بكل المقاييس، وهي بالتأكيد ليست عابرة، ولذلك تم الاحتفال بها في مختلف البلدان ذات الانظمة الاجتماعية المختلفة والتقاليد المتباينة، ومن جانب غير الشيوعيين أيضاً.

في دول كثيرة ينشط وطنيون وديمقراطيون وقوى اجتماعية تتطلع الى تفعيل دراساتها عن النقلات وطبيعة المراحل التي عاشها وعايشها ويعايشها الحزب الشيوعي الصيني، بغية اكتسابهم خبرات عن كيفية قيادته للمجتمع الوطني الصيني الأكثر عدداً في العالم، والمتعدد الثقافات والديانات والتقاليد.

الحزب في الصين حالياً ليس حاكماً بل مِثالاً بانياً، وهو حزب القدوة، فهو لم يكن حزباً مسيطراً أو حاكماً وجازراً في كل الحقب الزمنية والمراحل التي مرت الصين بها. هذان المفهومان، أو الوصفان، (الباني والحاكم)، مختلفان جداً ومتباينان سياسياً وأيديولوجياً واجتماعياً واقتصادياً وحكومياً ودولتياً. فقد اعتدنا في اللغة والممارسة السياسية اليومية ان نصف الحزب بأنه حزب “حاكم” إن كان صاحب سطوة وصاحب آلة أوامرية طاغية، لكن هذا “النوع” من الاحزاب الطاغية لا يتمتع بمِثال يُحتذى ولا بقدوة.

بينما ان يكون الحزب “بانياً” يَعنى أنه يعمل نهاراً وليلاً لإثبات أهليته بين جماهير المجتمع ولأجلها، وليعلو على غيره من الأحزاب لبناء دولة مِثال، وفق معاييره التي وضعها وآمن بها الشعب فانتخبه أو اختاره قائداً له من بين آخرين، وسار وراءه لأجل بناء سعادة الامة وتأمين مستقبلها الوطني وتميّزها الشعبي وعالميته كحزب معطاء يُذلّل المَشاق من أجل سرور أبنائه جميعاً وفي شتى الحقول والسهوب، وعلى قمم الجبال، وفي المزارع والمصانع والتعليم والثقافة، وعلى مساحات البر الصيني وفي جزائر بحار الصين.

الحزب في الصين، ومنذ تأسيسه على يد الزعيم ماوتسي تونغ الخالد، وتعزيز قدراته ومواقِعه الآن بجهود الرئيس والأمين العام شي جين بينغ الذي يُنجزُ مهاماً أخرى ليست أقل أهمية من مهام التحرير والسيادة- التي يتكالب الاعداء عليها -، كان محرراً للامة والبلد، والى جانب ذلك صَار منذ ذلك التاريخ مُنجزاً للسيادة ونال شرف تكتيل الامة بمِثاله القيادي وتعاليمه المتواصلة وشهدائه الذين أُسقطوا برصاص وقذائف القوى الاجنبية الغاشمة والدخيلة في ميادين الصراع مع العدو المُحتل للارض الصينية: الاستعمار الإحلالي الياباني وشقيقه الإنجليزي، والآخر البرتغالي، وعدد آخر من الامبرياليات التي نهبت الصين، ونشرت الافيون بين شعبها وشرّدته وعملت على استراتيجية تسميم الامة فاسترقاقها، وبالتالي إخراجها تماماً من التاريخ البشري والعالمي.

في الاول من يوليو/تموز الحالي، احتفلت الصين بعيد تأسيس حزبها الباني صاحب المِثال في كل مجال، وألقى الامين العام شي كلمة احتفائية وجهورية بهذه المناسبة ، اشتملت على الكثير من النقاط والمضامين الفلسفية والرؤى الاستراتيجية للصين والعالم، ونلمس من خلالها أن الحزب تحوّل الى العالمية بتميز وإصرار، وصار يدافع عن مصالح كل البشر والامم، انطلاقا من بكين، الداعية الى مساواة الجميع مع الجميع، والتشاركية الأفعل في بناء عالم جديد ونظام جديد له لا تغوّل فيه من أحدٍ على أحد.ٍ

في كلمة الامين شي، نلاحظ مطالِبه بالعودة للجذور قبل95 سنة، وحماي تلك الجذور خلال التقدم بالمسيرة الى الامام، وأكد: وبغض النظر عن المسافة التي سنقطعها والمستقبل المشرق الذي نتطلع اليه، ينبغي علينا ألا ننسى ما قمنا به، ولماذا نقوم به”، داعياً أعضاء الحزب الشيوعي الصيني إلى ” التمسك بروح الكفاح” للأعضاء المؤسسيين للحزب والتزامهم نحو الشعب، ومضيفاً  ان “أعضاء الحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني واثقون تماماً بتوفير حلّ صيني لجهود البشرية في استكشاف أفضل النظم الاجتماعية، ومشدداً في الوقت نفسه على أن على الحزب بأسره العمل على تعزيز الثقة في المسار والنظرية والنظام والثقافة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وكذلك ترسيخ الثقة بانعدام لجوء الصين إلى التهديد باستخدام القوة، ولن نفاخر بقوة الصين العسكرية على عتبات الآخرين”، وقائلاً أيضاً: إن التباهي بالقوة في كل مكان لا يعكس القوة، ولا يخيف أحدا”، مشدداً على أن تتمثل الاستراتيجية العسكرية للصين بـ”الدفاع الفعّال”.

خطاب الرئيس شي يحمل بصورته وهيئتة الجادّة عملانية جديدة تتمثل في تقديم مِثال سياسي واقتصادي، وقبل كل ذلك يحمل انا مِثاله الأخلاقي الذي يَنسجم بالضرورة مع سياسة مُفعمة بأخلاق إنسانية رفيعة، يتداخل فيها الوطني الصيني مع الاممي والانساني، ليُصبح كياناً واحداً وموحّداً ومتُكاملاً لا انفصام فيه وفي شخصيته وهيئته، والى جانب ذلك، رفض مفاهيم الانعزالية والغيرية تجاه الآخرين.

لذلك نرى كيف ان الصين تعود لينابيع ثقافتها العظيمة وفلاسفتها الكِبار أمثال كونفوشيوس وماو، وتعمل على الانسجام مابينهم في طروحاتهم الفكرية والفلسفية والثقافية، ضمن مَسعى انصهار كل ذلك الأرث الضخم في فرن واحد حالي، يُنتج أمة صينية متحدة ومنسجمة ثقافياً وفكريا وعقلياً وأممياً بسعيها للتآخي مع البشرية، وقدرتها على اجتراح الحلول، لتعبيد المزيد من السُبل المُفضية الى صروح أكثر إتساعاً لغد أكثر إشراقاً على الجميع، بخاصة على المُتعبين والمُحرومين والفقراء وذوي الأسمال والمقيدين عُنوةً بالأغلال، الذين هم في أيامنا أكثرية البشرية عدداً ، وأكثريتها معاناة وقهراً طبقياً وفئوياً واقتصادياً وسيكولوجيا وسوسيولوجياً.

*كاتبة ورئيسة الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حًلفاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.