موقع متخصص بالشؤون الصينية

جزر «نووية» لتحدي الهيمنة الأميركية

0

p18_20160719_pic1

برغم الضغوط السياسية والعسكرية، تسير الصين بثبات في مشاريعها لاستغلال ثروات جزر بحرها الجنوبي، وتحصين تلك الجزر عسكرياً في مواجهة الأساطيل الأميركية المرابطة في هذه البقعة الاستراتيجية من العالم

أعلنت السلطات الصينية أمس إغلاق جزء من بحر الصين الجنوبي حتى يوم الخميس المقبل، حيث ستُجري بحريتها مناورات إلى الجنوب ــ الشرقي من مقاطعة هاينان الصينية، على مقربة من جزر «باراسيل» الاستراتيجية، محذرة من أن أي تحرشات من قبل القطع البحرية الأجنبية «قد تنتهي بكارثة».
واللافت أن الإعلان الصيني جاء خلال زيارة قائد العمليات البحرية للولايات المتحدة، جون ريتشاردسون، إلى الصين، للقاء نظيره الصيني، وو شينغ لي. وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها واشنطن وحلفاؤها على بكين لثنيها عن أنشطتها الاقتصادية والدفاعية في بحر الصين الجنوبي، أعلنت بكين أمس أيضاً، على لسان قائد بحريتها، أنها لن توقف الإنشاءات على الجزر والشعاب في تلك المنطقة.
وخلال منتدى عُقد في بكين مساء السبت الماضي، حذّر نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الصينية، سون جيان قو، من أن الدوريات التي تجريها قطع بحرية أجنبية في بحر الصين الجنوبي، تحت شعار «حرية الإبحار»، قد تنتهي «بكارثة». وأكد سون أن بلاده لم تتعرض يوماً لحرية إبحار السفن (المدنية، التجارية والسياحية) في تلك المنطقة، لكنها «تعارض على الدوام ما تسمى حرية إبحار السفن الحربية، التي تمثل تهديداً عسكرياً، وتتحدى قانون البحار الدولي».
وتأتي الخطوة الصينية هذه عقب قرار أصدرته محكمة التحكيم الدائمة في هولندا الأسبوع الماضي، أنكرت فيه حق الصين بالسيادة على معظم أجزاء بحر الصين الجنوبي، ودانت ما وصفته بخرق الصين لسيادة الفيليبين، عبر اعتراض بحريتها للسفن الفيليبينية في المنطقة. وتشجّع الولايات المتحدة حلفاءها على تحدي النفوذ الصيني في تلك المنطقة الاستراتيجية، الغنية بالموارد النفطية والمعدنية، والتي يمر عبرها جزء كبير من التجارة العالمية.

وحول هذه المسألة، يرى مدير الرابطة الوطنية الصينية للدراسات الدولية، فيكتور غاو، أن الولايات المتحدة «ضالعة جداً بقضية التحكيم التي رفعتها الفيليبين… في محاولة للضغط على الصين»، التي أعلنت رفضها قرار المحكمة فور صدوره، وأكدت على حقها «التاريخي» في جزر بحر الصين الجنوبي، ملوّحة بفرض منطقة دفاع جوي فوق تلك المنطقة، إن هي استشعرت تهديداً عسكرياً. ويؤكد غاو أن «الصين ستقف ثابتة عند موقفها المبدئي، وستستعمل كل مواردها العسكرية لتتأكد من أن الولايات المتحدة لن تربح هذه المعركة ضدها».
وفي هذا السياق، تبدأ الصين قريباً بناء أول منصة نووية عائمة لتوليد الكهرباء، لتغذية آبار حفر النفط ومحطات تحلية المياه في نطاق جزر بحر الصين الجنوبي. وتخطط بكين لبناء 20 من تلك المنصات، بحيث تصبح تلك الجزر «بمثابة مجموعتَي حاملة طائرات… بما يعطي الصين أفضلية عسكرية على أساطيل الولايات المتحدة» في المنطقة، وفقاً لما نشرته صحيفة «غلوبال تايمز»، نهاية الأسبوع الماضي.
يخدم هذا المشروع الاستراتيجية الصينية ــ الروسية لخلق حقائق جديدة على مستوى العالم، من شأنها أن تكسر الهيمنة الغربية في شتى المجالات الحيوية. في هذا الإطار، تشير الصحيفة نفسها إلى أن المؤسسة التي تبني أولى هذه المنصات، «شركة الصناعات الثقيلة لبناء السفن» (بوهاي)، تحقق كذلك تقدماً في مشروع بناء كاسحات الجليد النووية، مضيفة أن الصين قد تتعاون مستقبلاً مع روسيا على تطوير خط ملاحة يعبر (تخوم) القطب الشمالي نحو أوروبا، «بما يجعل استراتيجية الولايات المتحدة لإعادة الإنتشار نحو آسيا ــ المحيط الهادي غير ذات جدوى».
ستؤمّن المحطات النووية العائمة العشرون الطاقة، وخاصة لمنصات الحفر البترولية ومحطات تحلية مياه البحر، في نطاق جزر بحر الصين الجنوبي، وفقاً للهيئة الوطنية الصينية للتعاون النووي CNNC. وتُقدَّر الكلفة الإجمالية لبناء هذه المحطات بـ40 مليار يوان، أو 5.98 مليارات دولار أميركي، وفقاً لمقال نشرته الهيئة على موقعها الإلكتروني، قالت فيه إن الكلفة تلك «تبقى أقل من كلفة مجموعة حاملة طائرات» (أي حاملة طائرات والقطع البحرية المرافقة لها، من مدمرات وطرادات وما إلى ذلك)، وإن جزيرة يونغشينغ وحَيد يونغشو الصينيّين سيصبحان، بدعم المنصات النووية، «أشبه بمجموعتَي حاملة طائرات في بحر الصين الجنوبي». ويمثل ذلك تحدياً قوياً لهيمنة الولايات المتحدة على المعابر البحرية الاستراتيجية في الشرق، فضلا عن تعزيز أمن البر الصيني الرئيسي إزاء العدوانية الأميركية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.