التميز لكاتب (جمال الصين بين السور والتنين)
من منا لم يسمع (بسور الصين العظيم) ولا يرتجف إحساسه بعظمة البناء وضخامته، وإبداع البنّاء الذي عمل بكثير من الإصرار في سبيل إنجاز معلم من أعظم المعالم التاريخية الإنسانية؛ يدلل على ترابط الأمة وتماسكها.
ومن منا لم يسمع (بالتنين) في القصص والروايات الخيالية، ذلك الكائن الأسطوري الذي يجمع في شكله مخلوقات متعددة؛ فله أجنحة الطيور، وشكل الزواحف الضخمة، ويخرج من فمه النار، وهو رمز البطولة في الأساطير الصينية.. كل ذلك وغيره كثير جسده الكاتب المكي المبدع علي بن شويمي المطرفي الهذلي في كتابه: (جمال الصين بين السور والتنين) والذي استحق عليه الفوز بجائزة (الكتاب المتميز)، لنشر الثقافة الصينية، حيث تسلم الجائزة في حفل خاص في معرض بكين الدولي للكتاب في 23 أغسطس 2016م كأكبر وأرفع جائزة ثقافية في جمهورية الصين الشعبية وتسلمها من نائبة رئيس دولة الصين.
وقد حظي الكتاب بالكثير من الاهتمام على مستوى رفيع في التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، فقد جاء تقديم الكتاب من سعادة سفير الصين بالمملكة : لي تشنج ون، ومن السفير السعودي في الصين م. يحيى عبدالكريم الزيد، وهذا دليل على أهمية الكتاب كأول مرجع من نوعه في علاقات التواصل الصيني السعودي.
ولكن لماذا حصل هذا الكتاب على (جائزة الدولة التقديرية؟) للإجابة على هذا السؤال ربما نحتاج لمقالات تحليلية نقدية عدة.. ولكن سأوجزها هنا لضيق المجال، حيث يروي لنا الكاتب قصته مع الإيفاد للخارج لتدريس مادة اللغة العربية، حيث تخصصه الدقيق، وكان ذلك في الفترة 2008 – 2012م، فعزم أمره على خدمة الدين والمليك والوطن خارج بلاده، وقد أهلته كفاءته المهنية، وشخصيته المتميزة، وحصوله على الامتياز في درجاته العلمية في التخرج، على ترشيحه للإيفاد الخارجي، وهي معايير جد مهمة لمن يمثلنا في الخارج للعمل أو الدراسة.. بل إن اجتيازه للمقابلة الشخصية والتي تجرى من لجنة رفيعة المستوى؛ لهي دليل على كفاءته وامتلاكه قدرا كبيرا من مهارات التواصل واللباقة والحكمة وحسن التصرف، والتي تظهر كلها في المقابلات الشخصية المقننة، هذا فضلا عن اجتيازه للاختبار التحريري العلمي، ليكون اسمه من أوائل المرشحين للإيفاد لبلد عمره أكثر من خمسة آلاف سنة وحضارته ضاربة جذورها في عمق التاريخ الإنساني.. حيث كان تعيينه في المدرسة السعودية ببكين هي محطته في بلد المليار ونصف المليار نسمة.
تعرف في رحلته على عظمة الشعب الصيني من خلال معايشته له، بل حتى قبل ذهابه إلى هناك بزيارته للقنصلية الصينية وما وجده من حسن استقبال واحترام ولباقة.. بل وجد الواقع هناك أجمل مما تصوره، فما يملكه الشعب الصيني من قيم ومبادئ أخلاقية.. جعلته يقف احتراما لكل المواقف التي صادفته.
لقد استخدم الكاتب أسلوب الكتابة الوصفية التحليلية المستفيضة؛ مما يجعل القارئ يعيش الحدث بكل تفاصيله فتنطلق تصوراته وخيالاته في رسم الأحداث وربطها في مكونات كلية تعكس معايشته لها.
بل يشعر القارئ وكأنه أمام رواية تواترية وبحبكة دراماتيكية تنقله بين طيات فصولها، ففي فصلها الأول يغوص في نفحات وبدايات: ويحكي قصة اتخاذ القرار للسفر.. وحتى وصوله إلى بكين والاستقرار بها.
ثم ينقلك الفصل الثاني إلى الأماكن، والمشاهدات لأدق التفاصيل في المدن الصينية والأماكن، وجمالها وما بها من آثار إسلامية ومساجد وحدائق ومدارس. ثم يتماهى بك الطريق في الفصل الثالث ليأخذك في رحلات من حياة الصينيين من المائدة والأطعمة والزواج والحفلات. وتعايشه مع تلك الحضارة بكل تفاصيلها. ثم ينتقل بالقارئ إلى الفصل الرابع معرجا على أخلاق وثقافة وآداب الشعب الصيني وحضارته وفنونه وعلومه في الطب والتكنولوجيا والصناعة، فالصين أيقونة الإبداع الحديث في كل المجالات.
ثم جاء مسك الختام في فصله الخامس من خلال موضوعات المثاقفة بين الشعبين السعودي والصيني، وتأسيس ناد ثقافي في بكين يهتم بالثقافة العربية وجذب الطلاب في كل المستويات التعليمية؛ لتحفيز مهاراتهم الكتابية والإبداعية. وقد أشاد بدور الملحقية الثقافية السعودية في الصين والتي لها دور بارز في الحراك الثقافي هناك، مما أسهم في مد الجسور الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بين البلدين.
كم نشعر بالفخر والاعتزاز لحصول أحد أبناء الوطن على هذه الجائزة، لأنها تبرهن أن شبابنا هم سفراؤنا الحقيقيون في الخارج بتمسكهم بقيمهم وأخلاقهم ومبادئهم العظيمة وبعاداتهم المتنوعة.