موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصِّين وَرُوسيّا و إستراتيجية المُستقبل

0

alaa-sagheh-china-russia

موقع الصين بعيون عربية ـ
علاء ساغه*:

 

لا يختلف إثنان على ان الصين وروسيا تتحالفان اليوم، تحالفاً مكيناً وثابتاً وعميقاً، كما لم يكن مِن قبل خلال كل التاريخ. ففي التحالف بين موسكو وبكين في العَشريات الاولى من القرن الماضي أَنجزت وحدة البلدين تحرير أسيا والصين وروسيا من الاستعماريين على مختلف ألوانهم ومَشارِبهم.

واليوم أيضاً تتحوّل الدولتان، لكن بسرعة أكبر وفي فضاءات أكثر شساعة، الى ذات النهج السابق، لكن بفرق كبير هو أن التحالف الحالي يّعني تحالفاً كونياً لهما، ومصيرياً، ومعناه بقاءهما على قيد الحياة، وبأن أي أفتراق لخندقهما الجَمعي سيؤدي الى نهايات مؤلمة، تطال وجودهما البيولوجي والسياسي نفسه، وقد يؤدي بهما الى كارثة تصيب العالم كله، وتكرّسه، لا سمح الله، للقوى القديمة والمتروبوليات العسكرتارية البائدة التي عانت الشعوب منها ألوف السنين.

لقد أملت ظروف الواقع السياسي الدولي المُعاش، منذ بدايات الازمة السورية، عقد تحالف نوعي بين روسيا والصين، برغم ان الدولتين تختلفان في طرائق إدارتهما لبلديهما. ففي أحدهما، الصين، يقود الحزب الشيوعي الدولة والمجتمع، بينما في الآخر، روسيا، الحزب الشيوعي تم اقصاؤه عن السلطة منذ حركة الثنائي يلتسين وغورباتشوف التي كانت مُكلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وسكانياً لروسيا، إذ أنها أدت الى انهيار الدولة والمجتمع، فتقسيم البلاد والشعوب الى فِرق متنازعة منذ 1991م.

لكن قيادة الرئيس فلاديمير بوتين لروسيا، انقذت الدولة بسرعة قياسية من براثن المتربصين الداخليين بها، واستبعدتها عن شخوص ومعاهد دراسات وحِراب الحروب الخارجيين، وهم “كبار” البريسترويكا السابقين المُتّشحين بالسواد في الداخل والخارج، أنقذت الدولة ومستقبلها، وعملت على توحيد الشعب الروسي والشعوب والقوميات الاخرى الداخلة في قِوام روسيا، لتلتف حول موسكو، التي تتخذها الامة عاصمة تعمل على تأكيد وحدة المصير الوطني بقيادة بوتينية نوعية، وتتطلع الى تعاهدية مع الجيران والقوى النوعية الواعية على صعيد أسيا.

وفي المثال الصيني، تحافظ دولة “هان” على وحدة مجتمعها المتعدد القوميات والاعراق والاديان، بمركزية القرار في الدولة التي تصف نفسها صينياً بأنها إشتراكية، ومع كل ذلك الاختلاف الفكري والعقائدي، تجد بكين وموسكو وبسهولة نالت إعجاب العالم ودهشته، أرضية مشتركة وقواسم اتفاق متكاثرة للوحدة في العمل الدولي لصد الحصار عن نفسيهما، وهو الحصار الذي تعمل بعض الدول على فرضه بقسوة من حولهما، تمهيداً لإعادة صياغة العالم كله مرة واحدة والى الابد، كما يُخططون وفقاً لمقولة “نهاية التاريخ” التي أصبحت مُهترئة وقد غزتها ثقوب كثيرة!

غالبية البشر لا تعي حقيقة ما يجري في التحالف الصيني – الروسي. لكن في حقيقة الأمر فأن موسكو وبكين تقومان بعمل تاريخي لم يسبق له مثيل في أجندات الامم. كيف ذلك؟

 يدّعي عالم المستقبليات المُنجرة بأن ما سيأتي على الناس أجمعين إنما هو بُعد استعماري جديد!، إذ “أصبح للميغا إمبريالية، التي هي أعلى مراحل الامبريالية، التي هي بدورها أعلى مرحلة للتطور الرأسمالي،”أسلوب جديد ولغة من تركيب جديد، والميغا حسب مدلولها تقتضي الانفراد بالقرار”.

 لكن هذا المفهوم الماضوي لم يعِ ظهور أقطاب دولية غير الأصناف الامبريالية، وأغفل التطور الحتمي للشعوب والمُفضي الى مجتمعات جديدة لا تقبل التغوّل والتبعية،  فعند الحديث عن إمبريالية واستبدالها بإمبريالية اخرى، على نمط تطوري واحد، إنما يُقصي الباحث حق الدول الاخرى والامم في انتاج نوعي جديد، يؤدي إليه تطور غير تقليدي، على نمط (شي) – الصيني –  و (بوتين) – الروسي.

 الحديث عن إمبرياليات وعالم إمبريالي أحادي الجانب، لا يفي بحق التاريخ الذي لا يشبه شارع “غوركي” في موسكو، ولا شارع زهران المشابه لمسطرة تاريخية بالاردن، حيث الإمبرياليات تنتج إمبرياليات اوروبية، وكأن الكون يَصطبغ بلون واحد فقط.  

تحالف الصين وروسيا وظّف تطوّر على نحو مبدع الزراعة وفضاءاتها ومكّن العلوم والتكنولوجيا لديهما، فأتاحت وسائلهما الجديدة إيقاف ازدهار الإمبرياليات الحالية في عدة بقاع عالمية، ومنعت الدولتان كذلك استيلاد إمبرياليات تقليدية عادة ماتتوسّل تحقيق الارباح من خلال الحروب العالمية والقارية، وموت ملايين الأبرياء والفقراء والمسحوقين الطبقيين، ففي ظل الفوائض الصناعية ظهرت الميغا إمبرياليات – أو الإمبرياليات المُضاعَفة مليون مرة -، لكن موسكو وبكين تقفان اليوم بالمرصاد الاقتصادي من خلال روافع اقتصادية واستثمارية مشتركة جديدة، والروافع السياسية – بجهود قيادتين واعيتين تنسّقان في دقائق الامور والاوضاع ما فوق المحلية وبعيداً عن صَغائر الامور وكر وفر المعارك الُصغرى، لتحقيق الانسجام الاقتصادي والتكامل والدعم التقني – الصناعي – العسكري، والتنسيق في المجالات الاستراتيجية، وهو مايعني التمهيد لمستقبل جديد للعالم أجمع، يُمنع فيه تطاول قوى العسكرة الصناعية على صُنّاع القرار السياسي المُندغم رغماً عنه بالمجاميع الصناعية – العسكرية على صعيد العالم.

 الميغا الامبريالية هي التي عملت على إهراق دماء الامة العربية في الحروب المتتالية، وبخاصة منذ 2003م، وسحقت شعوب الارض، وهي التي تقوم بتصدير الاموال أساساً بدل السلع والبضائع، فتحقق تأميم أموال الدول النامية والفقيرة، ومستقبلها بالتالي، وهذه الميغا إمبريالية تحتل وتقتل وتصفّي إتساقاً مع مذهب “بوش”، الذي يُقر بسيطرة القِيم العسكرية والاحتلالية، وترفض الآخر الديني والقومي والثقافي والانساني.

  لم يبق أمامنا الكثير لنرى نتاجات التحالف الروسي – الصيني في شتى المناحي، فحروب “الشرق الاوسط” الحالية هي الحاسمة لجهة بزوغ نظام اقتصادي عالمي جديد بقسماته حقاً، وعلاقات مالية جديدة بجوهرها، ووأد النظام الإهراقي القديم للبشر وتدمير الحجر الثقافي والحضاري. وللحديث بقية تأتي.

*عضو ناشط في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين وملاحظ الاتحاد الدولي للشؤون الدولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.