موقع متخصص بالشؤون الصينية

#العلاقات_الصينية_الإيرانية على “طريق الحرير”

0

خاص بـ “نشرة الصين بعيون عربية” – د. علوان أمين الدين – باحث في العلاقات الدولية
لا شك أن العلاقات بين الصين وإيران تعود الى حقبة تاريخية بعيدة جداً، اذ يرى العديد من الباحثين بأنها “متجذرة وتعود إلى زمن بعيد يصل إلى حقبة إمبراطورية الهان والإمبراطورية البارثية، حيث شهدت الحضارتان تبادلاً تجارياً كبيراً، حتى أصبحتا شريكين في التجارة على طريق الحرير التجاري القديم، والذي كان يعتبر شراكة استراتيجية من التعاون المربح بين الطرفين.”
بعد ثورة عام 1979 ومجيء النظام الإيراني الجديد، وجدت إيران أن الصين هي أقل القوى العظمى عداء لها، فتنامت العلاقات بين البلدين وتوسعت، لا سيما بفعل ما أنتجته السياسة الأميركية في المنطقة، أفغانستان والعراق بالتحديد، وما أحاط بها من تراجع ملموس لنفوذها في هذه البقعة الجغرافية.
من هنا، تسعى إيران إلى أن تكون شريكاً أساسياً للصين، لا سيما مع تطابق الرؤى في الكثير من القضايا الدولية والإقليمية. وبقدر حاجة إيران الى الصين، بالقدر الذي تحتاجه بكين لإيران أيضاَ كمنفذ أساسي لمشروعها المستقبلي.
لقد اتضحت أهمية هذه العلاقات ومدى متانتها من خلال مفاوضات الملف النووي الايراني، إذ كانت الصين عنصراً فاعلاً في إنجازه وإقفال هذا الملف الذي كان يتخذ كذريعة للتدخل في منطقة الشرق الاوسط.
ومع ختم الملف وعودة ايران، تدريجياً بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، إلى منظومة الاقتصاد العالمي لكونها سوقاً واعدة على الكثير من المستويات، ترى الصين فيها شريكاً مستقبلياً، سيما وأن لها موقعاً جغرافياً استراتيجياً يجعلها في مصاف الدول الإقليمية المقرّرة، خصوصاً أنها تعتبر “مفتاح” قلب وسط آسيا الذي تحاول كل من الصين وروسيا تدعيمه في مواجهة أي اختراق مستقبلي للقارة.
ولم تقتصر العلاقات بين الدولتين على الملف النووي فقط، بل إن هناك تاريخاً من التعاون الاقتصادي بينهما، إذ تعدّ الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران، ولعلّ ذلك يعود في جزء منه إلى أنها مصدر أساسي لموارد الطاقة، التي تنتج إيران جزءاً منها، إضافة إلى أنها سوق كبير لتصريف المنتجات الصينية اللازمة لإدامة معدلات التنمية المرتفعة التي تشكّل الأساس لنموذجها الاقتصادي الحالي. ومن ثم يمكن القول إن النفط يحتل مكانة مركزية في العلاقات المتبادلة بين الجانبين، ويشكل قاطرتها الأساسية. إضافة إلى ذلك، قدّمت الصين العديد من المساعدات العسكرية لطهران كأحد الابعاد الأساسية والمهمة لهذه العلاقة.
وكخطوة أولية، عدّلت الصين بعض القوانين التي كانت تقف عائقاً أمام الاستثمارات، اذ منحت المستثمرین امتيازات من أجل تسجیل الشركات أو المؤسسات التي تعمل في التجارة، والصناعة، والزراعة، والمناجم والخدمات، في المناطق الحرة وفي 30 نقطة من المناطق الاقتصادية الخاصة. كما أعطت حوافز لتنشيط تصدير واستيراد السلع من دون فرض ضرائب جمركية، مع الاستفادة من الطاقة الرخيصة والانترنت والبنوك والمطارات الموجودة.
في خلال زيارته الى الصين في أيار/ مايو 2014، أثنى الرئيس الإيراني حسن روحاني على العلاقات الجيدة بين إيران والصين، ودعا إلى إحياء “طريق الحرير” من جديد، حتى تكون بلاده جسراً يربط بين الصين ودول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز. كما أعرب الرئيس روحاني عن ترحيب الصين بمشاركة إيران بفاعلية في قيام استراتيجية “حزام طريق الحرير الإقتصادي وطريق الحرير البحري في القرن الـ 21″، والتعاون في إقامة البنية الأساسية والمناطق الصناعية وإطلاق مشروعات سكك حديدية فائقة السرعة، والتي تم المباشرة في قسم منها عبر الاتفاق الذي وقعه كل من وزير السكك الحديدية الصيني ليو زيجون مع وزير المواصلات الإيراني حميد بهبهاني في طهران، تاريخ 12/9/2010.
ففي 15/2/2016، وصل اول قطار شحن من الصين الى طهران في رحلة وصفت بأنها سابقة تاريخية، فلقد وصل القطار، الذي يجر 32 حاوية، بعد قطعه مسافة قدرت بحوالي 10399 كلم خلال 14 يوماً من مدينة “يي وو” الصينية، وسوف يقوم هذا القطار برحلات شهرية بين البلدين، وهو يعتبر جزءاً من شبكة السكك الحديدية التي تربط الصين بأوروبا. ولقد خرج القطار من معبر “اناتا” في منطقة سينكيانغ شمال غربي الصين، مروراً بكازاخستان وتركمانستان، وصولاً إلى ايران التي دخل إليها عبر محطة سرخس (شمال شرق)، وفي المستقبل سيدخلها عبر محطة إينجه برون (شمال شرق ومحاذية لتركمانستان).
وكانت صحيفة “الديلي تلغراف” البريطانية قد نشرت خبر المشروع وقالت فيه إن الحكومة الإيرانية ترى أن خط سكك الحديد الصيني سيصل إيران بالعراق وكذلك سوريا وربما لبنان كجزء من ممر شرق أوسطي. ويساعد هذا الخط دول آسيا الوسطى على الوصول إلى ميناء شاهباهار الايراني، ويوفر للصين طريقا برياً حيوياً لنقل البضائع إلى أوروبا. وقد يساعد هذا الخط جمهورية الصين الشعبية على خفض تكلفة نقل البضائع إلى أوروبا بنسبة 5% او 6%.
ولقد سبق لإيران أن وافقت على تشبيك خطوط القطارات العراقية والسورية مع شبكة مواصلاتها الحديدية لتتمكن من الوصول إلى الهند وشرق آسيا بعد اكمال الخط الذي يصل بين البصرة وممر الشلامجة الحدودي.
وخلال الزيارة نفسها، أمل الرئيس روحاني بتفعيل ممر الشمال – الجنوب، من خلال ربط خطوط سكك الحديد بين دول كازاخستان وتركمانستان مع إيران، والذي سيعود بمنافع اقتصادية لجميع الدول الأعضاء.
تطبيقاً لذلك، افتتحت كل من إيران وتركمانستان وكازاخستان خط سكك حديد جديد، بدأ العمل به عام 2009، يهدف لتحسين سبل نقل البضائع بين آسيا الوسطى الغنية بالموارد الطبيعية وأسواق الشرق الأوسط وجنوب آسيا. ومن المتوقع أن يسهّل الخط الحديدي الذي يمتد لمسافة 925 كلم في تنشيط تبادل البضائع بين المناطق السوفيتية السابقة والبلدان المطلة على المحيط الهندي ومنطقة الخليج بالشرق الأوسط. وسيسرع أيضاً عمليات نقل البضائع بين الخليج وجنوب آسيا من جانب، وروسيا وأوروبا من جانب آخر. ومن المتوقع أن ترتفع السعة المبدئية لحمولة الخط الحديدي الجديد والبالغة خمسة ملايين طن من البضائع في العام لتصل إلى 20 مليوناً بحلول عام 2020.
وتسعى إيران من خلال هذا الخط الحديدي إلى التشبيك مع روسيا، فتكوِّن نقطة وصل إضافية بين الصين وروسيا من بوابة القوقاز. إضافة إلى ذلك، سيكون بإمكان إيران نقل بضائعها من خلال شبكة السكك الحديدية الكازاخستانية والروسية إلى موانئ البلطيق الروسية، حيث يمكن نقلها فيما بعد إلى بلدان أوروبا الغربية.
سيسمح الطريق الجديد باختصار طريق نقل البضائع من آسيا الوسطى إلى الخليج العربي بمقدار 600 كم، وسيكون واحداً من وسائل النقل الدولية الأكثر اهمية بين الصين وروسيا وأوروبا.
إضافة إلى ما سبق، أشار وزير الطرق وبناء المدن الإيرانية، عباس أخوندي، إلى مشروع مد نحو 200 كيلومتر من السكك الحديدية في مدينة ميانه – تبريز (غرب إيران). وأشار أخوندي إلى أن هده المرحلة تعتبر جزءاً من مشروع سيربط إيران بأوروبا، مضيفاً بأنه تم الانتهاء من مد 180 كلم من سكك الحديد ولا زال هناك 20 كلم قيد التنفيذ.
وفي زيارة مهمة جداً قام بها الرئيس الصيني إلى طهران في 22 كانون الثاني/ يناير 2016، تم التوقيع على 17 اتفاقية بين البلدين بقيمة مالية وصلت إلى 420 مليار دولار، وهي تشمل شراء النفط الايراني والعديد من الاتفاقيات في الاقتصاد والعلوم والثقافة، إضافة الى رفع قيمة التبادل التجاري إلى 60 مليار دولار سنوياً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.