موقع متخصص بالشؤون الصينية

#الصين و #إيران: تطور العلاقة التاريخية

0

خاص بـ “نشرة الصين بعيون عربية” ـ علاء حسن ـ باحث في الشؤون الإيرانية
العلاقات الإيرانية الصينية قديمة وحديثة:
قديمة من ناحية أن كلا البلدين شكلا في السابق أهم امبراطوريتين في الشرق، وأن الحكم فيهما يمتد جذوره إلى قرون مضت، وكان من الطبيعي أن تقيم الإمبراطوريتين غير الجارتين علاقات، استمرت حتى قرني الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد؛ عندما دخل الاستعمار وزال الحكم الامبراطوري في كلا الدولتين، وتحولتا في هذه المرحلة إلى هامش النظام السياسي العالمي بعدما كانتا في صلبه.
ويشكل طريق الحرير والنفوذ الثقافي أحد أهم معالم هذه العلاقة التاريخية. فطريق الحرير الذي تحول إلى أهم ممر تجاري وسياسي للقوافل وللبعثات، كان يبدأ من محافظة “تشانغ” والتي تسمى اليوم “شي آن” وتمر بهضبة التامير ثم آسيا الوسطى وغرب آسيا وإيران وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط.
وفي الجانب الثقافي نجد نقاط تشابه كثيرة في الأساطير المروية في البلدين، وآثاراً ثقافية ودينية زراتشتية وسريانية وإسلامية انتقلت من إيران إلى الصين، حتى أن بعض المؤرخين يرون أن الإسلام دخل الصين للمرة الأولى من البوابة الإيرانية، ولذا نجد أن الإسلام الصيني ذو طابع إيراني، حتى في بعض المفردات الإسلامية التي يتداولها الناس هناك باللغة الفارسية.
كما أن كلا البلدين واجها عدواً مشتركاً في بداية القرن السابع للهجرة وهو الغزو المغولي الذي استطاع لاحقاً الاستيلاء على الصين وإيران معاً.
من ناحية أخرى يمكن اعتبار هذه العلاقة حديثة العهد لأنه لم يمر عليها أكثر من أربعة عقود. فبعد مرحلة الأفول الطويلة، عاد نجم البلدين للسطوع من جديد بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن كلاً في اتجاه مغاير. إيران أصبحت في المعسكر الغربي، وفي الخط الأمامي المناوئ للشيوعية، والصين وبعد عدة عقود من الحرب الداخلية، حددت هويتها من خلال الثورة الشيوعية المنتصرة عام 1949 وبدأت عصراً جديداً تمثل بالشيوعية الماوية.
بطبيعة الحال لم تعترف إيران بالحكومة الماوية، بل واعترفت بالحكومة التايوانية ممثلة رسمية عن الشعب الصيني، وذلك تناغماً مع المعسكر الغربي التي تنتمي إليه.
في المقابل اعتبرت الصين ايرانَ عميلة وفية للإمبريالية الغربية، فيما اتهمت إيران الصينَ بأنها توسعية محتلة.
بغض النظر عن الاتهامات المتبادلة بين البلدين، تكمن النقطة المهمة في أن كلا البلدان انضما إلى معسكر مختلف عن الآخر في فترة الحرب الباردة، مما جعلهما غير قادرين على فتح علاقات ودية.
استمر الوضع على هذا المنوال حتى بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما أعادت الولايات المتحدة تعريف علاقتها بالصين من خلال ديبلوماسية “البينغ بونغ”، ما فتح الباب لإعادة العلاقات بين إيران والصين مجدداً.
جاء سفر أشرف بهلوي الشقيقة التوأم لمحمد رضا شاه إلى الصين ليشكل انطلاقة جديدة للعلاقات الإيرانية الصينية التي وصلت إلى حد العلاقات الديبلوماسية الكاملة قبيل انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
انتصار الثورة الإسلامية في إيران جاء بالتزامن مع تحول جوهري في الصين أيضاً، ما أدخل العلاقة في مرحلة جديدة. ففي حين رفعت إيران الثورة شعار “لا شرقية لا غربية” واعتمدت النهج الثوري في علاقاتها الدولية وتعريفها لسياستها الخارجية، غيّر المؤتمر الثالث للمجلس الشيوعي الحادي عشر المنعقد في 1978، استراتيجية الصين من الثورية إلى الانفتاح. بمعنى آخر استبدلت إيران والصين مواقعهما على الساحة الدولية: إيران الحليف الأبرز للولايات المتحدة تحولت إلى قلعة الثورة وصين الشيوعية التي سعت يوماً إلى تدمير الامبريالية اتجهت نحو العقلانية السياسية وبدأت تتعاون استراتيجياً مع زعيمة المعسكر الرأسمالي. هذا التحول جعل العلاقة بين البلدين تنخفض من مستوى الأيديولوجيا إلى مستوى المصالح المادية التي كانت ركيزتها عنواني السلاح والنفط في فترة الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات.
بعد انتهاء الحرب وبداية مشوار إعادة الإعمار والعمل على التنمية الاقتصادية في إيران، كانت الصين تدخل عصرها الاقتصادي الذهبي في بداية العام 1990، وبدأت العلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران تتزايد يوماً بعد يوم. وفي نفس السياق لم يستطع البلدان رفع مستوى العلاقات الأمنية والسياسية بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول الولايات المتحدة إلى القطب الأوحد على الساحة الدولية واستراتيجية كل من الصين وإيران المختلفتين حول التعامل الإيجابي والسلبي مع النظام العالمي الجديد.
التحول المهم الحالي في هذه العلاقة جاء عام 2015 الذي شهد أدنى مستوى نمو اقتصادي خلال ربع القرن الأخير وهو ما دفع بالرئيس الرئيس الصيني إلى زيارة كل من إيران والسعودية ومصر العام المنصرم. هذه الزيارة تقودنا إلى سؤال أساسي حول أهداف الصين وما تريده في غرب آسيا.
قد لا نجد نصاً حول السياسة الخارجية الصينية لا يكون جوهره الاقتصاد وأمن الطاقة، وقد ربطت الصين لسنوات طويلة سياستها الخارجية بالاقتصاد والنفط والطاقة، على عكس الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية وثقافية أيضاً. بالتالي أمضت الصين العقود الثلاثة وهي تنظر إلى منطقة غرب آسيا نظرة اقتصادية بحتة، ما جعل أولى أولوياتها في هذه المنطقة هي المحافظة على ثبات وأمن الطاقة، لكونها المستورد الأول عالمياً للنفط والغاز. حتى أن منافسَتَهَا للولايات المتحدة جاءت من منطلق اقتصادي، وقبولها بمستوى معين من النزاع في الشرق الأوسط والتواجد الأمريكي والناتو فيه مرهون بشكل أساس بانشغال الولايات المتحدة عن شرق آسيا والحضور فيه، وعدم تشديد النزاع لدرجة تهديده لأمن الطاقة وخطوط انتقاله. وفي هذا الإطار، وبالاستناد إلى تقديرات الوكالة الدولية للطاقة التي أعلنت أن استيراد النفط من قبل الصين سوف يتضاعف في العقدين القادمين خلافاً لأميركا التي تتجه نحو المخزون الداخلي لديها، فإن الصين تجد نفسها بحاجة شديدة إلى إيران والسعودية واستقرار العلاقات بينهما من أجل عدم حصول نزاعات في المنطقة تؤدي إلى تهديد انتقال النفط إلى خارج المنطقة، ما يشكل ضربة قوية للاقتصاد الصيني.
الأمر الأخر الحاصل في السنوات الأخيرة هو أن الصين أدركت أن تراكم القدرة الاقتصادية لم يعد ممكناً على أساس النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، وبالتالي عليها فتح مجالات أخرى سياسية وعسكرية في المناطق الحساسة، ومن بينها منطقة غرب آسيا وركيزتها منطقة الخليج، من أجل التمكن من العمل كلاعب أساسي في النادي الدولي، خصوصاً مع التغير الحاصل في النظام الدولي وتحوله تدريجياً إلى نظام متعدد الأقطاب، وهذا ما لا تستطيع الصين التغافل عنه أو العمل ضمنه بسياسة اقتصادية بحتة.
من ناحية ثانية حصل تطور مهم في السنوات الأخيرة تمثل بما بات معروفاً بـ “مسلمي الإويغور” المتمركزين في محافظة شينجيانغ التي تشكل 17% من إجمالي مساحة الصين، وتزايد الفكر السلفي وخاصة الجهادي فيهم. وباتت الصين ـ مثل كثير من الدول ـ تخشى عودة هؤلاء السلفيين التكفيريين المتواجدين حالياً في مناطق الصراع في سوريا والعراق والإخلال بالأمن الصيني الداخلي.
لهذه الأسباب تحتاج الصين إلى حليف في منطقة غرب آسيا يؤمن لها أكثر من المصالح الاقتصادية ويساعدها في لعب دور أهم في النظام المتعدد الأقطاب قيد التكوين، دون أن يعني ذلك التضحية بالمصالح الاقتصادية التي تسعى إليها.
وبنظرة تاريخية وجغرافية واستراتيجية تجد الصين أن الخيار الأفضل لها في هذه المنطقة هو إيران. فإيران أولاً لديها علاقات تاريخية عريقة مع الصين وثانياً تمتلك موقعاً جغرافياً متميزاً يربط بين شرق آسيا وغربها وآسيا الوسطى ومنطقة الخليج. تمتلك النفط، وهي دولة نامية وبثمانين مليون مواطن تشكل سوقاً كبيراً بالنسبة للصين. أضف إلى ذلك هي دولة قائمة على استراتيجيات ثابتة لا تتغير بتغير الحكام كما يمكن أن يحصل مع دول أخرى مثل السعودية، وهذا ما تحتاجه الصين من أجل خلق تفاهمات استراتيجية تدوم لسنوات طويلة.
من جهة أخرى تعتبر إيران على المقلب الأخر من الحركة الوهابية التي تدعو إليها السعودية وتروج لها، وهو سبب رئيسي يعطي أولوية لإيران على السعودية في إيجاد حلف استراتيجي مع الصين التي تسعى إلى النيل من الإسلام المتطرف الذي تعتبره تهديداً مستقبلياً لأمنها الداخلي.
فضلاً عن ذلك، تقف إيران بمواجهة الولايات المتحدة، عكس السعودية التي تتماهى مع السياسات الأمريكية في المنطقة، وهذا أيضاً عامل محفز للصين التي تسعى ـ كما إيران ـ إلى حجز مقعد لها في النظام الدولي الجديد.
في المحصلة فإن إيران مرشحة وبقوة لكي تكون الحليف الاستراتيجي للصين في السنوات القادمة، لما للبلدين من مصالح مشتركة على عدد من الأصعدة. وفيما يمكن للسعودية أن تكون شريكاً مهماً للصين في تأمين المصالح الاقتصادية للبلدين، فإن الصين سوف تحافظ بالتأكيد على علاقاتها الجيدة مع كل من السعودية وإيران لتحقيق أكبر قدر من المصالح الاقتصادية والسياسية، وسوف تسعى في الوقت نفسه إلى منع حصول نزاع حاد في المنطقة، تكون فيه كل من السعودية وإيران على رأس المحاور المتنازعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.