موقع متخصص بالشؤون الصينية

المسلسلات الصينية: تحاكي الروح الإنسانية وما تحتاجه من رقي (العدد 67)

0

نشرة الصين بعيون عربية ـ
ماجدة ريا:

عندما كانت تُذكر الصين في الماضي، كان يراودني الشعور بأنّها بلد على أطراف العالم، بعيد جداً، والوصول إليه شبه محال، وكان هذا الشعور يتعزّز كلما مرّ أمامي حديث الرسول الأكرم (ص) :”أطلبوا العلم ولو في الصين” .
نعم هو بلد بعيد نسبياً من حيث المسافة، وهو في أقاصي العالم، لكن بما أن العالم بات قرية صغيرة، أصبح بالإمكان أن تهتم بالمكان الذي تختاره، وأن تتعرّف على كثير من التفاصيل التي كانت حتى وقت قريب مستحيلة نسبياً.
ولما كان الاهتمام بالصين كدولة وثقافة وشعب يُعتبر أساسياً في اهتمامات زوجي، كنت أدخل في هذا الاهتمام شيئاً فشيئاً، وبدأت أتعرّف بشكل أو بآخر على هذا البلد، من خلال الحديث والصور والمتابعة.
سفره إلى هناك بداية، الحديث عن سفراته، وبعدها مؤخراً متابعة ابني بسفرته يوماً بيوم، والتعرف على الأماكن والناس والمؤسسات زاد من حشريتي، ولا أنكر أنني أحببت هذا البلد بتطوره ورقيّ مجتمعه.
من وقت لآخر كنا نتابع التلفزيون الصيني الناطق باللغة العربية، هذه اللغة التي تعتبر مشتركاً أساسياً بين ذلك البلد وبين كل من ينطق باللغة العربية، فلا مشكلة بالفهم أو بالتواصل، فنتابع أحياناً برنامج “تعرف على الصين”، وبعض المسلسلات الصينية المدبلجة إلى العربية، عندما تسمح الفرصة بذلك.
أثارت انتباهي هذه المسلسلات، خاصة وأن المسلسلات المُنتجة في الدول العربية بمعظمها أصبحت تعاني من هبوط واضح في المستوى الثقافي والأخلاقي، بعد أن بدأت تتطعّم شيئاً فشيئاً بالتوجه الغربي، والانحدار في المصطلحات القيمية والأخلاقية التي تربّت عليها مجتمعاتنا، إلى درجة بات يتعذّر معها علينا أحياناً متابعتها، لما تبثّه من أفكار وقيم غير مقبولة، وإن كنت أجد الكثير من البيوت يتابعونها لأنه لا يوجد بديل يُغني، وكأنها باتت فرضاً واجباً لا يمكنهم الهروب منه، بالرغم من كل آثاره السلبية التي تتركها على أفراد الأسرة.
والمسلسلات التركية والهندية المدبلجة لا تقلّ عنها فداحة من حيث دسّ السم في العسل، والترويج لشكل من الحياة غير مقبول، ومع ذلك يتم التأثر بها بشكل ملحوظ.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن المسلسلات والأفلام ليست عملاً فنياً بحتاً وحسب، ويجب الالتفات إلى أنّها لها السطوة الأولى على المجتمعات، فهي تنقل بجانب من الجوانب “طريقة حياة” بكل ما تحمل هذه الحياة من علم وثقافة وقيم وأخلاق وكل ما يرتبط بالحياة، حتى طريقة اللباس وشكله، وبما أنها تُنقل بطريقة فنية محببة، فيكون لها التأثير الأكبر على مختلف الأعمار.
رأيت في المسلسلات الصينية أمراً مختلفاً، وثقافة مختلفة، كثيرة هي الأمور التي تثير الإعجاب، بالرغم من أن المجتمع الصيني مجتمع متحرر، لكن ليس على الطريقة الغربية، وإنما هو مبني على مبادئ وقيم مجتمعية جديرة بالإهتمام.
لأن الأهم هو الإنسان وبناء الإنسان، ننظر إلى القيمة الثقافية التي تفيد بناءه، وأن لا يكون العرض لمجرد التسلية، أو اللهو، وإنما من أجل إيصال فكرة هادفة.
فنجد أن هذه المسلسلات غنية بالحِكَم، والحكمة الصينية مشهورة منذ سالف الأزمان. تأتي الحكمة على لسان الكبار عندما يخطئ الصغار، فالإنسان إنسان بميوله وأهوائه وطبعه ومشاعره، وهو عندما لا يملك الخبرة في سن الشباب غالباً ما يكون عرضة لخطأ ما، أو لارتكاب مخالفة للقيم السائدة، وعندما يكون المجتمع متماسكاً، وتكون ركائزه صارمة، فعلى الجميع أن يمتثل لذلك، حتى الشباب عندما يخطئون، فإنهم ملزمون باحترام قيم ومبادىء المجتمع الذي يحضنهم، ويتعامل معهم الكبار بالحكمة والصبر والتوعية من أجل تصويب المسار.
والمسلسلات هي أداة من أدوات لفت نظر الشباب إلى طبيعة الحياة، وما يمكن أن يمر به الإنسان، كيف يواجهه؟ ما الذي يمكن أن يحدث له؟ إضافة إلى تمرير ثقافة المجتمع داخلها، فهي ليست لتقطيع الوقت، ولا للتسلية وإنما من أجل المساهمة في بناء المجتمع.
مثال بسيط من المسلسل الذي نتابعه (وحي الحياة)، عندما خان الزوج زوجته، تركته وتزوجت من غيره، وهو تزوج من عشيقته بعدها. يُظهر المسلسل مدى تخبط الزوج والعائلة بعد هذا الطلاق، ويسلّط الضوء على المشاكل التي يمكن أن تنتج جرّاء هذه الخيانة، وما استتبعته من آلام للزوج والجدة خاصة بوجود ولد لهما يتربى في عائلة أخرى، والبحث عن كيفية إبقاء هذا الولد منتمياً إلى عائلته الأساسية. ‎
يعجبك الترابط الأسري، والاهتمام بالعائلة ككيان، ووجوب احترام الكبير والأخذ برأيه، والتركيز على مفهوم العائلة ومكوناتها وأهمية ترابطها. إنها مفاهيم نجدها في مجتمعاتنا قيد الانحلال نتيجة للثقافة التي يروّج لها من خلال الشاشات الصغيرة، والتي غالباً ما تؤدي إلى التمرد والعصيان والتفكك الأسري.
ليس في المسلسلات الصينية ما يخدش الحياء، رغم التركيز على العواطف الإنسانية، ومشاعر الحب المتبادل بين الجميع،. احتشام في التعامل، وفي اللباس، حتى يبدو كل شيء أنيقاً وجاذباً، وهو يحاكي الروح الإنسانية وما تحتاجه من رقي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.