موقع متخصص بالشؤون الصينية

#آسيان.. تغليب المصالح بالإستقلالية والسلم والأمن (العدد 74)

0

نشرة الصين بعيون عربية ـ الأكاديمي مروان سوداح*
علاقات دول رابطة (أسيان) ما بين بعضها البعض لا تُحسد عليها(!)، فما بالكم بعلاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية التي تتعرض لضغوط من بعض عواصم الرابطة تجاوباً مع الضغوطات الامريكية؟
كان يُخيل للبعض أن دول آسيان متّحدة وموحَّدة وجسم متناغم ومتوافق، وبأن هناك عنواناً عريضاً يَجمعها ويؤالف ما بينها، وهو التحالف مع واشنطن والعداء المر لبيجين، لا يأتيه الانفساخ والباطل من جانب!، إلى أن ظهر فجأة رئيس جديد في الفلبين، سارع إلى كيل مختلف الاتهامات لأمريكا، واستخدام لغة الوعيد بحقّها كما لم يحدث بعد انتهاء حرب فيتنام.
الرئيس الفلبيني فضح مآرب أمريكا وعرّى تطلعاتها الاقليمية، وكشف عن عداء (العم سام) لبلاده بتحويل ناسها الفقراء الى عبيد لا أسياد في وطنهم، فأفضى كل ذلك إلى مزيدٍ من تفاقم الوضع في أركان آسيان من جهة، سيّما بعد صدور قرار ما يُسمّى بمحكمة لاهاي التي أقرت سلب الصين أطيانها في مجموعة الجزائر التابعة إليها.
ومن جهة اخرى ظهرت بوادر تفكك الرابطة بتعمّق العداء لأمريكا وتجييش الدول بزخم سياسي جديد، آسيوي ودولي، يؤسس لممارسات سياسية مِقدامة وغير مسبوقة، وبان تأثير تشكّل ذلك على دول أخرى بدأت بمراجعة تحالفاتها وصداقاتها وعلاقاتها مع (العم) ذاته القابع وراء المحيط، والمُتطلّع للهيمنة على أراضٍ أجنبية جديدة، وموارد طبيعية لم تصلها يد بشرٍ، ومحاصرة الصين، لكن بمخالـب أسيوية!
تأثير الولايات المتحدة تاريخياً على دول آسيان كبير ومتشعّب ومناحيه لا حصر لها، لكن أمريكا سارعت الى ضبط الإيقاع في إقليم آسيان، وها هي تواصل اليوم العمل لمنع تجاسر قوى مختلفة بإضعاف التأثير الامريكي، أو طرد الوجود الاميركي السياسي والعسكري والاقتصادي من الأقليم الأهم.
لكن من ناحية أخرى، لا يستطيع “البيت الأبيض” ـ حتى من خلال قواعد قواته في الفلبين واليابان وتايوان وجنوب كوريا وغيرها ـ إنهاض الأمزجة الشعبية لصالحه أو التصالح معها، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ أن ما حدث إبتداءً بـِ “الإنقلاب الفلبيني”، وليس انتهاءً بظهور قوّة جديدة ومؤثرة على هذه الرابطة في شمال شبه الجزيرة الكورية، هو مؤشر لارتقاء الجنوب والشرق الآسيويين الى درجة العودة للصداقة والتبادلات الأنفع مع الصين، ورؤية الصين من زاوية حقيقتها وواقعها ومشاريعها، وليس من خلال المنظار الحربي الأمريكي ومجمعه الصناعي العسكري!
تسعى الصين منذ ما قبل محكمة لاهاي الى ترسيخ فكرة أساسية في أذهان قادة دول آسيان وشعوبها والدول التي تحدّها، ومفادها لزوم العمل المشترك والنفع المتبادل على قدم المساواة، وبأن تلك الدول تستطيع أن تتشارك مع الصين في الاستثمارات والتوظيفات وغيرها في تلك الجزائر الصينية وعلى البر الصيني أيضاً، وهي تشاركية أنفع من “التشاركية في الحروب” ضد الصين، والتي حذّر “الفلبيني” وبقوة وعلانية من ويلاتها، مؤكداً بأن (العم سام) يدفع الدول والشعوب وكل مَن هو بشر باتجاهها، لتجني أمريكا الأرباح المِلاح، ولتحصد شعوب آسيان في خواتيمها الويلات والموت، التخلّف والفقر، والنزاعات الإقليمية.
تقوم سياسة الصين مع آسيان كما مع كل العالم، على مبدأ المنفعة المتساوية والكسب الشامل وتوسيعه وتعظيمه، كما أن الجاليات الصينية وجميع مواطني دول الرابطة من ذوي الأصل الصيني يديرون بكل ما في الكلمة من معنى، أهم وأوسع القطاعات الاقتصادية فيها، وبالتالي هم يسيّرون اقتصادها وينفعون سكانها. وهنا تنتصر الصين في سياستها الحكيمة القائمة على النفع الاقتصادي والتجاري المناهض للنفع الأُحادي الجانب، إذ أنها ترتقي بعلاقات الدول إلى تحقيق المكاسب بدلاً من تحقيق الحروب، وهي سياسة أكدت ضرورات فرض سيادة الحِكمة على أصحاب الرؤوس الحامية وفرض تراجعهم عن مقولتهم “ضرورات الحرب” مع الصين، ما يصب أرباحه في مصلحة المواطن الامريكي والآسيوي والسلم والأمن العالميين، برغم أن المَجمع الصناعي العسكري لأمريكا يرى أنه خسر الجولة!
كانت لي سابقا زيارات عديدة بدعوات رسمية إلى بعض دول شرق آسيا ووسطها، وقد قُدّر لي أن أسمع من مسؤوليها وشخصياتها الرفيعة الكثير المُذهل عن علاقاتها مع الصين والصينيين، ونشرت المقالات عن ذلك في الصحافة الورقية الأردنية. فعلى سبيل المِثال، تُعتبر إندونيسيا واحدة من الدول الصناعية والزراعية المتطورة في العالم الإسلامي، لكن عديد المواطنين الصينيين المُتجنّسين فيها يَصل الى سبعين مليون إنسان – مواطن، وهم بدرجة أولى يديرون إقتصادها ويطوّروُنه. أما في ماليزيا، فإن 15 بالمئة من سكّانها المُسيطرين على الحِراك الاقتصادي هم من الصينيين حصراً!
لذلك، أرى وأتمسّك برأيي التالي: ان السياسة الصينية وسياسات دول آسيان لا يمكن لها سوى أن تتلاقى وتتحد وتتعزّز بالأفعال الاقتصادية والزراعية والإنسانية، ولا مجال هناك من جديد لأية حروب مدمّرة واجترار لسنوات الماضي البغيض، فنحن “أولاد اليوم”، ولا يجب علينا العودة القهقرى إلى “ربيع أسيوي” مَشبوه، أو ماضٍ استعماري، ونزاعات وحروب وتحالفات سوداء، تنفع احتكارات ومجمعات الموت، لكنها لا تنفع في تشغيل العاطلين عن العمل وحل المُعضلات اليومية والسوسيولوجية والسيكولوجية للمجتمعات الآسيوية.
فالولايات المتحدة تريد جرّ دول آسيا وآسيان وغيرها إلى حروب ونزاعات مع الصين وروسيا، ونشر مزيد من القواعد العسكرية حول الدولتين إدعاءً بحماية العالم (!)، ولتحويل أسيان إلى إقليم حربي وقاعدة دمار لتلك البلدان وغيرها، وقد حذّرت روسيا قبل أيام قليلة من تمادي أمريكا و”الأطلسي” من نشر قواعد عسكرية جديدة مُضافة لأربعمئة قاعدة أمريكية وأطلسية تحاصر روسيا في الوقت الراهن..!، وربما هناك قواعد أخرى عديدة تحاصر الصين أيضاً، بهدف إغلاق طرق المواصلات الدولية ومضيق مَلقا بوجهها وتفشيل مشاريعها الاقتصادية العالمية، فأمريكا وشعبها لن تصلهما أية حروب لكونها دولة في قارة “مَعزولة” عن العالم، والخاسر من الحروب الأمريكية ستكون أولاً وأخيراً وبصورة فورية شعوب آسيان وآسيا والأمن العالمي وصداقة الشعوب.
الصين تقدّم لآسيان وآسيا والعالم “مبادرة الحزام والطريق” التريليونية الفريدة من نوعها، وذات الطراز الجديد والمُبتكر والجاذب في العلاقات الدولية. وحال تراجع أسيان أو تقاعسها عن التعاون ضمن المبادرة الصينية، يمكن للصين الاستعاضة عن سُبل آسيان بغيرها، من خلال دول أخرى، لتصل مشاريع وتجارة الصين بسهولة إلى أوروبا، فتتراجع والحالة هذه أهمية آسيان في مجمل العلاقات الدولية والميزان الاقتصادي العالمي.
إن رابطة آسيان كتكتل جهوي أمامها فرص كثيرة للازدهار في إقليمها وخارجه، والصين بأموالها الفلكية سوف تمخر بموجب مبادرتها هذه عباب أراضي ومياه دول آسيان وستفيدها. لذا، يجب على آسيان بدورها الانتباه بعيون وعقول يقظة إلى المستقبل الوضّاء الذي ينتظرها، لكن وقبل كل شيء بشرط تفعيل قراراتها الاستقلالية وحِراكاتها للصداقة والتعاون، ما يؤهلها جَني ثمار المشتركات الكبرى مع الصين، لا الانقلاب عليها ودفع الجزية للأجنبي!
*رئيس الإتحاد الدولي للصَّحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصّين.
*المَقال خاص بالنشرة الاسبوعية لموقع الصين بعيون عربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.