موقع متخصص بالشؤون الصينية

تعليم اللغة الصينيّة في لبنان: جامعات ومعاهد.. والمزيد قادم (العدد 79)

0

 

نشرة الصين بعيون عربية ـ د.تمارا برّو والطالبة جين شبلي

 

وراءَ كلّ لغة تاريخ ثقافي، لذلك يُعدّ التقارب بين اللّغات أحد الأبواب الواسعة التي تتيح فرصة للانفتاح والتقارب الثقافي مع أي بلد كان. فكيف لو تكلّمنا على تقارب صيني-عربيّ؟!
“أطلب العلم ولو في الصين” هذه المقولة كثيراً ما سمعناها ورددناها، ولكن للأسف كانت نادرة التطبيق على أرض الواقع. فقد لهث الجميع إلى دول أخرى طلباً للعلم. فنشأنا على وجود فروع جامعات دول كثيرة في لبنان منها الجامعة الأميركية والألمانية والفرنسية والكندية. ومنذ زمن ليس ببعيد أخذت اللغة الصينية تخطو خطاها بثبات في لبنان، واتجه قسم لا بأس به من الطلاب وغيرهم إلى دراسة هذه اللغة، خاصة بعد أن أصبحت الصين قوة عظمى تسعى إلى نشر ثقافتها في مختلف بلاد العالم.
مع بداية تطبيق سياسة الاصلاح والانفتاح على العالم الخارجي قبل أربعين عاماً، سعت الصين إلى تعزيز العلاقات السياسية والثقافية والتجارية مع جميع دول العالم، وأولت اهتماماً خاصاً بالوطن العربي الذي تربطه بالصين علاقات تاريخية قديمة تعود إلى الرحلة التي قام بها تشانغ تشيان إلى بلاد العرب عام 139 ق.م.
وبلغت هذه العلاقات أوج ازدهارها في الفترة ما بين القرنين السابع والتاسع الميلاديين، وتطورت مع مرور الزمن حتى يومنا هذا. ولعبت اللغتان العربية والصينية دوراً هاماً في تقوية العلاقات بين الصين والعرب على مرّ الزمن. ومع إعادة الصين طريق الحرير إلى الواجهة، بعد المبادرة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، أصبحت الحاجة تحتّم تعلم اللغتين الصينية والعربية.
وفي الوقت الذي بات فيه أبناء لغة الضاد يسبحون في فلك اللغات الأجنبية، نرى أفراداً من الصين يتمسكون بتعلّم اللغة العربية. وحالياً يوجد أكثر من 44 جامعة في الصين تعلّم هذه اللغة، فهناك مثلاً جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، جامعة الدراسات الدولية في شنغهاي، جامعة بكين، جامعة التجارة والاقتصاد الدولية في بكين، كلية اللغات الأجنبية في جامعة نينغشيا، جامعة اللغات الأجنبية بداليان، فضلاً عن المعاهد والمراكز الخاصة والمساجد.
تعدّ اللغة الصينية من أصعب اللغات في العالم لما فيها من تعقيد من حيث العدد الكبير للحروف أو الرموز. وعلى الرغم من كل ذلك التعقيد، فإن عدد الذين يتكلمون اللغة الصينية هم أكثر من مليار و300 مليون نسمة. وتضم هذه اللغة أكثر من 60000 رمز، وكل رمز يعبّر عن كلمة مستقلة، وتكتب الكلمات من اليسار إلى اليمين ومن أعلى للأسفل. ويوجد اليوم نظامان للرموز الصينية، الأول هو النظام التقليدي Traditional Chinese، الذي ما زال مستخدماً في هونج كونج وتايوان وماكاو والمجتمعات المتحدثة بالصينية (باستثناء سنغافورة وماليزيا) خارج بر الصين الرئيسي، ويأخذ هيئته من أشكال الرموز الصينية التي تعود إلى عهد أسرة هان. بينما يبسّط نظام الرموز الصينية المبسطةSimplified Chinese ، الذي قدمته جمهورية الصين الشعبية عام 1954 لنشر القراءة والكتابة على نطاقٍ واسع، أغلب الرموز.
إن دراسة اللغة الصينية تقودنا إلى دراسة الأدب الصيني الذي حظي باهتمام العالم العربي منذ مطلع القرن العشرين. فقد أشاد الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ بالثقافة الصينية والأدب الصيني وأبدى اعجابه بكتاب (المحاورات الكنفوشيوسية) و (رواية الجمل شيانغ تسه) للكاتب الصيني (لاو شه).
وتتربع أعمال (لو شيون) على عرش الأعمال الأدبية الصينية التي ترجمت إلى اللغة العربية في خمسينيات القرن الماضي وتركت انطباعات جيدة لدى القراء العرب. ومن ضمن هذه الأعمال المترجمة: قصص لوشيون المختارة، ومذكرات مجنون والدواء، وضحية العام الجديد، والبيت القديم والأسرة السعيدة وغيرها من الأعمال الروائية والقصصية المعروفة.
لقد أولى المترجمون الصينيون اهتماماً بالتراث الثقافي العربي ونقلوا الكثير من الأعمال الابداعية العربية إلى الصينية. فترجموا مؤلفات نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، توفيق الحكيم ، جبران خليل جبران، أدونيس وغيرهم الكثير. بالمقابل لا يزال عدد المترجمين العرب الذين يتقنون اللغة الصينية ويترجمون عنها إلى العربية قليلاً جداً، قياساً إلى الكم الهائل من المترجمين الصينين عن العربية، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر (تشونغ جي كون) و(إي هونغ) و(يانغ شياو بو) و(شوي تشينغ قوه). ومن المترجمين العرب نذكر محسن فرجاني أستاذ اللغة الصينية بجامعة عين شمس في مصر، الذي ترجم عدة كتب صينية إلى العربية، منها كتاب محاورات كونفوشيوس وكتاب الطاوية للكاتب (طاو ده جينغ)، وتم تكريمه من قبل الرئيس الصيني عام 2016، كما يُعتبر أول عربي يحصل على جائزة التميّز في الكتاب الصيني عام 2013.
ونذكر أيضاً حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية بجامعة عين شمس وقد حصل على جائزة الاسهام المتميّز في ترجمة الكتب الصينية، والمترجمين أحمد السعيد، وابراهيم السيد محمد محمد سلامة عكاشة.

ومؤخراً بدأت الحكومة الصينية تحث شعبها على تعلم اللغة العربية، وأخذت تقدم الدعم للمترجمين الصينيين والعرب، وتشارك في معارض الكتب العربية، كمشاركتها في معرض الكتاب العربي في أبو ظبي وفي القاهرة عام 2017.
بعد أن أصبحت الصين أكبر وأهم مورد إلى لبنان، واحتلالها المركز الأول لعدة سنوات، من بين الدول المصدّرة إليه، أصبح تعلّم اللغة الصينية، التي ينطق بها 20 في المئة من سكان العالم، حاجة ضرورية. وحالياً تشهد هذه اللغة إقبالاً ملحوظاً من قبل اللبنانيين، وخاصة من قبل الشباب في الجامعات ورجال الأعمال.
ويوجد في الوقت الحاضر أكثر من 10 جامعات ومعاهد تعلّم اللغة الصينية ولعلّ أهمها:
أولاً: معهد كونفوشيوس
يعدّ كونفوشيوس من أبرز الفلاسفة الصينيين القدامى، تحمل اسمه معاهد ثقافية عديدة لتعرّف العالم كله على الحضارة الصينية ولغتها وسياساتها واقتصادها وعاداتها التقليدية الشعبية على اختلافها. فيما خص لبنان، قرر المجلس الاستراتيجي في جامعة القديس يوسف الانفتاح على حضارات الشرق الأقصى من خلال تأسيس هذا المعهد في عام 2006 بالتعاون مع جامعة (شين يانغ) الكائنة في شمال الصين، بإشراف المصلحة الصينية للتعليم الدولي للغة الصينية والتابعة بدورها لوزارة التربية الصينية، والمعروفة باسم Hanban””. بدأت الدراسة رسمياً في هذا المعهد يوم 27 شباط/فبراير 2007، وصار اليوم مركزاً هاماً للغة والثقافة الصينية في الدول العربية. ومنذ بدء الدراسة فيه، التحق بمعهد كونفوشيوس جامعة القديس يوسف مئات الطلاب تتراوح أعمارهم بين سبع سنوات وستين سنة، بعضهم طلاب من جامعة القديس يوسف والجامعات والمدارس المجاورة، وبعضهم تجار لبنانيون أو أجانب مقيمون في لبنان. ويقيم المعهد مسابقة “جسر اللغة الصينية” التي يشارك فيها عدد من الطلاب الذين يدرسون اللغة الصينية، ويمثّل الفائز لبنان في المسابقة النهائية التي تقام في الصين. ولا يقيم المعهد دورات في اللغة فقط، وإنما أيضاً في الطب التقليدي الصيني الذي يحظى بقبول واسع في لبنان.
يعتبر معهد كونفوشيوس بجامعة القديس يوسف أول معهد من نوعه في الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار يقول رئيس مجلس إدارة المعهد، الدكتور أنطوان حكيّم، إنّه تمّ اختيار معهد “كونفوشيوس” في جامعة القديس يوسف بين المعاهد العشرة المتميزة بنشاطاتها الثقافية في العالم في مؤتمر المعاهد في كانون الأول/ ديسمبر 2013 في بكين.
ثانياً: مركز اللغات والترجمة في الجامعة اللبنانية
تأسس مركز اللغات والترجمة عام 1996 وهو فرع من فروع كلية الآداب والعلوم الانسانية في الجامعة اللبنانية، ويضم المركز قسم خاص لتعليم اللغة الصينية.
وقعت الجامعة اللبنانية عدة اتفاقيات مع جامعات صينية لدعم تعليم اللغة الصينية، التي تعتبر من اللغات الست الأساسية المعترف بها عالمياً، وذلك بتشجيع من السفارة الصينية، واستقدمت لهذه الغاية أساتذة صينيين وأصبحت تعطي إجازة في هذه اللغة. كما تستقبل الجامعة اللبنانية طلاباً صينيّن في الجامعة لمتابعة دراساتهم في اللّغة العربيّة والعالم العربيّ. أماّ الأمر الملفت جدّاً هو إتقان بعض هؤلاء الطلاب اللّغة العربيّة الفصحى، فيما نشهد تراجع المستوى اللّغويّ عند طلّابنا النّاطقين باللّغة العربيّة.
بالإضافة إلى الجامعة اللبنانية، افتتحت جامعة طرابلس مركزاً لتعليم اللغة الصينية، وأضافت جامعات أخرى هذه المادة في مناهجها، كالجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية الأميركية والجامعة الأميركية للتكنولوجيا وجامعة الجنان، وأقامت بعض المعاهد دورات لتعليم اللغة الصينية ومنها معهد التعليم الأميركيّ في سنّ الفيل.
إضافة إلى ادخال اللغة الصينية في الجامعات وانشاء مراكز خاصة لتعليمها، ورغبة في تعزيز اللغة الصينية، عمل الجانبان اللبناني والصيني على القيام بنشاطات لدعم اللغتين العربية والصينية، فنظموا الملتقى اللبناني- الصيني للترجمة بين العربية والصينية في بكين عام 2016. وبسبب النجاح الذي حققه الملتقى، ورغبة كل من الصين ولبنان في توطيد العلاقات الصينية اللبنانية وتعزيز اللغتين الصينية والعربية، تقرر عقد المؤتمر الثاني للترجمة في لبنان العام 2017 بمشاركة نخبة من المترجمين الصينيين والعرب.
ومن ناحية اخرى تسعى وزارة الثقافة اللبنانية إلى دعم تعليم اللغة الصينية في لبنان، فقد أعلن وزير الثقافة اللبناني العمل على إقامة مركز ثقافي لتعليم اللغة الصينية يهدف إلى زيادة وجود الناطقين باللغة الصينية، وأشار بأن مركز تعليم اللغة الصينية والترجمة المزمع انشاؤه يختلف عن تدريب اللغة الصينية الجاري أكاديمياً.
إنّ العالم على يقين بأنّ الصين تترأس الدول الأكثر تقدّماً وتعتبر مصاحبتها الثقافيّة للعرب فرصةً ذهبيّةً. وفي هذا الإطار قال الكاتب سامر خير أحمد، صاحب كتاب “العرب ومستقبل الصّين”، إنّ على أمّة متأخّرة تبحث عن نهضة أن تقيم ترابطاً وثيقاً مع أمّة أخرى متقدّمة. وهنا يأتي دور لبنان في إنشاء مثل هذا الارتباط والاستفادة من الصين لما تمثله من قوة كبرى، ويخطو خطاها للنهوض من حالة الركود التي يعيشها علّ وعسى أن يصبح دولة متطورة في يوم من الأيام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.