موقع متخصص بالشؤون الصينية

لؤلؤة الشرق بشنغهاي.. تخطف أنظار وألباب زوارها

0


 

موقع الصين بعيون عربية ـ
سناء كليش*: 

 

شانغهاي العاصمة الاقتصادية لجمهورية الصين الشعبية، مدينة ليست تقليدية إطلاقاً،

ففي كل مواقعها ترى العَجب والعجائب على اختلافها، ومن أبرزها “برج لؤلؤة الشرق”، الذي يعدّ من أجمل المَعالم السياحية الصينية والعالمية، وأكثرها إثارة وجذباً، حيث يَقصده يوميا وفود هائلة من السياح، يُقدّر عددهم في بعض الأيام بأكثر من 25 ألف سائح محلي وأجنبي، من مختلف الأعمار ومن شتى الجنسيات.

“برج لؤلؤة الشرق” الشاهق والمُشيّد بتصميم مِعماري حديث، يخطف من الوهلة الأولى ألباب وأنظار كل مَن يحل بمدينة شنغهاي المترامية الأطراف والمساحات ليجذبهم نحوه كمغناطيس، ويبث فيهم حب استكشاف الأسرار والاطلاع على ما بداخله من ابداعات صينية فريدة.

فخلال زيارتي الى الصين في أواسط شهر آذار/ مارس 2018 ضمن وفد للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين، وبدعوة مشكورة من قيادة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، عاينت منذ وصولي أمام هذا “البرج” الشاهق، المُخيف بقامته واستقامته الجبارة، تهاطل وفود السياح الذين يتكلمون بمختلف اللغات، منذ الصباح، وكلهم حرص على نجاح مهمتهم في استكشاف أسراره والتعرف على كل أرجائه، بالرغم من أن تذكرة الدخول إليه تعدّ مرتفعة، حيث تصل إلى بضعة عشرات من الدولارات.

وقد اخترت ـ وأنا أتأمل هذا البرج ـ أن أشبّه “لؤلؤة الشرق” الشاهقة والمُختالة حقاً بجمالها وجاذبيتها بفتاة جميلة يافعة مليئة بالحيوية وتضج بالحياة ومباهجها، فترى الجميع مُنجذبين نحو مفاتنها وسحرها رغماً عنهم…

لؤلؤة الشرق هي برج بطول 468 متر، تقع على حافة شارع “ليجيازو” في حي “بودونغ”، وسط شنغهاي على جانب نهر “هوانغبو”، مباشرة أمام بوند شنغهاي. صممها “جيا تشينغ هوان”، باعتماد النمط المعماري الحديث، وقد انطلق بناؤها سنة 1991، ليكتمل سنة 1995.

وتصنف المراجع العالمية والصينية المُوثّقة والموثوقة، برج لؤلؤة الشرق بالصين أطول برج في آسيا، والثالث على مستوى العالم خلف برج “سي ان” في تورنتو (كندا)، وبرج “أوستانكينو” في موسكو العاصمة الروسية، وكان أيضاً أطول مبنى في الصين بين 1994 و2007 قبل أن يتجاوزه المركز المالي الدولي لشنغهاي.

هو أيضاً أحد أهم معالم الحداثية الصينية، إذ يَعرض عظمة الصين ورقي هندستها وتقنياتها وتقدمية علومها الدقيقة الناجحة. “البرج – الناطح” يَطل على ماء النهر، فترى السفن الكبرى نقاطاً صُغرى تمخر عبابه، لكن تبدو وكـأنها تتجمد في مكانها، فلكأن لا حياة فيها ولا حركة.

أذهلني برج اللؤلؤة حقاً بقامته الفارهة، وعلوّه الشاهق، وقوة ثباته في مكانه وجهوزيته العمرانية، وتحمله الضغوط من عوامل الطبيعة الأرضية والفضائية، لا سيّما وأنه يقع على حافة نهر مدينة شنغهاي الضخم، حيث السفن الكبرى والنقل البحري المتواصل والكثيف، والسياحة التي لا تهدأ، إلا أن التقنية الصينية ثبتت أعمدة البرج، وجذوره، عميقاً في باطن الأرض، بحيث يحتمل أنواء الطبيعة كافة، فيكون حامياً أكيداً لساكنيه وزواره.

ويتكون برج “لؤلؤة الشرق”، المجهز بمِصعد يتّسع لأكثر من خمسين فرداً، ويمكن من التنقل صُعوداً ونزولا بين المئات من الطوابق، من عدة أجزاء، منها المخصص للمطاعم الفخمة المنتشرة على طوابقه من الثاني إلى الخامس عشر، ومركز للتسوق العام، وفندق مكون من عشرات الغرف، كما يتوافر المَبنى على برج هوائي يبث عدة قنوات تلفزية وإذاعية.

وتحتضن قاعدة برج اللؤلؤة، المتحف التاريخي الذي افتتح في عام 1983 باسم معرض شنغهاي للتاريخ والآثار الثقافية، في المعرض الزراعي لشنغهاي ثم تم نقله لموقعه الجديد بالبرج. ويحتوي المعرض على خمسة أقسام، ويضم نحو 30 ألف قطعة، منها حوالي 18 ألف قطعة آثرية، ويوثق بمعروضاته من سيارات قديمة وحديثة، ومقاطع عمرانية من الحياة اليومية للمواطنين الصينيين والمستعمرين الأجانب لتاريخ الصين على مدار نحو مئة عام، أي منذ سنة 1843 م وحتى إعلان الدولة الاشتراكية الصينية في سنة 1949.

ويوجد بالبرج كذلك عدة قاعات وفضاءات مخصصة للألعاب، تجعلك تسبح في عالمٍ من الخيال، ومنها ما يعرف بـِ” وحدة الفضاء” و”غرفة المنطاد”، حيث يمكن القيام بأنشطة تتيح عيش تجربة انعدام الجاذبية إضافة الى فضاء رحلة الغابات/ والقطب الجنوبي/ ومسرح الليزر/ ومسرح “ديزني”/، لكن الأمتع من كل هذا هو أن الزائر إلى البرج يُمكنه زيارة كامل مدينة شنغهاي من خلال مناظير المراقبة ب 15 مرصد متطور يُقرّب المسافات.

ومن أكثر الفضاءات إثارة، الفضاء البلوري دائري الشكل، الذي يُتيح للزوار الفرصة للتمتع بإطلالة بانورامية على كامل مدينة شنغهاي، وبمشهد غير عادي، فما أن تطأ قدماك الأرضية الشفّافة، يختلجك الإحساس بأنك ستسقط إلى تحت لا محالة، وتقع في هوةٍ عميقة، فيمتلكك شعور مذهل بالرهبة والرعشة والخوف الشديد، قبل أن يتحوّل بعد لحظات معدودة إلى إحساس معاكس تماماً، إحساس جذّاب ومُثير ومبهج .. فتشعر بنصر.. وتشعر بقهر المستحيل!

فأنت تحلّق عالياً في كبد السماء كطير حر، وتخترق خلال فسحة من الوقت سماء المدينة عنوة، مُتحللاً من القيود والجاذبية الأرضية و”الموانع العلوية” وقوى الشد الإنسانية والطبيعية منها.

وإضافة إلى ذلك، تشعر وكأنك ترى البرج يَختال سابحاً “بحرفية” في الفضاء “فوق الأرضي”، حاملاً في جوفه البلوري ألوف الأشخاص المبتهجين بسحر المشهد، وحامياً إيّاهم من قوانين الطبيعة، التي تمكّن الصينيون من تليينها فتشكيلها على هواهم، وتوظيفها في طفرة تقنية تشهد على قوتهم وحيوية نظامهم وقدراتهم الجبارة وتطوراتهم الحضارية غير المسبوقة.

*#سناء #كليش: كاتبة وصحفية #تونسية ناشطة ومعروفة ومن المجموعة الأولى المؤسِّسة للاتحاد الدولي للصُحفيين والكتّاب العرب أصدقاء #الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.