موقع متخصص بالشؤون الصينية

كيم بضيافة شي: علاقة الصين وكوريا الديموقراطية تؤسس للسلام في شرق آسيا

0

موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:

استلمت الصين الأسبوع الماضي من كوريا الجنوبية المزيد من رفات جنودها الذين قُتلوا إلى جانب قوات كوريا الشمالية في الحرب الكورية التي دارت في أوائل خمسينات القرن الماضي.
حملت هذه الخطوة الكثير من المعاني الرمزية، فهي تذكّر بالدور الكبير الذي لعبته الصين في تلك الحرب الكبرى التي شهدتها شبه الجزيرة الكورية والتي راح ضحيتها الملايين من الأشخاص، وثبّت خلالها الحضور الصيني معادلة منع الولايات المتحدة من السيطرة على المنطقة واختراق آسيا من خلالها. كما تشير بالمقابل إلى المزيد من الانفراج الذي تشهده العلاقات بين أطراف القضية الكورية.
كما جاءت هذه الخطوة متزامنة مع خطوة أكثر أهمية تمثلت بالزيارة التاريخية التي قام بها زعيم كوريا الديموقراطية كيم جون وون إلى بكين في زيارة غير رسمية، ولكنها هامة ولافتة، جرى خلالها استقباله بأعلى مظاهر الترحيب والاحترام من قبل القيادة الصينية، وعلى رأسها زعيم الصين شي جين بينغ.
لقد مثّلت هذه التطورات علامات فارقة في مسار الوضع في شرق آسيا، والذي كان حتى أشهر خلت ينذر بانفجار أزمة كبرى في المنطقة، تمتدّ آثارها السلبية على الكرة الأرضية برمّتها.
لقد دشّنت القيادة في كوريا الديموقراطية (الشمالية) هذه السلسلة من التطورات الإيجابية من خلال خطوات تصالحية بسيطة ـ ولكن رمزية ـ مع شقيقتها العدو كوريا الجنوبية، كانت ذروتها في حضور وفد رياضي كوري شمالي من الحجم الكبير المونديال الشتوي الذي جرى في الجنوب، ومن ثم استقبال الزعيم كيم جونغ وون لمسؤول الأمن القومي في سيول، ما جعل الأعصاب المشدودة تشهد حالة من الارتخاء والهدوء خلال الأشهر الأولى من هذا العام.
وارتقى مستوى الارتياح إلى حد التحضير لقمة كورية شمالية ـ جنوبية خلال هذا الشهر في قرية الهدنة على الحدود بين البلدين، ما يعني أن الخطوات الشمالية تتلاقى مع خطوات جنوبية إيجابية، لا سيما مع وجود الرئيس مون جاي إن على رأس السلطة في الجنوب، وهو الرئيس المعروف باعتداله واتجاهه نحو الدبلوماسية والتفاوض في علاقاته مع الشمال.
ومع زيارة الزعيم كيم إلى بكين، واستقباله بهذه الحفاوة الظاهرة والمميزة، يأتي الحديث الأهم عن التحضير لقمة كورية شمالية ـ أميركية في شهر أيار/ مايو المقبل، ما يمثّل خطوة متقدمة جداً على طريق تحويل تهديد الأزمة الكورية للسلام العالمي إلى فرصة لتعزيز هذا السلام ونقل تأثيراته الإيجابية على أنحاء أخرى من العالم.
إلا أن هذه الصورة الوردية التي بدأت ترتسم في الفترة الماضية، ما زالت رهينة السياسة التي تقرر الإدارة الأميركية السير فيها، بحيث أن ما تقوم به الولايات المتحدة هو الذي يحوّل كل هذه الأجواء الإيجابية إلى واقع ملموس على الأرض، أو يبقيه في إطار الأوهام التي يمكن أن تتبدد في أي لحظة.
فإدارة الرئيس ترامب صعّدت كثيراً في الماضي تجاه كوريا الديموقراطية، وكادت الأمور تصل إلى حد اندلاع حرب حقيقية في المنطقة، لولا ثبات القيادة الكورية في مواجهة التهويل الأميركي، والدور التبريدي المؤثر الذي لعبته الصين والذي استند على قاعدتي التحذير من مخاطر الحرب والدعوة إلى إيجاد حل يناسب كل الأطراف، يقوم على نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية مقابل تخلي الولايات المتحدة عن عسكرة المنطقة.

وقد عبّر الرئيس الصيني شي جين بينغ عن الموقف الصيني مما يحصل من تطورات خلال لقائه الزعيم الكوري الديموقراطي كيم جونغ وون حيث قال “إن تغييرات إيجابية حدثت في شبه الجزيرة الكورية منذ بداية هذا العام، وإن الصين تقدر الجهود الهامة التي بذلتها جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية”.
وحدّد شي خطوط الموقف الصيني بالتأكيد على “أن الصين تتمسك بهدف نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة، والحفاظ على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة وحل المشاكل من خلال الحوار والتشاور”.
ووجّه شي الدعوة إلى جميع الأطراف إلى دعم تحسين العلاقات بين الكوريتين، وبذل جهود ملموسة لتسهيل محادثات السلام، مشيرا إلى أن الصين ستواصل لعب دور بناء في هذه القضية والعمل مع جميع الأطراف، بما في ذلك جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، من أجل تخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة.
واليوم، ومع الحديث عن قمة أميركية ـ كورية ديموقراطية في المستقبل القريب، فإن وسائل الإعلام الصينية، ومن خلفها كبار المحللين الصينيين، يصرّون على التأكيد بأن كوريا الديموقراطية رمت طابة السلام في الملعب الأميركي، وأن الخطوة التالية يجب أن تكون أميركية من أجل ترسيخ السلام في المنطقة.
وفي هذا الإطار رأت صحيفة غلوبال تايمز شبه الرسمية في افتتاحيتها يوم الأحد الماضي أن “المصالحة التي تم تحقيقها يجب الآن أن يتم تربيتها ورعايتها. وفي هذا المنعطف الحرج، يجب على جميع الأطراف المعنية الامتناع عن القيام أو قول أي شيء قد يكسر ما هو محتمل حدوثه من انفراج هش، بالنظر إلى الشكوك وعدم الثقة التي سادت في الماضي. وسوف يتعين تهدئة هذه الأمور إذا كانت الفرص التي يتيحها الحوار هي تقديم أي شيء جوهري”.
وبالطبع، فإن هذا الكلام موجه بشكل مباشر إلى عملية تشديد العقوبات من قبل الولايات المتحدة على كوريا الديموقراطية والتي حصلت الأسبوع الماضي، وكأن الصين تحذّر الولايات المتحدة من اللعب بالنار، ومن تقويض فرص السلام عبر تصرفاتها غير الموزونة والمتناقضة، لأن مساوئ هذه الخطوات الأميركية غير المسؤولة ستنعكس على كل الأطراف دون استثناء.
غزل ودّي دافئ تبادله القائدان الصيني والكوري الديموقراطي خلال زيارة الأخير إلى بكين، وحديث عن علاقات عميقة ومتجذرة يجب أن تورّث إلى الأجيال المقبلة، وهي إشارات يجب أن تلتقطها الولايات المتحدة بقوة، لأنها تعني أن بكين لا يمكن أن تتخلى عن بيونغ يانغ مهما حصل من خلافات تكتيكية بينهما، فكوريا الديموقراطية هي صديقة الصين، وهي درعها في مواجهة الاختراق الأميركي لآسيا، وهي تقع في المجال الحيوي الذي لا يمكن أن تتخلى الصين عنه مهما كان الثمن، فهل تفهم واشنطن هذه الإشارات؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.