موقع متخصص بالشؤون الصينية

قويتشو السحر والجمال والبناء والسلام

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
بهاء مانع شياع
:*

تُعتبر مقاطعة قويتشو الصينية واحدة من أجمل وأحلى المقاطعات والمناطق الصينية وأكثرها جذباً لسياحات متعددة، منها الطبيعية والبيئية والريفية وسياحة الغابات. إلى ذلك تعدُ منطقة مثالية لدراسة الأوضاع القومية في الصين ونجاح سياسة الحزب الشيوعي الصيني الذكية فيها، وبخاصة لجهة تناغم المجتمعات المختلفة بلغاتها وتقاليدها العديدة، واجتماع الجميع حول الوطنية الاشتراكية الصينية.

تقع مقاطعة قويتشو في جنوب غرب الصين، وتُعدُ واحدة من أكبر المقاطعات التي ما زالت قيد التنمية والتحديث والتطوير في طريق الازدهار وفقاً للاشتراكية بألوان صينية في العصر الحديث، إذ تبلغ مساحتها نحو (١٧٦٬١٦٧) ألف كيلومتر مربع، وعدد ساكنيها الدائميين بحسب المراجع الرسمية الصينيةإ ما قبل سنتين، أكثر من 35 مليون نسمة (وإلى 42مليوناً حالياً بحسب مراجع إعلامية مختلفة)، وتضم أكثر من 18 ألف قرية جبلية، تصنّف 426 منها على إنها “تجمعات فريدة التقاليد”.

(الصور للزميل فيصل ناصيف)

قوييانغ (Guìyáng) هي عاصمة المقاطعة، وهي مدينة قديمة جداً وعريقة، وتشير صفحات التاريخ إلى بنائها في العام 1283 قبل الميلاد، في فترة حكم مملكة يوان. تتميز قوييانغ بجَمالها الفائق، وقمم جبالها التي صنعتها الطبيعة من الحجر الجيري اللامع، ولهذا اعتبرت إحدى مواقع التراث العالمي، المُدرجة على قوائم منظمة اليونسكو.

واستناداً إلى وكالة الانباء الصينية الرسمية “شينخوا”، فإن الخطط المعلنة لمقاطعة قويتشو غير الساحلية، ترى تفعيل استخدام السياحة بأشكالها المختلفة، لانتشال ما لا يقل عن مليون فرد ونيف من قاطنيها من الفقر حتى سنة 2020 .

وترى حكومة المقاطعة في خطتها السياحية أنها تهدف لجذب المزيد من زائري المعالم السياحية والمتنزهين إلى سلاسلها الجبلية والمجتمعات العرقية المحلية، بفضل ما توفره شبكة القطارات الصينية فائقة السرعة والطرق السريعة والخطوط الجوية.

وتشير خطة التطوير التي بدأت قبل ثلاث سنين، إلى عزم المقاطعة على إطلاق 20 طريقاً محلياً، تضم أشهر 100مقصد فيها، و100 مسار للمتجولين ومتسلقي الجبال، و1000 قرية تتميز بتراث عرقي ونمط حياة فريدين. وتأمل المقاطعة أيضاً في جذب سكان المدن والسياح لـ “ضيافة المزارع” من خلال أنشطة الزراعة وحصاد الحبوب والفواكه والخضراوات، وتذوّق المنتجات الزراعية والإقامة في أماكن ريفية فريدة من نوعها .

ومن المتوقع والمخطط له بحلول 2020، أن ما لا يقل عن 1000 قرية من قرى المحافظة ستندرج ضمن المقاصد الرئيسية وتأخذ حياة سكانها بالازدهار، ووفقاً للخطة الصادرة حكومياً، سيتحقق دخل الأنشطةِ المنفعةَ لسكان المناطق الريفية أفراداً وعائلات.

وفي مجمل الخطط التنموية لمقاطعة قويتشو، النهوض الريفي الشامل للتخفيف من حدة الفقر، وتشجيع التصنيع الفاعل، وربط المزارعين بالأسواق الحضرية والمدن الكبيرة في المقاطعة وما يجاورها من مناطق، للتخفيف من حجم الأموال التي تخصص لنقل المنتجات والسلع إلى أماكن بعيدة، ولخلق سوق محلي يحل محل الأسواق الوطنية البعيدة، بحيث تتوقف حاجات مواطني المقاطعة للانتقال إلى مسافات أُخرى بعيدة لتحسين مداخيلهم.

تضم المقاطعة عدداً من المدن الجميلة ذات الطبيعة الخلابة بجبالها وأشجارها، وتتعايش فيها عشرات القوميات والأقوام، ومنها قومية “هان” الصينية الرئيسية، بالإضافة إلى قوميات “مياو”، و”بويي” و”دونغ تشيانغ” و”توجيا” و”شويه” و”جه لاو”، وهي تحتفظ بمسمياتها لنفسها دون خوضها في عملية تنافس أو تنابذ فيما بينها، من منطلق تساويها في المواطنة والعمل والكفاح في الحياة، وقد كرّست جُل اهتمامها بوطنها الجامع، الصين، والعمل والإنتاج النافع، ولا تختلف كل واحدة من هذه القوميات عن القوميات الاخرى سوى بزيّها الرسمي، عاداتها وتقاليدها، وقد لمسنا هذا عن كثب، لا سيّما من خلال تجوال وفدنا الاتحادي الدولي في المواقع السكانية وأماكن العمل، واستماعنا إلى الشروحات أيضاً والتي قدّمها إلينا المرافقون الرسميون والمحليون الحزبيون والاجتماعيون.

وهناك في تلك المنطقة البعيدة عن العاصمة بكين  يُمارس أبناء القوميات المختلفة مهناً متعددة، كالزراعة والصناعة والحِرف السياحية وغيرها، والأهم هنا الإشارة إلى أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني قد نجحت نجاحاً باهراً في زرع بذور التآخي فيما بين تلك القوميات والأقوام، بترسيخ فكرة وممارسة المساواة في المواطنة والحقوق، ونجح الحزب في ذلك أيّما نجاح، و كرّس بالتالي جُل اهتمامه لترسيخ المساواة بين تلك المكونات الاجتماعية القومية، وبدا ذلك جلياً من خلال الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي أبدعت في تطبيق السياسة القومية ضمن الوطنية الصينية والأممية الانسانية.

عند وصول وفدنا الاتحادي (الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين وحلفاؤها) إلى تلك المنطقة ليلاً، تطلعنا بفارغ الصبر إلى بزوغ الفجر وحلول النهار لنشهد على ذلك التقدم في المقاطعة ألتي كانت تعتبر من المقاطعات الفقيرة، والتي أنهضها الحزب الشيوعي حديثاً، فكانت المفاجأة شوارع عريضة ونظيفة جداً ومساحات خضراء فقط، وبنايات شاهقة قيد الإنشاء لا يمكن إحصاؤها، تعانق سحب السماء، وتحيط بها رافعات البناء العملاقة لتواصل نهضة عمرانية هائلة خططت لها قيادة الحزب الشيوعي الصيني والمسؤولين في المقاطعة، ضمن مهامهم الاستراتيجية بجعل المنطقة مِثالية وجاذبة للسياحة والأعمال، برغم بُعدها عن المركز السياسي والاقتصادي الصيني.

وعند توجّهنا لزيارة مدينة تشوننغ لمعرفة الحضارة القومية والقضاء على الفقر وسياسة الحزب الشيوعي الباني والدولة تجاه الأقليات القومية، مررنا على أكبر جسر في العالم، والذي يبلغ طوله2171 متراً، والمشيّد من الحَجر الجيري، فصار مَعلمُهُ تحفة معمارية، تدل على التقدم في البناء والعمران الصيني.

من الضروري الإشارة هنا إلى أن مقاطعة قويتشو تتميز بسبعة من أعلى عشرة جسور في البلاد الصينية الواسعة. ويُضاف إلى صفوفها “جسر بي بان جيانغ”، الذي يُعدُ الآن “أعلى” جسر في العالم، وهو أحدث مِثال على الهندسية الصينية المتطورة التي باتت من بين الأفضل في العالم على الإطلاق.

وهناك جرى لنا استقبال حافل وكبير له مَعنى عظيم لعلاقات إتحادنا الدولي بالقيادة السياسة الصينية، ويَدل على أن هناك شعباً مِضيافاً يحب السلام والصداقة الدولية، وينشدّ لها، فكان طلبة المدارس ينشدون ويرقصون فرحاً بمقدمنا، بالإضافة إلى عزف مقطوعات موسيقة من فرقة موسيقية تراثية تغنّت لنا طرباً، فطوبى لهم في قويتشو لهذه الروحية الرفيعة وسموّها.

وفي معمل النسيج اليدوي، وهو ضخم، وهو أحد مشاريع مكافحة الفقر التي اختطها الرفيق الامين العام الحكيم شي جين بينغ، ضمن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، مكائن يدوية يديرها نساء ورجال محليون طاعنون في السن وشباب من الجنسين، وهم ينسجون وينتجون الأقمشة والملابس يدوياً وبدقة عالية، فكانت قمة في الروعة في التصميم العصري المُستوحى من الطبيعة، وما عمل كبار السن هناك سوى لتطبيق هدفين ساميين رئيسيين (غير الأهداف الثانوية الاخرى)، الأول هو إعلاء قيمة العمل وضرورته وأبعاده، والثاني القضاء على الفقر وتوفير العيش الرغيد للمحليين نساءً ورجالاً وعائلات.

لقد شاهدنا هناك كذلك، جنّة فسيحة من جنان الأرض، إنها الحديقة الوطنية المكتظة بالزائرين والسياح من كل حدب وصوب.. أشجار تعانق السماء وتبث العطريات، وأزهار تسر الناظرين، وأسماك ملونة أبدع الخالق في خلقها، وبرغم شساعة مساحة هذه الجنّة، إلا إننا لم نشعر بتعب المسير والتجوال، وذلك لنقاء الهواء فيها، ولضخامة شلال هوانغو هيوشو المُبهر وارتفاعه 67 متراً، وعرضه83 متراً .

وفي منطقة الجبال في قويتشو شهدنا على جمالية آخّاذة للحديقة الوطنية.. إنها منطقة الراسيات والغابات المترامية الأطراف.. هواؤها بارد محتمل ونقي، وأشجارها غاية في التنوع والكثافة، وجبالها متلاصقة وشاهقة حيث يسكن أرضها المنبسطة فلاحون لم يتركوا فسحة في الأرض إلا وقد زرعوها وأنبتوها خُضرة وأثماراً.. هناك ترى اللون الأخضر على امتداد البصر، وكأن لا نهاية له.. تلك هي مقاطعة قويتشو جنّة في الأرض وأرض السلام والبناء والعمل وكرامة الانسان المضمونة، والذي تَحيا بمشاريع حيوية من قيادة الحزب الباني وتوجيهات سديدة من الرفيق شي جين بينغ، المخلص لبلاده واقعاً راهناً زاهراً ومستقبلاً مُبشِّراً بجنان متزايدة.

*بهاء مانع شياع:  رئيس (المجموعة الرئاسية العراقية الاولى – الأول من أُكتوبر-2016 الذكرى 67 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية) للفرع العراقي للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (حُلفاء) الصين، ورئيس منتديات مستمعي الاذاعة الصينيةCRI ومجلتها “مرافئ الصداقة”، ومجلة “الصين اليوم” العربية، وكاتب وصحفي ومحرر صحفي في جريدة الاضواء المستقلة ووكالة الاضواء الاخبارية، وعضو في نقابة الصحفيين العراقيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.