موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين أهدتني أفكاراً..!

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
فيصل ناصيف عبدالرحمن صالح*
:

في زيارتي الى جمهورية الصين الشعبية بدعوة تقدّمت بها إدارة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين، والتي انتهت قبل أيام قليلة، طفحت جعبتي العقلية بالكثير من الافكار الملاح حول مسائل التطور الاقتصادي والاجتماعي والسلوك السياسي الحكومي والشعبي، الذي قدّم للشعب الصيني نجاحات متواصلة رفعت من شأنه عالياً، لينضم الى أسرة الامم المتحضرة التي تعطي للحياة معنىً مغايراً لما تعطيه حياة البلدان البائسة لشعوبٍ تتمسك بالثرى دون الثريا!

في الزيارة التي استمرت عشرة أيام استمعنا نحن وفد “الاتحاد الدولي” الى عددٍ من السادة المحاضرين والسيدات المحاضرات ساعات طويلة، تناولت شؤون وشجون الصين وشعبها المُبدع، في الفكر والسياسة والاقتصاد والتكنولوجيا النوعية والتسيير الذاتي وسياسة القوميات المتناغمة في مجتمع المساواة بين المكونات السوسيولوجية والعلاقات الدولية، وغيرها الكثير الذي يَمتد الى علاقات الدولة بالافراد ورعايتهم وضمان شؤونهم على اختلافها، الى الحوكمة والعدالة وتطبيقاتها الى غير ذلك من الشؤون التي لا تخطر على بال، حيث تفهّمنا الاوضاع الصينية وإطلعنا على مسببات التقدم والازدهار الدولة والشعب ودور الحزب المحوري والرائد في هذه المناحي.

في واحدة من تلك الافكار التي استمعت إليها وتوقفت عند حدودها ملياً، وما زالت تشغل عقلي ومحاكمتي لها، هي جملة الأسباب التي أفضت الى ذلك التقدم الصيني المذهل في كل المجالات، والاهم بينها هو التقدم الانساني والعقلي الذي أوصل الدولة وشعبها الى هذا الصرح الصيني الكبير، الذي بدأ ينافس الاقتصادات التقليدية والبلدان الغربية التي طالما أكدت أنها سيّدة الكون واقتصاده واختراعاته وفتوحاته وضامنةً وجوده وحياته!

لقد تيقّنت في زيارتي الى الصين أن الوعي الجمعي هو الأساس وله المكانة الرئيسة في أولى أبجديات التقدم والنماء، فبدونه لا تقدم ولا نماء ولا سعادة، لكن تقديم الاسباب المُفضية الى هذا الوعي لمجموع الشعب يتطلب جهداً كبيراً وسياسة حكيمة، والاهم تمهيداً رئاسياً يجعل الشعب يتقبله ليتخلص من أسار الماضي وقيوده التي تكبّل التطور وتبقي البشر على قارعة الطريق ينظرون الى تحت وليس الى فوق.

رأيت في بلاد التنين كيف تطورت الصين الى دولة الافكار بلا قيود.. الافكار التي لا تنتهي وتطبيقاتها المتلاحقة دون انقطاع، فهناك لا ينقطع حبل الافكار والإبداع وثبات ورشاد دولة القانون.. ودولة الانضباط ودولة الخير والحق العام وشرعة القانونين الانساني والمدني، والحوكمة، والضبط الشامل، وتحمل المسؤولية الحكومية والاجتماعية والفردية، فالافكار استحالت هناك الى واقع ملموس وازدهار حياتي ارتقى بقيمة الشعب الصيني بكل قومياته، وبقيمة الدولة التي غدت دولة الانسان التي اذابت الفوارق لصالح المكاسب للجميع فرضي الجميع، وأطلقوا على ذلك النجاح الباهر مصطلح “إشتراكية بألوان صينية”، وهذه الاشتراكية تحوّلت سنة بعد اخرى الى قيمة دولية، وقيمة فكرية عالمية، وقيمة إنسانية لمليارات البشر الذين باتوا يتوقون الى الاستزادة منها والأخذ من أساسياتها وركائزها لتطوير حياتهم ومجتمعاتهم دونما المرور بنقلة تطورية حضارية طويلة زمنياً، فقصُرت المسافات بفضل هذه الاشتراكية الصينية التي تعني في أبسط تجلياتها: المشاركة الجماعية والخير العام والعالمي لمن يأخذ بها ضمن واقعه المُعاش.

الصين – عالم الإبداع في الفكر وتحويلات المادة، وقد تمكّنت الدولة من تخليق شعب مُنتج ومُنضبط، يرى في الاشياء وسيلة الى السمو، وليس هدفاً بحد ذاتها. فعندما انتصر عالم الافكار في شعب عريق، تحّول الفكر الى علاقات مُنتجة ونهضة من خلال الايمان بها وبتفعيلاتها على صعيد المجتمع بأفراده الذين يتميزون بالعمل وإعلاء قيمته، بفضل التربية التي دأب الحزب على زرعها في شعبه حتى غدت تربة صالحة تنمو عبر الزمن بلا توقف.

لا أرى ان الإشادة بالمجتمع الصيني هي بالضرورة إشادة بسياقات مادية بحت، أقصد بناء المصانع والمعامل والمزارع وما إليها، فالأصل في الدولة والانسان ان تكون الدولة هي “دولة الانسان”، والانسان أن يكون “انسان الدولة”، حتى يتمكن الجميع من إرساء التناغم فالابداع الشامل فكراً ومجتمعاً وثقافة. فالبناء الحضاري يعني بالضرورة والمكانة الاولى أعلاء قيمة العقل الذي هو الأساس في كل شيىء، أضفة الى ترافقه بالمنطق، وليس إعلاء قيمة الاشياء المصنوعة إنسانياً، وإن كانت هذه نتاجاً مُبدعاً للعقل والفكر، وهي نظرة نحتاج الى إدراكها في عالمنا العربي الذي ما زال في طور النماء ويتطلع شعبه الى تجارب الآخرين الحضارية لنقل ما يتواءم وواقعه لتسريع عملية الأنسنة الاجتماعية والحضرنة وسيادة القانون ودولته نصّاً وروحاً.

في الصين رأيت ما لم أحلم به. هناك فكرت طويلاً وملياً في عالم الانسان والأشياء، وأنا اليوم على يقين تام بضرورة الاستفادة من التجربة الاشتراكية الصينية في العالم العربي، لاختصار زمن التطور والعقلنة، ولتقصير المسافات الحضارية، بل للعمل على  ردم الهوّة الحضارية العميقة المُتكوّنة ما بيننا وعالم الصين وغير الصين.

*#فيصل_ناصيف_عبدالرحمن صالح: خبير #تصوير محترف ومصوّر إعلامي مُعتمد وخاص بالإتحاد #الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب #العَرب أصدقاء  (وحُلفاء) #الصين، وكاتب، ومتخصص بفنون #نباتات الـ”#بونساي” والبيئة والانسان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.