موقع متخصص بالشؤون الصينية

في بكين مَشياً على الأحلام!

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
تسنيم الفرا*:

كانت زيارتي إلى بكين، عاصمة جمهورية الصين الشعبية وأكبر المدن فيها، تاريخية بحق، فوجب تأريخها في مذكراتي ومقالاتي، فهي الأولى التي أقوم بها إلى الصين وعاصمتها الجميلة، التي تُعتبر قلب صناعة السياسة والاقتصاد والثقافة والعلوم والتعليم وما إليها، وهي أيضاً محور خطوط المواصلات البرية والجوية والحديدية هناك.

قبل الشروع بحديثي عن مشاهداتي البكينية، أود تناول بعض التوجّهات الرسمية تجاه العاصمة شؤوناً وشجوناً.

تعتبر بكين الحاضنة الرئيسية للقمم العالمية وبخاصة تلك المخصصة لبحث مبادرة “الحزام والطريق” الطموحة، والتي كان قد أُعلن عنها للمرة الأولى في عام 2013، حيث تحمل إسم “حزام واحد وطريق واحد”، وتتضمن إنفاق الصين نحو150 مليار دولار “سنوياً” في الدول الـ68 التي وافقت على المشاركة في المبادرة، التي تعمل على إنشاء بُنية تحتية دولية تضمن سهولة وصولها إلى مختلف القارات القديمة في المرحلة الأولى منها.

كما وتعتبر بكين منبراً دولياً لمختلف الفعاليات التي تعمل على وضع مستقبل آمن للعالم، يضمن توفير الموارد الطبيعية والطاقة الإنتاجية والنشاط التجاري والاستثمارات لمختلف البلدان بدعم صيني سياسي ومالي وإعلامي ومعنوي.

في أيار/ مايو السنة الماضية 2017، أعلنت سلطات بلدية بكين موافقتها على الخطة العامة لتنمية العاصمة، الممتدة من عام 2016 حتى عام 2030. وخضعت هذه الخطة لمناقشات في لجنة الحزب الشيوعي الصيني لبلدية بكين، في جلسة عامة، ووافقت على تقديمها للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ومجلس الدولة الصيني (مجلس الوزراء)، للموافقة عليها.

وبلغني بحسب جريدة “الشعب” الصينية، التي تنطق باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أن هذه الخطة تركّز على مواضيع مثل، “أي نوع من العواصم يَجب أن تُبنى بكين؟”؛ و”كيف تُبنى العاصمة؟”، وتعتمد على تحديد هيكل التنمية الأساسية والأهداف والمهام والسياسات والتدابير، فضلاً عن خطط لتحقيق التنمية المستدامة للمدينة.

وتستطرد “الشعب” بالقول: وتضع الخطة حدوداً لتنمية السكان والمدينة، بينما تتعهد بإدراج تطوير منطقة شيونغان الجديدة كجزء من “الأعمال” في بكين، كما تهدف إلى حماية التاريخ والثقافة في العاصمة، مع تحسين الخدمات العامة لجعل الحياة أفضل لعامة الناس والسيّاح الأجانب.

إذاً، سلطات الحزب والدولة في الصين تعمل بتكاتف وجهود مشتركة في سبيل إبراز بكين عاصمة لكل ما هو  نافع للحضارة الصينية والعالمية، لذلك تصر القيادة الصينية على تبنّي بكين لمختلف الأنشطة الدولية التي تساهم في تطبيق سلام العالم وتفعيله، ولنقل الخطط الدولية في هذا المجال الرئيس إلى واقع ملموس، “بسرعة البرق”!، استناداً الى المِحفظة المالية الفلكية التي تتمتع بها الصين وتبحث لها عن مسارب فعلية لإنفاقها الأجدر والأنفع، والذي يعود بالفوائد ضمن معادلة “رابح – رابح” على كل الدول والأمم والشعوب، صغيرها وكبيرها على حد سواء.

وبكين كما رأيت، برغم أنها عاصمة كبيرة لدولة كبيرة وعظيمة، إلا أن سلوكيات مواطنيها لا تندرج ضمن السلوكيات والأنماط الغربية التي لم تتمكن من غزوها وتغريبها، فلم أرَ فيها أية تحركات مشابهة للغربية، ولا قفزات تائهة للشبيبة، التي تبدو منضبطة إلى حد كبير نهاراً وليلاً بسبب التربية الصحيحة وبث الانضباط الذي يمارسه الحزب وتمارسه الدولة في صفوفهم، ما يؤكد أن الحضارة الصينية أعظم وأعمق من الغربية، و”تفعل فِعلها” فيهم وبكل المواطنين الآخرين، الذين يحتكمون إليها وإلى الجيل الطاعن بالسن، ويحترم صِغارهم كبارهم، ورجالهم نساءهم، أما الاطفال فهم “طبقة” مفضلة”.

ومن أبرز ما رأيته وشدَّ انتباهي في تلك المدينة الشهيرة التي ارتحلت إليها بدعوة وجهت إليّ ضمن الدعوة الجماعية التي وصلت إلى “الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين” الذي أفخر بالعضوية فيه، تلك المَباني الحديثة والعصرية، والطرقات السريعة المتقاطعة وتلك الدائرية، والجسور العالية وبعضها جسور بعدة طوابق، والأبراج التي تحلّق في سماءاتها وتعانق النجوم، والنظافة المطلقة، والإتقان التام لكل الأعمال، وترتيب الطرقات والشوارع والأماكن العامة، التي تكتسب حُلّة جميلة تنمُ عن اهتمام مخطط من جانب الحكومة وبمتابعة من الشعب لقيمة الجمال هناك، والمحافظة عليه قانوناً ومن خلال القانوني الانساني والأخلاقي لطرفي المعادلة الوطنية: الشعب والدولة، اللذين يُشكّلان القيمة الكبرى لكل عملية هندسية وجمالية ووطنية. والملاحظ هناك، أن الشعب حريص كل الحرص على اعتبار الشارع مَسكناً له وانعكاساً لشخصيته المخلصة لوطنه، فكل مواطن صيني يعتبر نفسه وعاءً للأخلاق ومُعلّماً له وحامياً لمبادئه، وشرطياً في الوقت نفسه يحمي القانون وينفذه بحذافيره.

في بكين تتزّين الشوارع بالنظام العام، الذي يوحّد الجميع، فيجعلك تشعر بأنهم شعب جسد واحد ذا سلوك واحد.

في أثناء الرحلة قمنا بزيارة منطقة تشونغ قوان تسون، وهي من المناطق الأكثر كثافة من ناحية موارد الذكاء والعلوم والتكنولوجيا في الصين, وتتواجد فيها أكثر من 2000 شركة، معظمها ذات أصول أجنبية، كما أنها تستحوذ لوحدها على نصف عدد أجهزة البحوث والتطوير التي تشغلها الشركات الأجنبية.

وكانت فرصة رائعة لم تفوتها للاستمتاع بعروض ال “كونغ فو” الصينية، ولا سيّما أنه تم عرضها على المسرح الأحمر في بكين.  ف “الكونغ فو” كان في طليعة العروض الطبيعية التي يقوم بأدائها العارض الشامل، بهدف تقديم سرد لتعاليمها من خلال مزج ال “كونغ فو” بالرقص الحديث. وتدور أفكار العرض حول طفل راهب، اكتشف هويته عبر الإغراءات التي يواجهها في رحلته ليصبح رئيس دير رهبان للمعبد.

وقد أنهينا رحلتنا في بكين بزيارة إذاعة الصين الدولية وقسمها العربي والتقينا مديرته  الفذة التي تتقن العربية قراءة وكتابة وحديثاً، السيدة تساي جينغ لي – سميرة المحترمة، التي تحدثت لنا عن الإذاعة وتاريخها، سوياً مع رئيس الاتحاد الدولي الزميل مروان سوداح الذي ترأس الوفد الاتحادي، وهو يشغل كذلك رئيس منتدى مستمعي الإذاعة الصينية بالاردن، ورئيس إتحاد منتدياتها في الدول العربية التابع للإذاعة الصينية والإتحاد الدولي، ويواصل الزميل سوداح صِلاته بالاذاعة منذ نحو خمسين سنة، حين كان وقتها مؤسساً في خضم دراسته المدرسية لنادي مستمعين لهذه الإذاعة بالاردن.

تقول المراجع الرسمية الصينية، إن القسم العربي الذي احتفل بذكراه الستين هو من أهم أقسام إذاعة الصين الدولية، وبدأ بثه الإذاعي بصورة رسمية لأول مرة في ال3 من تشرين الثاني/ نوفمبرعام 1957 تحت رعاية رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك “شو إن لاي”، ليقدم خدمته الإذاعية الموجهة إلى الدول العربية بشكل عام. وإلى جانب ذلك لقد غطت تردداته بعض الدول غير العربية في إفريقيا وغرب آسيا وأوروبا. في عام 1958 أطلق القسم العربي باذاعة الصين الدولية أول برنامج له تحت عنوان “أيها الإخوة العرب نؤيدكم”، وشهد القسم تقدماً كبيراً من حيث عدد ساعات البث ومضامين البرامج، إذ إن برامجه العربية كانت في البداية تُبث مرتين يومياً، وفي كل مرة لمدة نصف ساعة. وفي عام 1959 بدأ بثه مرتين يومياً لمدة ساعة واحدة كل مرة، وتوسعت مضامين البرمجة في المقابل. وفي عام 1981 ازدادت ساعات البث إلى ثلاث ساعات يومياً.

يقول الزميل الشهير اسامة مختار، سفير “الاتحاد الدولي” في الصين والخبير الاعلامي المعروف عربياً في الاذاعة الصينية وغيرها من وسائل الاعلام الصينية، إن القسم العربي للإذاعة، يبث حالياً برامجه يومياً لمدة  84 ساعة، مقارنة مع نصف ساعة يومياً في بداية البث، كما توسّعت وسائل بثه من الموجات القصيرة فقط إلى الموجات القصيرة والمتوسطة والأقمار الصناعية وموجات FM ووسائل الإعلام الجديدة. ويضيف مختار، أن برامج القسم العربي شهدت تنوعاَ متزايداَ وتطورت من البرامج الإخبارية فقط، إلى البرامج الإخبارية والثقافية والاجتماعية والسياحية والاقتصادية وغيرها من البرامج، ويعمل القسم العربي على توسيع وسائله بشكل مستمر حيث يقوم بإنتاج مقاطع الفيديو لنشرها على موقعي إذاعة الصين الدولية و”تشاينا دوت كوم”، وغيرهما من منصّات الإعلام الجديدة، ووسائل التواصل الاجتماعي المتمثلة في  (التويتر والفيسبوك).

وينوّه مختار كذلك إلى أن نحو 30 موظفاً صينياً يعملون حالياً في القسم العربي بإذاعة الصين الدولية، إضافة إلى 5 خبراء أجانب (من السودان، موريتانيا، الجزائرومصر)، وفي سنوات سابقة عمل بالقسم خبراء من (فلسطين، سوريا، العراق واليمن)، وتعمل الإذاعة الآن لتوسيع نطاق تعاونها ليشمل عدداً من البلدان العربية الأخرى.

ويؤكد الزميل اسامة مختار، أن القسم العربي لإذاعة الصين الدولية سبق وأسس المكتب الاقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في القاهرة، بالإضافة الى مكتبين للمراسلين في مصر وقطر، وفصل كونفوشيوس في تونس، فضلاً عن أستوديو لإنتاج البرامج في القاهرة. كما عيّن مراسلين أجانب في العراق وسوريا وجُزر القمر ومورتانيا، ونحن بدورنا نأمل التنسيق مع الإذاعة لإنشاء فصل لتدريس اللغة الصينية بالأردن ودول عربية أخرى تحت مظلة الاتحاد الدولي، ونحن نعمل في سبيل ذلك ولتفعيله.

بقي أن أقول إن هذه الإذاعة العريقة والصديقة للعرب وقضاياهم، كانت تسمّى سابقاً بإذاعة بكين، وكانت وما زالت تهدف إلى دعم التفاهم الحقيقي وبناء جسور الصداقة والتعاون والتضامن بين أبناء الشعب الصيني والشعوب الأخرى حول العالم ومن بينها العرب، لذلك تعتبر سفيراً للصين في العالم.

ـ #تسنيم ابراهيم #الفرا: شاعرة وكاتبة وناشطة في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.