موقع متخصص بالشؤون الصينية

اشتراكية الخصائص الصينية “بالشرق العربي”

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
عبد السلام عثمان الفارس*:

مما لا شك فيه، أن تأثير الفكر الاشتراكي العلمي كان سبّاقاً لأي فكر آخر في البلدان العربية، في فترات الاستعمار والتحرر الوطني والتنمية الاقتصادية وبناء القاعدة المادية – التقنية للبلدان العربية المتحررة من ربقة الماضي الاستعماري.

غالبية الدول العربية توجّهت بعد تحرّرها الناجز نحو الاشتراكية لتدعيم استقلالها وصيانه منجزاتها، فقد كانت تلك النقلة الحاسمة رداً مباشراً على الاستعمار الغربي وتدخلاته الفظّة وإملاءاته المتواصلة ومحاولاته العودة “من النافذة”، الى ممارسة القهر على العرب، تارة بشكل مباشر، وتارة أخرى من خلال وكيله الكيان الصهيوني – الاسرائيلي، الذي أقامه الغرب في فلسطين بعد نقله بكل مُكّوناته من المصنع الامبريالي الانجليزي والامريكي والالماني، ليكون مخفراً أمامياً له، وقاعدة عسكرية وحربية قهرية لمحاصرة الأفكار الاشتراكية والكتلة الاشتراكية الدولية وتفشيل التجارب الاشتراكية في عالم العرب، وكانت الصين واحدة من الدول التي توجّه العرب إليها للتحالف، ولنقل فكرها الاشتراكي إلينا، بل والى جانب الفكر لنقل السلاح من مخازنها لتعزيز حركة الكفاح التحرّري العربي، وكان رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين، الزميل مروان سوداح، أحد الذين حملوا السلاح الصيني وتدرّبوا عليه في ستينيات القرن الماضي.

وهكذا، كان تأثير الاشتراكية ومنها الصينية كبيراً على العرب وعلى مختلف الاحزاب السياسية العربية، كذلك أصبح تأثير الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العهد الجديد مُتّسعاً في منطقة “الشرق الأوسط”، وهي كذلك أفكار الصين بين العرب ومنها شعاراتها النبيلة للتمسك بالتضامن والثقة المتبادلة والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتسامح والاستفادة المتبادلة، التعاون والفوز المشترك، وقد دخلت هذه كلها القواميس العربية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويمكن القول، أن الدول العربية بما فيها من أعراق مختلفة، معتقدات دينية متعددة وخلفيات ثقافية متباينة هي ساحة مفتوحة للأفكار المناهضة للغرب الاستعماري، فالجماهير العربية، غير الحزبية وغير المؤطرة سياسياً، يروق لها التمتع بالسلم والاستقلالية والحقوق الاجتماعية والحوكمة، كذلك ترضي بالتنمية الحقيقية طريقاً، وتريد من الانظمة ان تسمح لها بالتمسّك بالصداقة ما بين الدول العربية والصين، جيلا بعد جيل، وليكون العرب أصدقاء تربطهم عرى الوئام والانسجام مع الصين والصينيين.

وها هي جمهورية الصين الشعبية الحليفة ما زالت مثابرة على سلوك طريق التنمية السلمية، ولذلك تنتهج وبثبات سياسة ودبلوماسية مستقلة وسليمة، وتحترم طرق التنمية والسياسات الداخلية والخارجية التي اختارتها شعوب الدول العربية. والى جانب ذلك، تمكّن الحزب الشيوعي الصيني الذي يقود نهج الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، من توسيع فضاء وآفاق ومساحات العصرنة أمام الدول النامية والفقيرة، وذلك بفكره وممارسته العملية العالمية لهذا الفكر الطليعي الإفادي، إذ طرح الحزب وما زال يطرح الى اليوم أمثلة عن الحكمة والحوكمة والحلول الصينية للمشاكل التي يواجهها العالم، استناداً الى نموذج الاشتراكية الناجحة في الصين.

وانطلاقاً من هذا المنظور الفكري والسياسي المتطورة أيديولوجياً وعَملانياً للقيادة السياسية لجمهورية الصين الشعبية – التي تؤكد انتهاجها لسياسة حازمة فيما يتعلق بسيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها وأمنها واستقرارها وإعادة الحقوق إلى أصحابها وعلى رأسها القضية الفلسطينية – ترى الصين ضرورة ان تستمر في انتهاج سياسة داعمة للحقوق الفلسطينية والعربية سياسياً واقتصادياً، لكون النضال العربي في الحقبة الحالية – الثانية للتحرّر والاستقلالية -، ينسجم والسياسة الصينية، وبخاصة الانسجام ما بين الفكر التحرّري العربي وأيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني، الذي حرّر مناضلوه الأشداء  تحت قيادة الزعيم “ماو” الصين من ربقة الاستعمار الغربي والياباني الطويل، وأنقذ شعبه من أفيون الانجليز القاتل، ووحّد الدولة المستقلة التي فقدت في حرب اليابان ضد شعب الصين، أكثر من 35 مليون شهيد صيني عسكري ومدني، وعشرات ملايين الجرحى والمعاقين و”نساء المتعة” الذين دنّسهنَ هذا الاستعمار الدنس..

القيادة السياسية الفذة للحزب الشيوعي لجمهورية الصين الشعبية طرحت العديد من المتطلبات الأساسية لتطوير روح طريق الحرير في منطقة “الشرق الأوسط” العربية، وذلك أولاً بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة شاملة على أساس حدود عام 1967، مع اتخاذ القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، وتتطلع القيادة في جمهورية الصين الشعبية إلى اتخاذ كافة الأطراف المعنية إجراءات عملية لإزالة الحواجز أمام المفاوضات السلمية، وإيجاد وسيلة للخروج من حالة الجمود في أسرع وقت ممكن.

وأنا بدوري كإعلامي عربي مُحب وصديق للصين منذ عشرات السنين، أتطلع إلى أن تتخذ القيادة السياسية في الصين الشعبية، وعلى رأسها الأمين العام للحزب الرفيق العظيم “شي جينبينغ، رئيس الدولة، رؤية جديدة لحل الصراع الدامي في منطقة “الشرق الأوسط”، والشروع بدخول مباشرة كوسيط دولي بالتعاون مع دول كبرى أخرى مثل روسيا، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بخاصةً بعد الموقف والقرار الصادم والمخزي الذي اتخذته الإدارة الأميركية (ترامب)، بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة لما يُسمّى إسرائيل، والعمل على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، الأمر الذي أدى إلى عدم قبول الفلسطينيين بالولايات المتحدة الامريكية كوسيط أو راعي وحيد لعملية السلام، كما كانت قبل القرار الصادم، لأنها فقدت العنصر الأهم وهو النزاهة والحياد.

كما تعمل القيادة السياسية في جمهورية الصين الشعبية، بالتعاون مع مختلف البلدان العربية، على مكافحة ومحاربة الإرهاب أينما وُجد، لأنه أحد مُسببات عرقلة نهوض وتنمية شاملة في هذه الدول، وهذا هو الجوهر الهام للشراكة الاستراتيجية ما بين جمهورية الصين الشعبية والدول العربية، فهذه الاستراتيجية تؤدي بلا أدنى شك، الى تهيئة بيئة مناسبة وطيبة للتنمية الاقتصادية، واستقرار معيشة الشعوب، وقيادتها الى واحات الارتقاء الثقافي والحضاري والراحة والسعادة وتوفير نسب عالية من الرغادة الاجتماعية والطبقية.

تتميز جمهورية الصين الشعبية والدول العربية بالتعامل مع بعضها البعض بعقل منفتح ومتسامح، وتسعى لإحلال الحوار والتبادل محل أي نزاع أو مجابهة، وهذا يُعطي مِثالاً أنسب للتعايش المنسجم بين الدول ذات الأنظمة الاجتماعية والعقائد الدينية والتقاليد الثقافية المختلفة. ومن هذا المنطلق عملت الصين وما زالت تعمل على دعم وتأييد مطلق للدول العربية في سبيل الحفاظ على تقاليدها القومية والثقافية، وتعارض مختلف أشكال التفرقة والتميز والحُكم المسبق الموجّه ضد أية أمة أو أي دين، وهذه إشارة عبقرية من القيادة الصينية الحكيمة لما تواجهه أمتنا العربية والإسلامية من إدانة مسبقة، بخاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، واتهامها بأنها دول ترعى الإرهاب وتشجعه، ونتيجة لهذا الحُكم المسبق على العالم العربي، رأينا بأم أعيننا ما حدث لكثير من الدول العربية في فترة ما سُمّي بِ(الربيع العربي)، من سقوط أنظمة سياسية، ودمار لدولها، التي تكالبت عليها الكثير من القوى الاستعمارية لنهب ثرواتها وتقسيمها، كما يحدث الآن في سوريا الصمود، التي تتعرض الى حرب كونية تدميرية.

وبالنسبة لجمهورية الصين الشعبية، فقد احترم حزبها وتحترم حكومتها المطالب المعقولة للشعب السوري وترفض العبث الغربية بالدولة السورية الشرعية ومؤسساتها، وتؤيد عملية الانتقال السياسي المتسامح، مما يؤدي إلى حل سياسي للقضية السورية، ولتخفيف معاناة اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان، وفي غيرها من البلدان.

ولهذا، فإن جمهورية الصين الشعبية تقوم مشكورة وباستمرار بتقديم المعونات الإنسانية لهؤلاء اللاجئين وفي مخيماتهم في الاردن، التي يزورها سعادة السفير الصينية لدى الاردن السيد “بان وي فانغ”، الذي ينشط كثيراً في هذا الاتجاه الانساني، الذي يعكس عمق الانسانية الصينية ومدلولات هذه المساعدات دولياً وفكرياً.

إن الأفكار الصينية التقدمية التي تحث الدول العربية على العمل سوياّ مع الصين لاتخاذ مواقف متسامحة إزاء الثقافات المختلفة، وللوقاية من القوى والأفكار المتطرفة التي تحاول عرقلة وتدمير أي تعاون بين هذه الثقافات، وكذلك تحترم القيادة السياسية لجمهورية الصين الشعبية خيار كل دولة لطريقة التنمية الخاصة بها والنظام السياسي الخاص بها، والذي تجد أنه يحقق طموحها ومصالح شعبها. وجمهورية الصين الشعبية ستعمل الى جانب كل ذلك على تقديم وتقاسم خبراتها وتجاربها في التنمية وحوكمة الدولة مع جميع أصدقائها في العالم العربي والاردن، كما تؤيد الصين إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في “الشرق الأوسط”، وتعارض بقوة أية محاولة لتغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط.

أعتقد جازماً، أن الزمن المقبل سيشهد دولة صينة قوية ومزدهرة داخلياً وعالمياً، وأُدرك بأن السلطات الصينية الذكية ستلعب دوراً بناءً وحيوياً ومفصلياً في الشأن الإقليمي “للشرق الأوسط”، وستنشط مع الدول العربية من أجل جعل الحوار وسيلة وحيدة للسلام ولإيجاد قاسم مشترك للقضايا ذات الاهتمام المشترك، وأثق أن جمهورية الصين الشعبية سوف تبذل وفي مُقبل الأيام جهوداً دبلوماسية كبيرة لتسوية القضايا الإقليمية الساخنة على نحو سليم، وبما يُحقّق العدل، كما أنها تسلك الآن بجهد كبير وصادق لإحلال السلام الشامل في شبه الجزيرة الكورية.

ومن الافكار العظيمة لفخامة الرئيس شي جينبينغ، لشق طُرق سهلة لمبادرة الحزام والطريق في مختلف المناطق والبيئات، أن على الطرفين العربي والصيني الالتزام بمبادئ التشاور والتنمية المشتركة والتقاسم. والمقصود بالتشاور هو الاستفادة من الخبرات الجماعية وتنفيذ المبادرات من خلال المفاوضات، بما يُحقق المصالح والاهتمامات المشتركة لكلا الطرفين. والمقصود بالتنمية المشتركة، هو تطور المزايا والإمكانيات لكلا الطرفين على نحو شامل، لأن تضافر الجهود سيؤدي حتماً الى التنمية المستدامة.

يرتبط الاردن والصين بعرى صداقة تاريخية وعميقة، أوصلت الى دعم المملكة لمبادرة الحزام والطريق الجديدة، المَبنية على الأفكار الصينية الانفتاحية، المناهضة للانغلاقية، وهي أفكار تعلي مبادئ الاعتدال والإفادات المتبادلة والشراكة الحقيقية والعادلة والمتوازنة ضمن “معادلة رابح – رابح”، ولإنشاء مشاريع كبرى في العالم وفي الاردن أيضاً، الذي ارتبط بطريق الحرير الصيني القديم منذ تأسيسه، فأدى ذلك الى علاقات اردنية وعربية صينية عميقة بالاتجاهين، وبخاصة في مجال العلاقات الانسانية وتبادل المعارف من خلال هذا الطريق، الذي يتجدّد الآن بفضل مبادرة الرفيق الأمين العام شي جينبينغ، لترسيخ التوجه العالمي الى اقتصادات السلام العالمي، وتغيير نمط العلاقات الدولية إلى الأمان، مرفقاً بمكاسب تنموية لكل الامم والشعوب صغيرها وكبيرها. ولهذا ندرك بعمق لماذا تعمل الأمة الصينية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، لنقل الأفكار المُبدعة لرئيس والتي صاغها في عام2013 في كازاخستان أولاً وما بعدها والى الآن، الى واقع عالمي ملموس، يصب في خدمة المصير المشترك بين الشعوب، الذي هو مبادرة الحزام والطريق الذي يرى الرفيق “شي” أهمية مفصلية لتاريخ العالم بربطه برباطها الوثيق، أولاً بقارات العالم القديم، آسيا وإفريقيا وأوروبا، ومن بعدها لبلدان العالم الاخرى في القارتين الامريكية الشمالية واللاتينية الجنوبية

والمقصود بالتقاسم هو، أن تتمتع شعوب كلا الطرفين بثمار التنمية على قدم المساواة بغية خلق مجموعة عربية – صينية ذات مصالح مشتركة ومصير مشترك. وفي هذه المصطلحات العظيمة الثلاث تكمن الفائدة لبلد صغير نامي كبلدي الأردن، الذي بدأ العمل المضني الدؤوب لأجل تمهيد الطريق لجلب المستثمرين والأعمال بخاصة من الصين. فقد استقبل بلدي قبل أيام قليلة، وفد رجال الاعمال والمستثمرين الصينيين الحريصين على استكشاف الفرص الاستثمارية وبيئة الاعمال الواعدة في الاردن، ووقع الطرفان الاردني والصيني اتفاقيات أعمال بين شركة المناطق الحرة وشركة المناطق التنموية في المملكة الاردنية الهاشمية، ومؤسسة طريق الحرير الصيني العربي للاستثمار.

وتهدف هذه الاتفاقية الى القيام بأعمال الترويج وتعزيز الفرص الاستثمارية في المناطق الحرة والتنموية الاردنية أمام مجتمع الأعمال الصيني. وتركز هذه الاتفاقيات على جذب الاستثمارات الصينية ذات القيمة المُضافة للاقتصاد الاردني، وذلك باجتذاب استثمارات تقنية وخدمية وصناعية، كون الاردن يعتبر نقطة انطلاق الى أُوروبا وامريكا، والقاعدة الأولى والمتقدمة للمساعدة في أعمال إعادة الإعمار التي سوف تنطلق في سوريا والعراق بعد هزيمة تامة للإرهابيين الدوليين.

كما اطلع الوفد الصيني على التسهيلات المقدمة من الحكومة الاردنية على منح الجنسية الاردنية للمستثمرين غير الاردنيين وعائلاتهم، وغيرها من التسهيلات الاردنية، وبذلك نكون قد وضعنا في الاردن اللّبنة الاولى لتشييد سبيل سهل لِـ (الحزام والطريق).

#عبدالسلام عثمان محمد #الفارس: #كاتب و #إعلامي وصديق قديم #للصين، وخريج تخصص صحافة وإعلام من جامعة #اليرموك – #الاردن.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.