موقع متخصص بالشؤون الصينية

تضارب المواقف تجاه الصين يعزز الإنقسام داخل استراليا

0

 

ترجمة وتحرير / د. وليد

كيف ينبغي التعايش مع الصين؟ هذه المسألة التي هي في الأصل بسيطة بالنسبة للمراقبين، ظلت تثير تململا وتترددا لدى استراليا، وباتت مثارا للخلافات المتزايدة داخل البلاد.

بين الودّ والتشويه

شهد موقف رئيس الوزراء الأسترالي تيرنبول تجاه الصين منعرجا مفاجئا خلال الفترة الأخيرة، حيث أعرب عن رغبته في زيارة الصين خلال وقت لاحق من العام الحالي.

ليست هذه المرة الأولى التي تصدر فيها الحكومة الأسترالية إشارة ودية تجاه الصين. قبل ذلك، وعلى هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين، الذي عقد في بوينس آيرس في 21 مايو الماضي، جذبت المحادثات التي جمعت مستشار الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي ووزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب الأنظار بشكل خاص. ويقال إن الجانب الأسترالي، هو من بادر إلى إجراء هذه المحادثات.

في ذات الوقت، إختتم وزير التجارة والاستثمار الأسترالي ستيفن شيوبو لتوّه زيارة إلى الصين استمرت ثلاثة أيام. وعلّقت وسائل الإعلام الأسترالية عن هذه الزيارة، قائلة: “هذا هو أول مسؤول أسترالي من المستوى الوزاري يزور الصين، منذ أن وصلت العلاقات الصينية الأسترالية إلى طريق مسدود”.

قبل ذلك، ومنذ النصف الثاني من العام الماضي، استمرت سلسلة من الخطابات المعادية للصين في الإنتشار داخل أستراليا، ما دفع العلاقات الصينية الأسترالية نحو البرود. لذا، تعتقد وسائل الإعلام الأسترالية أن خطوة بيشوب قد تمثل علامة على بدء “ذوبان الجليد” في العلاقات بين البلدين.

مع ذلك، وتزامنا مع هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال الأصوات المناهضة للصين في أستراليا تتصاعد من وقت لآخر.

منذ فترة، نشرت مجلة “التعاليق المالية الأسترالية” تقريراً حول ما قالت بأنه تقرير أنجزته جامعة هارفرد لفائدة وزارة الخارجية الأمريكية، والذي وصف الصين بأنها تمارس”دبلوماسية الديون” مع الدول الصغيرة المجاورة لأستراليا، مايمثل تشويها للدبلوماسية الصينية.

لقد مثّلت المواقف الأسترالية المتقلبة تجاه الصين مصدر قلق بالنسبة للمجتمع الأسترالي، وخاصة مجتمع الأعمال، وهو ما أسهم في تنامي مشاعر الإستياء ضد الحكومة الأسترالية.

كبرياء وتحيز

“هناك اختلاف في درجات الحرارة بين مواقف الأوساط السياسية والتجارية والمجتمعية في استراليا تجاه الصين.” يقول شو لي بينغ، الباحث بمعهد الدراسات الإستراتيجية حول آسيا والمحيط الهادئ والعالم، التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية. ويضيف بأن الحكومة الأسترالية ترغب غالبا في النظر إلى الأمور من زاوية أمنية، وتتبع أمريكا في طريقة تسييس مختلف القضايا المتعلقة بالصين، وإخراج العلاقات الصينية الأسترالية عن مسارها الطبيعي. أما أوساط الأعمال في أستراليا فتنظر إلى العلاقات بين الصين وأستراليا بأكثر موضوعية وواقعية، وتأمل في أن تحافظ العلاقات بين البلدين على زخم نمو مستمر.

فلماذا لا تزال الحكومة الأسترالية تصر على العمل في عزلة عن هذه الأوساط، وتوجه أصابع الاتهام في كثير من الأحيان نحو الصين؟

يعتقد وانغ شياو بينغ، الخبير في القضايا البحرية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية والباحث بمركز أبحاث تنمية المحيطات في الصين، أن الموقف الأسترالي المناهض للصين يعود إلى التكبر والتحيز الذي تتعامل بهما الحكومة الأسترالية حيال الصين. وباعتبارها حليفًا مهمًا للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة القوى الأسترالية المحافظة، التي لاتزال تتمسك بعقلية الحرب الباردة، وتنحاز بشكل كلّي إلى الموقف الأمريكي حول قضايا بحر الصين الجنوبي وقضايا الأمن والأيديولوجيا، وتمارس الإستفزاز حيال الصين. في ذات الوقت، تنظر استراليا بحذر وتحيز إلى التطور الطبيعي للقوة الوطنية الشاملة للصين، وعلاقات التعاون التي تربط الصين مع بلدان جنوب المحيط الهادئ، وتعتبر جنوب المحيط الهادئ مجال نفوذها التقليدي.

كلّفت “لامبالاة” الساسة الاستراليين أوساط الأعمال والشعب الأسترالي ثمنا باهظا. حيث ذكر مفوض صناعة اللحوم الأسترالية إنه وفقا للاتفاقية الموقعة بين أستراليا والصين، يمكن لأستراليا تصدير أكثر من 300 مليون دولار أسترالي من لحم البقر والضأن إلى الصين كل عام. مع ذلك، تم تأجيل تنفيذ الاتفاق مراراً، ومن المؤكد أن ذلك على علاقة بتدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وقال شيو لي بينغ: “إلى حدّ ما، تقوم سياسة الحكومة الأسترالية تجاه الصين بتفكيك العلاقة بين الدوائر السياسية ومجتمع الأعمال والمواطنين، ما يبرز عنه تضارب في المصالح. وإذا استمر هذا التباين وعدم التناسق، فإن العلاقات الصينية الأسترالية ستواصل الانحراف عن مسارها الطبيعي. وليس هناك شك في أن ذلك سيؤثر على حياة الشعب الأسترالي، وفي أن ذلك سيمثل صدمة كبيرة للساحة السياسية الأسترالية.”

الرغبة والعمل

ربما تكون الحكومة الأسترالية قد إنتبهت إلى خطورة ماتقوم به. وهو ما دفع بعض وسائل الإعلام في أستراليا إلى القول بأن رغبة تيرنبول في زيارة الصين خلال العام الحالي، والجولة التي قام بها وزير التجارة تشوبو في الصين، ترسل رسالة واضحة عن نية أستراليا إصلاح علاقاتها مع الصين.

“حاولت الحكومة الأسترالية توظيف القضايا الاقتصادية والتجارية في مسعاها إلى تحسين العلاقات مع الصين”. يشير الباحث وانغ شياو بنغ، ويضيف بأن الإنكماش المستمر في العلاقات الصينية الأسترالية قد عاد بتأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي في أستراليا. فمن ناحية، لايمكن للحكومة الإستمرار في تجاهل أصوات أوساط الأعمال والمجتمع؛ ومن ناحية أخرى، تظهر الولايات المتحدة، التي تتبعها أستراليا بطريقة عمياء، نزعة متزايدة نحو الأحادية.

طبعا، يبقى تحسن العلاقات الصينية الأسترالية منوطا بقدرة الحكومة الأسترالية على اتخاذ المزيد من الإجراءات الصادقة.

يذكر، أن إحدى الصحف الاسترالية، قد نشرت مؤخرا مقالا بعنوان “يجب أن نتعلم العمل مع الصين”، حيث استشهد المقال بوجهة نظر الباحث الاسترالي مايكل ويسلي: “مستقبلنا سيعتمد بشكل متزايد على بكين، وليس واشنطن”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.