موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصّيِن دَولة الأرض لجَميع أهل الأرض

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
يَلينا نِيدوغينا*:

عَرض خطاب الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية، الرفيق شي جين بينغ، في خطابه أمام مندوبي وضيوف الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، العديد من المحاور الرئيسة على صعيدي الصين والعالم.

ففي المحور الثاني، العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً، أبدع القائد “شي” في الحديث عن العلاقات الصينية العربية، وبضمنها بالذات وعلى وجه بارز الصينية الفلسطينية، وشكّل هذا الخطاب بالتالي ولهذا، تميّزاً بارزاً ولوناً مَلحوظاً لكل مَن استمع للخطاب في كل العالم. وأرى شخصياً، أن الحديث عن المنطقة العربية وقضية فلسطين بالذات وبهذه الروحية والتركيز الرئاسيين صينياً، أصبح أحد المحاور الرئيسية للسياسة الصينية، التي باتت تتحدث عن كل ذلك بقوة أكثر مِن ذي قبل، وبإصرار بارز على تنفيذ رؤى الأمين “شي”، فنال هذا الموقف تأييد كل مُستمع إليه مِن العرب وشعوب بلدان منظمة التعاون الإسلامي، ومنها بلدان تحدُ الصين وهي الجارة الجغرافية لها.

أضف الى ذلك، أن القائد الفذ “شي” المُتسلّح بالعلوم والرؤى الاستراتيجية بعيدة البصيرة في معالجة مَصير العالم، ووأد أزماته من خلال الاقتصاد الحقيقي ورغادة العيش، قد تحدث بثقة واضحة عن دولة الأرض لجميع أهل الأرض، والتي تقوى بمشاريع عالمية في تطبيقاتها، ومُكلفة بالتريليونات من الدولارات، وهدفه من وراء ذلك شريف، يتجلّى بتهيئة الوضع العربي والبلدان الاسلامية التي سيمر من خلالها طريق الحرير الصيني الجديد (خطط وشبكة التعاون المشترك في بناء “الحزام والطريق” في العصر الجديد)، لتستوعب الدفق البضائعي والإنساني والثقافي الهائل، الذي سيتّجه كفيضان من الصين إلى المشرق والمغرب الآسيوي وأفريقيا، ولن ننسى وصوله إلى القارة الشمالية العجوزكذلك، ليرتبط “العالم القديم” بأسرة بشبكة مُيسّرة للتبادل في كل اتجاه وبكل ما يخطر وما لا يخطر على بال بشر، من أجل تبادلية الناس واندماجهم المُبدع والتدريجي، ولتخليق أرضية ثابتة لسلام عالمي مكين.

وللدلالة على أن الصين بدأت اليوم بخطاب الرئيس تلج إلى حقبة جديدة في تاريخها مع العالم، وللانغماس في قضاياه التحررية العادلة بعمق تُشكر عليه، وتخليق دولة الأرض لكل أهل الأرض، تصريحات الأمين الحكيم ذاته عن رؤيته الفلسطينية في تعاظم الدور السلمي الصيني في منطقتنا العربية وفلسطين، وتتلخص في “عزمه عقد مؤتمر دولي مكرّس للقضية الفلسطينية، ودعمه لإيجاد حل دائم لها، قائم على حل الدولتين ومبادرة السلام العربية التي تعد الأساس لمفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، من أجل الخروج من الجمود الحالي”.. ونوّه القائد إلى إن بكين “سوف تقدم مساعدة مالية تقدّر بقيمة 100 مليون دولار لدعم النمو الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين، وبإنها سوف تقدم كذلك التبرعات الأخرى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، ومشدداً في الوقت ذاته “على ضرورة العمل على إحلال السلام وتحقيق التنمية في منطقة “الشرق الأوسط”، من منظور أمني مشترك، واحترام خصوصية الدول، والتمسك بالعدل والمساواة”.

كما أكد الرئيس الصيني “أهمية التنمية من أجل تحقيق السلام في منطقة “الشرق الأوسط”، والانفتاح والتعاون وصولاً إلى تحقيق الكسب المشترك والازدهار للشعوب العربية والصينية”، مُشيراً أيضاً “إلى أن الأمة العربية التي تمتلك الحِكمة وخلقت حضارة باهرة تستطيع مواجهة تحدّيات العصر الحديث”.

إلى ذلك، تطرّقت مقالة عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني الرفيق “وانغ يي”، والتي سبقت قليلاً انعقاد المنتدى، إلى نفس الأفكار الشيجينبينغية بالمُجمل والهَدف والمَعنى الذي تناوله الأمين “شي ذاته، وهو الذي أكد: أن (التواصل بين الصين والدول العربية يرجع الى تاريخ طويل، ويُعد نموذجاً يُحتذى به، حيث “شهدت الامتان العظيمتان تبادلات رفيعة ووثيقة وعميقة على مدى 2000 عام، وتعلّمت الحضارتان مِن بعضهما البعض، واستكملت كل منها الأخرى.. ومنذ منتصف القرن الماضي، تضامنت الصين والدول العربية بشجاعة وإخلاص في الكفاح من أجل التحرير الوطني، وساعدت كل منهما الآخر في بناء الوطن وكتابة فصلٍ جديد من الصداقة والتعاون”. كما نوّه معالي الوزير “وانغ يي” إلى أن العلاقات الصينية  العربية “وصلت إلى نقطة انطلاق تاريخية جديدة.. و “يتعيّن” على الجانبين العمل معاً لتعزيز بناء علاقات دولية جديدة)، و(تعزيز بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وخلق بيئة خارجية سلمية ونظاماً دولياً عادلاً للجانبين).

ولفت انتباهي على وجد التحديد الفقرة التالية في مقالة الوزير “وانغ يي”، وهي: “ستكون” الصين والدول العربية شركاء للحفاظ على السلام وتعزيز الاستقرار.. و “يجب” على الجانبين تعزيز التنسيق، و”مواصلة” الدعم المتبادل في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر، و”الدفاع بحزم” عن المصالح المشتركة للدول النامية الكثيرة، و”الدفع” بحل القضايا الساخنة بالطرق السياسية، و”الالتزام” بمفهوم الأمن المشترك والمتكامل والتعاوني المُستدام، بما يُعيد السِّلم والأمن إلى “الشرق الأوسط” في يوم مُبّكر، ويمكّن الجانبين من المساهمات المطلوبة من أجل الإستقرار والإزدهار في العالم”.

إلى ذلك، المُلاحظ لي أن الجانب الصيني يُقرن تصريحاته عن المبادىء العالمية، ولنقل الأممية العليا، والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية النافعة للبشرية التي تريد الصين إقامتها، بالدفاع عن حقوق الشعوب في المنحى السياسي، وهي مقاربة حامية الوطيس حقاً، وإن كانت تتخذ لغة مرنة وناعمة في الغالب، إلا أنها تتجلى بلهجة حازمة ومحددة، وأحياناً تستخدم فيها مفردات قطعية، على مِثال كلمة (يتعيّن) – أعلاه، داعياً الجانبين العربي والصيني للعمل معاً من أجل تغيير العالم، لأجل أن يَحيا على أساس علاقات دولية جديدة، وتعزيز بناء مجتمع جماعي لمصير واحد، وتأسيس بيئة دولية سليمة ونظام دولي جديد وعادل، وهي طروحات طالما دعت إلى تطبيقها الاشتراكية العلمية، وحَلمت بها الاشتراكية الطوباوية قبلها لحقبات سبقت ماركس وأنجلز وجميع منظري الأفكار الشيوعية لمجتمعات التسيير الذاتي في الاشتراكية الأعلى والأنضج الملامسة للمجتمع الشيوعي، والتي تحلم بها المجتمعات الاقتصادية الانتاجية المتطورة الأكثر ثقافة وعِلماً ووعياً وعملاً دؤوباً في كل المجالات على صورة الصين العجائبية.

الصّين تتخذ اليوم لغة أكثر حزماً ومباشرةً، ربما بسبب الحصار الذي يُضرب تجارياً من طرف ترامب وتكشيره عن أنيابه وأهدافه العدوانية على الصين والعالم وحتى على أصدقائه وحلفائه في شتى القارات، إذ يهدف ترامب، علناً ودون رتوش، إلى تطويق الصين بحرياً وبرياً وجوياً، لتفشيل “مبادرة الحزام والطريق”، وإحباطها بقوة كاوبوي ترامبي، لصالح المشروع الأمريكي في شرق وجنوب أسيا، وفي بلدان “الشرق الأوسط” التي يُخطّطون شملها بِـ “صفقة القرن”، وهي صفقة أعتقد بأنها مجرد “تعلّق في حِبال الهواء”، فلن تتمخّض عن مشاريع نهضوية للدول العربية، سوى أنها “ستزدهر” في دعم الكيان الصهيوني اقتصادياً ومالياً وتجارياً، في محاولة ربط العرب بالاقتصاد “الإسرائيلي” حصراً، وتكبيل الاقتصادات العربية في جهة مقابلة، ومنع وصول المبادرة الصينية الى العرب، (ولا يمكن أن يكون ذلك سوى بإخضاع البلدان العربية والعقل العربي لتل أبيب ولأبواق الغرب الإعلامية)، من خلال مشاريع وهمية، وضمن وضع يد “الكيان” على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان والمُقدِّرات الفلسطينية، وبسط السيطرة المالية والاقتصادية على العرب، لجعل علاقاتهم الدولية وبالصين وروسيا مُثقلة بالدماء والحروب الأهلية العربية العربية، و.. العربية الإسلامية!!!

الأمين “شي” أكد أن الصين ستقدم قروضاً تصل قيمتها 20 مليار دولار لدول عربية، لتحقيق التنمية الاقتصادية فيها بتأسيس “شراكَة إستراتيجية للتعاون الشامل والتنمية المشتركة والتوجه نحو المستقبل”، وهو خبر ركّزت عليه كل وسائل الإعلام العربية والعالمية أكثر من تركيزها، للأسف، على توجّهات الصين السلمية والفلسطينية ورؤيتها الإنسانية للعالم!

الأمين “شي” دعا إلى تطور العلاقات الصينية العربية أكثر وأعمق من ذي قبل، ولم ينسَ العلاقات الصينية الفلسطينية، وهو كذلك برؤية رفيعة وعالية وزخم جديد، ومرتبط بعوامل حقيقية، وبعيدة عن أي كلام مُدبّج، لأجل بلوغ الاستقرار والأمان العربي والفلسطيني، وطالب الأمين “شي” بأنه “يجب على الأطراف كافة” – كما كانت ترجمة خطاب “شي” إلى اللغة العربية في المواقع الشبكية الصينية – قراءة الوقائع بشكل دقيق، لدفع “الشرق الأوسط” إلى طريق جديد مُضمّخ بنهضة شاملة.

في الواقع والفكرة والعقيدة الاشتراكية الصينية، وفي أعين العالم وخبرائه، أن الصين قد نجحت بقدراتها الخاصة ووعيها وخططها العميقة في تخليق وإنجاح نهج الإصلاح والإنفتاح الصيني، فالنظرية الصينية للانفتاح لم تتوقف عن إنجاز الجديد في الرؤى العملية في واقع صيني، فكانت النظرية خير معيل للفعل والتطور الماديين والروحي للصين، فلم تكن النظرية جَماداً، بل كانت وبقيت كياناً يَعيش ويَعمل ويُبدع إلى الآن منذ 1978م، واستندت الى إرث الصين الثوري والمادي التأسيسي والإندفاعي، وبلغت الصين ذلك برؤيتها الواقعية البرغماتية، المُستندة إلى نقلات واقعية تتساوق مع الجديد المُخلّق والمُتعامل بواقعية أيضاً مع الأحداث والتغيّرات المتجددة دوماً. ولقد أوصل الاصلاح والانفتاح بالصين الى ما هي عليه تلك البلاد اليوم من تقدم وازدهار، وتستند هذه الحركة التي تناصر شعوب العالم الضعيفة والفقيرة والتي لها الحق في الحياة على مستوى بقية الشعوب العالية التقدم، فهذه الحركة تستند الى إرث الصين الثوري والماوي التقدمي، الذي لم يَخن ولا يَخون نفسه، وبكل الأفكار الصينية والاممية تقدمت الصين بثوريتها المتواصلة الى “ثورية شي” المُبدعة في البِناء والسيادة وعالمية الصين، الى مراتب الدولية الاقتصادية والسياسية والفكرية والإنسانية، وهي تصلح لبلداننا العربية وبقية الدول المتطلعة إلى التقدم والعدالة والمساواة في كل مجال، بعيداً عن الفساد والإفساد وسرقة الثروات والأموال وكيان الإنسان وتكبيل عقله.

باختصار، لقد كان كلمات خطاب “شي” غنية المضمون وواقعية وعالية في تصويراتها وصياغاتها التي تترجمها الصين الى يوميات فعلية، وعلينا في البلدان العربية قراءة الخطاب بتمعن، لندرك ما هو مستقبلنا مع الصين وبها، ولمعرفة ملامح الصرح العالمي الجديد الذي ترسمه الصين على قاعدة الكسب للجميع ولرفع قدرات الجميع، ليتمكنوا من كسبها، ومن أولئك “الجميع” – الأمة العربية وشعبنا الفلسطيني صديق الصين منذ عهد تأسيسها و”ماو”ها الصنديد، الذي قطع “الألف ميل” الشهيرة لتأسيس “دولة الأرض لجميع أهل الأرض”.

#يلينا_نيدوغينا: مُستشارة رئيس الإتحاد الدولي للصّحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) #الصين، وعضو مؤسـس  وقيادي “للاتحاد الدولي”، ورئيسة الفرع الاردني فيه، ورئيسة تحرير #الملحق_الروسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.