موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصينون والعرب.. خُطوات حثيثة على الطريق الصحيح

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
أسامة مختار*:

منذ أن ربط  طريق الحرير القديم الشعبين الصيني والعربي وحتى دخول العالم العربي مرة أخرى في قلب (مبادرة الحزام والطريق) شهدت العلاقات بين الجانبين تواصلا لم ينقطع أبدا، وقد كان لهذا الطريق في الماضي تأثيرٌ كبيرٌ على تقارب الحضارتين العريقتين الصينية والعربية، ودفع ذلك التبادلات الثقافية والتجارية بين الجانبين. وقد شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية مزيداً من التطورات في العصر الجديد عند تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي، الذي يعتبر الإطار لهذه العلاقات المميزة.

منذ أن عقد  المنتدى أول اجتماعاته الوزارية، في القاهرة بتاريخ 14 أيلول/ سبتمبر2004، والتي شهدت توقيع الجانبين على (إعلان منتدى التعاون الصيني- العربي) و(برنامج عمل منتدى التعاون الصيني العربي)، وحتى استضافة بكين للدورة الثامنة للاجتماع الوزاري، فإن التعاون الصيني- العربي دخل مراحل  جديدة  في المجالات كافة، حيث تسعى الصين إلى تطوير الروابط الإستراتيجية مع الدول العربية من أجل تحقيق شراكة متكاملة في بناء (الحزام والطريق) وكذلك تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وتعميق التعاون في مجالي السلام والأمن ودعم التبادل الثقافي والإنساني بين الجانبين، حتى وصل الطرفان إلى شراكة في مجال التكنولوجيا من خلال المركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا، وإلى أن أعلن الرئيس شي في خطاب الدورة الثامنة  التي أنفضت قبل أيام عن استحداث آليات جديدة مهمة من بينها  تأسيس مركز صيني عربي للتواصل الإعلامي، وإطلاق مشروع المكتبة الالكترونية التي ستوفر كمّا كبيراً من المعلومات، الأمر الذي سيجعل هذه الآليات عاملاً مهماً في توفير فرص لتبادل المعلومات والخبرات بين العالم العربي والصين، والكثير الذي حواه هذا الخطاب المهم للرئيس شي في الجوانب الافتصادية والثقافية والانسانية.

كما لم يغفل خطاب شي الجانب السياسي، وهو الأهم، حيث من المعلوم مواقف الصين الداعمة  للقضايا العربية الساخنة، مثل القضية الفلسطينية وأزماتها السورية و اليمنية والليبية، ومكافحة الإرهاب في المنطقة ومعارضة الجانبين الصيني والعربي لسياسات الهيمنة والقوة ودعوتهما للحفاظ على السلام العالمي.

هذا المنتدى، الذي يتسق مع هذه الأهداف المشتركة للجانبين، يضم في عضويته الصين والدول الأعضاء بجامعة الدول العربية، وله ثلاث آليات عمل رئيسية، هي: الاجتماع الوزاري الذي يعقد دورة كل سنتين في الصين أو في مقر الجامعة العربية أو في إحدى الدول العربية بالتناوب، كما يحق له أن يجتمع في دورات غير عادية إذا اقتضت الضرورة ذلك، واجتماع كبار المسؤولين الذي يعقد سنوياً ويستضيفه الطرفان بالتناوب، أو كلما دعت الضرورة لذلك باتفاق الطرفين، والاجتماعات النوعية، مثل مؤتمر رجال الأعمال ، وندوة العلاقات الصينية- العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية، ومؤتمر الصداقة الصينية- العربية، ومؤتمر التعاون الصيني- العربي في مجال الطاقة، وندوة التعاون الإعلامي الصيني- العربي والفعاليات الثقافية المتبادلة، وأخيراً مجموعة الاتصال التي تتولى الاتصال بين الطرفين ومتابعة تنفيذ القرارات والتوصيات التي يتم التوصل إليها في الاجتماعات على المستوى الوزاري وكبار المسؤولين.

وقد جنى الجانبان ثمار هذا التعاون الذي تقف الأرقام شاهدة عليه، فقد تابعتُ تصريحات صحفية للسيد شياو شنغ جيون نائب مدير إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الصينية يذكر فيها أن بلاده أصبحت ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية إذ بلغ حجم التجارة بين الصين والدول العربية 36.7 مليار دولار في عام 2004 وتجاوزت 100 مليار دولار في عام 2008 وما زالت في تصاعد تدريجي حتى وصلت إلى مبلغ 191.352 مليار دولار في عام 2017 بزيادة 11.9 في المائة عن العام الذي سبقه..

من جانبه أعلن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط عن أن حجم التبادل التجاري الثنائي سيصل الى 600 مليار دولار أمريكي في إطار مبادرة ” الحزام والطريق”، مما سيفوق حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة حالياً. وبالطبع، هذا يتطلب من الجانبين مزيداً من الجهود ومواجهة الكثير من التحديات والبحث عن سبل التطور المتواصل من أجل مواصلة هذه العلاقات القوية والمتينة والتعاون البناء بين الصين والدول العربية.

والمُتابع بلا شك يرى تميزعلاقات الصين مع كل الدول العربية  بلا استثناء ومن بينها على سبيل المثال السودان الذي حظي بعلاقات مثلت نموذجاً للعلاقات الصينية العربية والأفريقية خاصة في تسعينيات القرن الماضي عندما شهد التعاون أوجه في مجال النفط بين الجانبين، وكان السودان البوابة التي ولجت من خلالها الصين إلى أفريقيا في هذا المجال، إلى جانب التعاون بين البلدين في مجالات أخرى منها  مشاريع  بناء الطرق والسدود والجسور والاتصالات ومحطات الكهرباء والبنى التحتية والاستثمار.

ومواصلة لهذه المسيرة شارك السودان في هذه الدورة من المنتدى، وفي حوار لي مع  وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية ورئيس وفدها إلى اجتماعات المنتدى الثامن وصف المنتدى بالآلية الخلاقة للارتقاء بالعلاقات بين الجانبين العربي والصيني، وذكر أن الوفد أتى ومعه عددٌ من المقترحات للاجتماع الوزاري ما لفت نظري منها مقترح  يدعو لاعتماد مبادرة الرئيس السوداني عمر البشير لـ (الأمن الغذائي) على أن تكون مبادرة ثلاثية بين السودان والصين والعالم العربي وذلك بالاستفادة من الموارد السودانية والتكنولوجيا ورأس المال الصيني، خاصة إذا علمنا أن السودان يمتلك 200 مليون فدان صالحة للزراعة مع مصادر متنوعة للمياه من أنهار وأنهار موسمية ومياه جوفية وأكثر من 103 مليون رأس من الماشية، ما من شأنه توفير مخزون استراتيجي آمن من السلع الغذائية الاستراتيجية يحول دون نشوء أزمات غذائية مستقبلية للدول العربية والصين. وفي تقديري هذا اقتراح بنّاء يجب اعتماده، فكم رددنا كثيرا أن السودان سلة غذاء العالم ولكن لم نعمل من أجل ان يكون هذا الشعار والحلم حقيقة!..

وعلى صعيد تنسيق المواقف السياسية اطلع الوزير السوداني وزير الخارجية الصيني على جهود السودان ومساعيه في التوصل لاتفاق يُنهي خلافات الحكومة والمعارضة بدولة جنوب السودان التي تتواصل منذ أكثر من أسبوعين بالعاصمة السودانية الخرطوم تحت رعاية منظمة الإيقاد، باعتبارها قضية مهمة للصين والمجتمع الدولي، لأن الأمن في دولة جنوب السودان مهم للصين ودوَل الإقليم والشركات الصينية العاملة في المنطقة، ولم تغب بالطبع مساهمات ودعم الصين لهذه المفاوضات بين الفرقاء في دولة جنوب السودان خلال مباحثات الوفد السوداني مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي وقيادات الحزب الشيوعي الصيني، لما تجده الصين من قبول لدى الدولتين، الأمر الذي يجعلها مكان احترام في كل ما يخص شأنهما سواء أكان سودانيا أم جنوب سوداني. .

ورداً على سؤال لي للوزير السوداني عن قول البعض إن الحوار الاستراتيجي الذي بدأه السودان مؤخرا مع الولايات المتحدة والغرب سيكون على حساب العلاقات مع الحلفاء في الشرق وفي مقدمتهم الصديق الأكبر الصين، قال وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية إن هذا الحوار لن يكون على حساب العلاقات مع حلفاء الشرق وفِي مقدمتهم الصين، واصفا الصين بأنها صديق الماضي وشقيق المستقبل وستظل الدولة المحورية في علاقات السودان الخارجية والدبلوماسية.

وهكذا ستواصل الصين  كما جاء في ( وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية) أعمال المنتدى الصيني العربي وتطوير أعماله وايجاد وسائل مبدعة للارتقاء بمستواه وتوظيف الدور الريادي لآلية الاجتماع بما يعزز التعاون والتبادل بين الجانبين الصيني والعربي.

*خبير إعلامي مقيم  في الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.