إستراتيجية الحضور الصيني فى إفريقيا
موقع الصين بعيون عربية ـ
الخرطوم ـ انور عكاشة:
مرت العلاقات الصينية الإفريقية بالعديد من المراحل التاريخية الهامة التي رسخّت بكين من خلالها وجودها في القارة السمراء عبر بوابة الدعم والمساعدات الاقتصادية، وهو ما دفعها لإعادة النظر في إستراتيجيتها الخارجية الإفريقية بما يؤهلها لمزيد من الحضور، وهو ما أشارت إليه صحيفة ” ذا وورلد بوست” الأمريكية في تقرير لها مؤخراً، حيث أكدت على أن العلاقات بين الصين وإفريقيا في الفترة الأخيرة شهدت إعادة هيكلة، من خلال إنشاء ثلاثة بنوك سياسية، بما يعتبر اتجاهًا جديدًا للصين، التي اهتمت بالتنمية الاقتصادية في القارة من حيث الاستثمارات والتجارة والاستيراد والتصدير، كبنك الصين للتنمية الزراعية وغيره، وكانت جميعها مملوكة للحكومات الإفريقية، لتمكينهم من توفير التمويل المستهدف، وفتحت تلك السياسة الجديدة الباب لإستراتيجية اقتصادية وتجارية.
تعود العلاقات الاقتصادية الصينية الإفريقية إلى عام 1976 حيث كانت مصلحة الموارد الصينية واضحة في العديد من البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، ومن الأمثلة على ذلك بناء السكك الحديدية في زامبيا كجزء لتسهيل وصول الصين إلى النحاس، وكان هناك أيضًا بناء الطرق في بلدان، مثل إثيوبيا؛ لمساعدة حركة صادرات القطن إلى الصين.
ومع بداية عام 2000 عززت الصين قدراتها كلاعب رئيسي في المساعدات المقدمة لإفريقيا، عبر إنشاء منتدى التعاون بين الصين وإفريقيا (فوكاك)، الذي ضم 44 دولة إفريقية، والذي تعهدت بكين من خلاله بتقديم تمويل لتخفيف عبء الديون، وبرامج التدريب والاستثمارات، إضافة إلى تأسيس مجلس الأعمال بين الصين وإفريقيا، والذي تفاوض على إلغاء 1.2 مليار دولار من الديون.
وبحلول 2006، اتجهت الصين لتنفيذ عدد من الخطوات التي من شأنها دعم القارة الإفريقية اقتصاديًّا، كان أبرزها إنشاء صندوق بقيمة 5 مليار دولار كقروض ميسرة وتجارية، كما تعهدت بمضاعفة المساعدات وبناء 30 مستشفى وتدريب 15 ألف إفريقي في مجالات مختلفة.
وتبعا موقع «ساوث تشاينا مورنينج بوست» فإن معظم البصمات المتنامية في إفريقيا مصنوعة في الصين وآسيا، كما تكشف علاقة الصين ببعض الدول الإفريقية عن مدى التفاعل الكبير بين بكين والقارة السمراء، وهو ما تجسده العلاقة مع الكونغو وأثيوبيا بصورة خاصة.
الموقع الصيني أشار إلى أن حجم الاستثمارات الصينية في الكونغو وأثيوبيا خلال الأعوام الماضية فاق ما كان عليه في السابق بمراحل عدة، مؤكدا أن بكين لا تهدف من وراء هذا التواجد لأي مكاسب سياسية مقارنة بما عليه الولايات المتحدة الأمريكية، فوفقًا لدراسة أجراها مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي 2013، فإن أهداف أمريكا حسب ما تعلنها واشنطن هي “بناء الديمقراطية وتعزيز التنمية، ودعم التجارة وتعزيز الأمن”، أما بكين فعلى النقيض من ذلك، حيث تؤكد رسالتها على إقامة علاقات أوثق مع الدول الإفريقية، وتشمل السعي إلى المنفعة المتبادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الإفريقية.
ومن الأمور المثيرة للاهتمام والتي تحمل في مضمونها مؤشرات ودلالات حول مستقبل التواجد الصيني في أفريقيا أن الشعب الكونغولي نفسه مثال لتفضيل الأفارقة بشكل عام للاستثمار الاقتصادي الصيني، كبديل عن “المساعدات الإنسانية الأمريكية ودعوتها إلى تعزيز الديمقراطية”، الذي تعتبره إفريقيا نوعًا من التدخل والسيطرة.
ومن الملاحظ أن الصين نجحت في فهم الخريطة المجتمعية والاقتصادية للدول الإفريقية ومن ثم استطاعت أن تعزف على أوتارها جيدا، حيث وصل نصيب الفرد الكونغولي من الدخل القومي 380 دولارًا في عام 2014، ومعدل الفقر وصل إلى 63% في عام 2012، وكانت الكونغو في المرتبة 176 من أصل 187 دولة في مؤشر التنمية البشرية العام الماضي، ومن ثم وجدت الصين ضالتها في أن تفرض حضورها بين دول القارة عاملة على معالجة تردي وضع الأفارقة الاقتصادي، دون الاعلان عن نية السيطرة كما فعلت امريكا وهذا ما يبرر الترحيب الافريقي بالصين مقارنة بالولايات المتحدة.
الصين اتفقت مبدئياً على تقديم الدعم لكل من الكونغو وإثيوبيا بما يعادل 5 مليارات دولار سنويا، فضلا عن إقامة العشرات من المشروعات الحيوية بالتعاون مع بعض الجهات الأجنبية الأخرى.
كما أن حجم التجارة البينية بين الجانبين تجاوز 300 مليار دولار أمريكي عام 2015، مقارنة بما كان عليه في عام 2000 والذي لم يتجاوز حينها 10 مليارات دولار.
وفي سياق متصل، فلم تقتصر آليات التعاون الصيني الإفريقي على تقديم الدعم المالي فحسب، بل تجاوز ذلك إلى تبادل الزيارات رفيعة المستوى من الجانبين، وهو ما كشف عنه موقع “إيكسينهاينيت” الصيني، والذي أشار إلى إن الزيارات المتكررة من الجانب الصيني إلى البلدان الإفريقية والعكس، تأتي في إطار وعي وإدراك بكين لأهمية القارة الكبيرة وتصميمها على الوفاء بوعودها لتنفيذ نتائج قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي «فوكاك» الذي عقد في جوهانسبرج في كانون الأول/ ديسمبر 2015.
وأضاف الموقع الصيني أن العلاقة مع القارة السمراء تختلف عن بقية علاقات الدول الأخرى، حيث أنها تجاوزت الوعود البراقة الفارغة التي تقدمها الكيانات الأخرى، وهو ما يجعلها مبنية على أساس من التعاون المتبادل والمنفعة، فمنذ 30 كانون الثاني/ يناير وحتى 6 شباط/ فبراير، أجرى وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، زيارات لدول ملاوي وموريشيوس وموزمبيق وناميبيا، ولمدة 26 عاما مضت كانت إفريقيا وجهة وزراء الخارجية الصينيين.
وتابع «إيكسينهاينيت»: أجرى رئيس أعلى هيئة تشريعية في الصين، تشانغ ده جيانغ، زيارة إلى دول زامبيا ورواندا وكينيا في آذار/ مارس الماضي لمدة 10 أيام، وحاليا، وزار كبير المستشارين السياسيين الصينيين، يو تشنغ شنغ، الجابون وكوت ديفوار وغانا.
وفي شهر تموز/ يوليو قام الرئيس الصيني شي جين بينغ نفسه بجولة رفيعة المستوى إلى عدة دول إفريقية، ما يشير إلى حجم الاهتمام الصيني بإفريقيا كقارة غنية، تحتاج فقط إلى تعاون دولي معها كي يخرج من الحالة الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها.