موقع متخصص بالشؤون الصينية

الإشتراكية والماركسية بألوان صينية وصيننتهما

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح:
*

النقلة الاقتصادية الهائلة التي حقّقتها جمهورية الصين الشعبية، بفضل تفعيل “حركة الإصلاح والانفتاح”، وتطوير جوهرها وأهدافها، وتعميق مكانتها في المجتمع الصيني، انعكس إيجاباً وازدهاراً على الصين دولة وشعباً، إذ أن التطوّر المُستدام أخذ بمئات الملايين من الصينيين إلى تحسين مستويات حياتهم، ومن ثمَّ أوصلهم الوضع الجديد الى “حياة رغيدة”، كما يتم وصفها صينياً للدلالة على القفزة الكبرى المُتحققة في الاقتصاد والتجارة وعلى مستوى الصين في العالم، إذ تمكنت الدولة الصينية الشعبية من تجفيف الفقر، بخاصة في القرى والأرياف، وحتى في مربعات بعض المدن، ومنها بيجين، وفي القريب سوف تودّع الصين الفقر نهائياً، بعدما قضت قبل ذلك على الفقر المُدقع.

في مايو/ أيار الماضي 2018م، أكد الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، “أنه وعلى الرغم من التغيّرات الهائلة والعميقة التي شهدها المجتمع البشري على مدار القرنين الماضيين، إلا أن إسم كارل ماركس لا يزال محترماً في جميع أنحاء العالم، بينما لا تزال نظريته تضيء بنور الحقيقة الساطع”. وبيّن “شي” كذلك، إلى “إن ماركس هو “أستاذ الثورة للبروليتاريا وجماهير العمال في جميع أنحاء العالم، والمؤسس الرئيسي للماركسية، ومُبدع الأحزاب الماركسية، والمُنشئ للشيوعية الدولية وأعظم مُفكّر في العصر الحديث”..

وجاءت تصريحات الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، شي جين بينغ – وهو يَشغل كذلك منصب رئيس اللجنة العسكرية المركزية- ، خلال مؤتمر كبير للاحتفال في الصين بالذكرى الـ200 لميلاد كارل ماركس، الذي وصفه “شي” بأنه شخصية عظيمة، وكذلك هي أعماله التاريخية، داعياً الى “مراجعة روحه النبيلة وأفكاره الرائعة”، وزاد “شي” عليها: بِمُثلٍ نبيلة ودون خوف من مواجهة الصّعاب والمحن، وطوال حياته، كرس ماركس نفسه للسعي الدؤوب من أجل تحرير الإنسانية، والارتقاء نحو قمة الأفكار سعياً للحقيقة، والقتال المتواصل لقلب العالم القديم وإقامة آخر جديداً.. وماركس ليس مجرد شخصية عظيمة حملت هموم العالم على عاتقها، لكنه أيضاً شخص عادي لديه شغف بالحياة، وكان صادقاً مخلصاً للصداقة.. وذكّر “شي” أيضاً: “أن الأصل الروحي الأكثر نفوذاً وتأثيراً، الذي تركه ماركس لنا، يتمثل بالنظرية العلمية التي سُمّيت بإسمه — “الماركسية”.. وزاد “شي”: كان ذلك “مثل شروق الشمس المُذهل، فقد أضاءت النظرية مسار استكشاف الإنسانية لقانون التاريخ، وبحثها عن تحريرها”..

لقد شكّلت تصريحات الأمين “شي” صدمة حقيقية لكل مَن لا يَعرف سياسة الحزب الشيوعي الصيني ومرتكزاتها ومنابعها الفكرية، حتى بين بعض الشيوعيين أنفسهم في أحزابهم العربية وغير العربية، إذ أوقفت هذه الكلمات كل مَن يُحاول التجنّي على الصين عند حدّه، وكشفت عن أن عداء هؤلاء للصين، وما يُعلنونه من “أسباب” للابتعاد عنها ورفض التنسيق معها، والتملّص من الإعلان حتى ولو عن موقف إنساني تجاهها، أو عن موقف حزبي إيجابي بشأنها – وهؤلاء قلّة بالمناسبة – ، هو مجرد عداء “كلاسيكي” لأجل البروز من خلال موقف وإن كان عدائياً (!)، أو ممارسة نقد لمجرد المتهان النقد والتفرّد والبروز من خلال “موقف” حتى وإن كان ناقصاً ومشوهاً (!).. فتكشّف بأن هذا الصِّنف من السياسيين، لم يبلغوا بَعدُ مبلغ الإدراك لسياسة الصين، ذلك أنهم لم ولا يعملون للآن على أنفسهم لأجل الإلمام بالسياسة الصينية وأيديولوجيتها، فابتعدوا بلا سبب وجيه عن أدبياتها وإبداعات الصين الفكرية، وها هم يواصلون السباحة في محيط قد يبتلعهم كما ابتلع غيرهم من قبلهم!

في الواقع، تبقى الماركسية الركن الأساس والمرجع الأول للحزب الشيوعي الصيني، وكما جاء في تصريحات الأمين “شي” وأدبيات الحزب الشيوعي الصيني مصداقاً لذلك: إن “الماركسية هي أساس الحزب الشيوعي الصيني، فالحزب الشيوعي الصيني كتب الماركسية على رايته بصرامة، ويُصر على استخدام الماركسية باستمرار لمراقبة تطور التاريخ الاجتماعي وتحليله، وورث الحزب الماركسية ويطوّرها في الممارسة، وجعل الماركسية سلاحاً أيديولوجياً قوياً للثورة الصينية والبناء والإصلاح”.

الى ذلك كذلك، يؤكد ويثبّت الحزب الشيوعي الصيني تمسّكه بالماركسية، ويزيد على ذلك، بأن “فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد يلتزم باستخدام الرؤية الكونية والمنهجية للمادية الجدلية والمادية التاريخية لفهم العالم وتحويله، والالتزام باستخدام المواقف الماركسية ووجهات النظر والأساليب لفهم المشاكل وحلّها، وهذا أتم التمسّك بالجوهر الروحي والنفس الحيّة للماركسية، وطوّر الماركسية في ظل الظروف التاريخية الجديدة أيضاً”. ويكرّر الحزب أيضاً بأنه من حيث الخصائص النظرية والطابع النظري، فأن “فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، قد حقّق درجة عالية من الاتّفاق مع التقليد الماركسي الذي ورثه”..

في التجربة الصينية لبناء الاشتراكية وازدهار النظام الاشتراكي الصيني، نلاحظ أن التقدم والازدهار الصيني لم يتم بدون الاستناد الى الماركسية اللينينية، في البدايات وخلال التطور والى الآن، فقد أبرز فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد انفتاح الفكر الماركسي والماركسية نفسها على كل مدارس التطور البشري، ورفضها للجمود العقائدي والتحوصل على الذات الذي شهدناه، بالمناسبة، في التجربة السوفييتية، التي انهارت، وأحد الأسباب الرئيسية  لإنهيارها هو جمودها الأيديولوجي، ورفض الحزب الشيوعي السوفييتي إجتراح إبداعات التطور والتطوير الفكري والمادي، فتحولت الماركسية في هذا الواقع المتشدّد، وبسبب الإنغلاقية الفكرية للرفاق السوفييت، إلى ميتافيزيقا وكتاب مقدّس، برفضهم لجوهرها الديالكتيكي الإبداعي.

أضف الى ذلك انتشار الفساد الواسع بأشكاله المختلفة داخل الحزب القائد أيضاً، وضعف عمليات الرقابة والتفتيش، وتراجع طليعية الرفاق فكرياً وروحياً، وتحوّلهم الى موظفين، يَسعون إلى مزيدٍ من المكاسب الشخصية المادية والمالية والإدارية، ومناصب النفوذ، وبعضهم تحوّل الى التنسيق مع المعسكر الامبريالي سراً، فنخرت سوستهم الحزب، وتحوّلوا الى عملاء للخارج وأعداء للحزب والوطن والقضية.

من الطبيعي والمنطقي أن تطوِّر الصين النظرية الماركسية بواقعها الصيني المتميز، وإنطلاقاً من خصائصها الصينية التاريخية والوطنية، لكون الماركسية نفسها فكر جدلي، ديالكتيكي. فالماركسية نظام نظري مفتوح ومتماشي مع الزمن، وهو لا يتوقّف، وهو كذلك شبيه بالزمن الذي يتقدم للأمام بلا تعب ولا وجل، ما أدى الى فتح طريق جديد يُفضي إلى الحقيقة التي تقول، أن التطوّر هو جوهر الماركسية التي تهدف الى خير المجتمع وتفضيل أساليب التطور الأمثل للشعب.

ومن الضروري، لفهم مقولة وواقع “الاشتراكية بألوان صينية”، أو مقولة “صَيننة الماركسية” في ظروف العالم المُعَاصِر، وتوحّش الرأسمالية في منع الصين من التطور، بمحاولة إغلاق الطُرق البحرية والبرية التي تربطها بالعالم، أن نعود سريعاً إلى الكلمات الذهبية للأمين “شي”، والتي جاء فيها: إن “تاريخ تطوّر الماركسية هو التاريخ الذي تطوّر فيه ماركس وإنجلز وخُلفاؤهم بشكل مستمر، وفقاّ للأزمنة والممارسة والفهم”.

من الصعب أن يبقى العالم ومفكريه بلا تقدم وبدون تطور وبعيداً عن مواقع الجدلية الفكرية، ولا يمكننا أن نتصور بقاء الجمود. فمن الواضح أن الطابع العالمي للتبادل الإنساني غدا أعمق وأوسع من أي وقت مضى، وصارت دول العالم أكثر ترابطاً من ذي قبل، وأصبح مصيرها مرتبطاً الى حد بعيد ببعضها البعض وبقراراتها المصيرية.

في الأدبيات الحزبية الصينية نقرأ، أن فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، يَلتزم باستخدام الماركسية في مراقبة وتفسير وقيادة الزمن وتطوير الماركسية نفسها، “وفقًا للممارسات الملموسة الغنية والملوّنة في الصين المعاصرة”، و “استيعاب جميع إنجازات الحضارات البارزة للبشرية على أساس الرؤية الواسعة وأفق التفكير الواسع للعالم” وليس الجامد. ومن الطبيعي والحتمي أيضاً، إمعان التفكير “في سلسلة من القضايا الاستراتيجية الرئيسية التي تواجه التنمية المستقبلية وفهمها، وتوسيع الآفاق الجديدة باستمرار، وإجراء التلخيص الجديد من الناحية النظرية، والتمسّك بتوجيه الممارسات الجديدة بالنظرية المتطورة، والاستمرار في التماشي مع الزمن في تعميق الاصلاح على نحو شامل”. .

ولذلك، يُعلن الحزب الشيوعي الصيني بدون أي توقف: “سوف نتعلم من الآخرين في التوسّع في الانفتاح، ونعمل باستمرار على تحسين أنفسنا”، ويضيف: ان فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، لا يَسعى فقط إلى سعادة الشعب وإلى نهضة الأمة، بل ويُسعى أيضاً إلى الوحدة العظيمة للعالم.. إنه ليس فقط الماركسية في الصين المُعَاصِرة، بل أيضاً أحدث التطورات والإنجازات الأخيرة للماركسية في القرن 21، بل أنه الماركسية الجديدة في القرن21”.

قبل أيام، أنتهت الدورة الثانية لمؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب البلدان العربية بنجاح منقطع النظير، إذ إطّلعت هذه الأحزاب ومجموعة من ممثلي العقول العربية وبنوكها على التجربة الصينية، وأقروا بياناَ مشتركاً سمّوه (إعلان هانغتشو 2018)، الذي هو الأول من نوعه في جَمع مختلف التيارات السياسية والفكرية، من اليمين الى اليسار، ومروراً بالوسط.

وقد شكّلت هذه التظاهرة السياسية الدولية اللافتة، صرحاً وحالة وواقعاً جديداً لتفاهم الشعوب، من خلال تفاهم أحزاب تلك الشعوب وتقاربها على مشتركات إنسانية برعاية حزبية صينية، ولالتفافها حول وثيقة مشتركة، باتت تشكل أرضية جديدة للتفاهم ما بين عقول منفتحة ومتفتحة على التطور العالمي وتاريخ وتطوّر الصين في سكّة إشتراكية، تأخذ بعين الاعتبار أرضيتها الماركسية الجدلية من جهة، ومن الجهة الأخرى استنادها إلى “الماوتسيتونغية”، ومروراً بإعتمادها أفكار الإصلاح والانفتاح لـِ “دنغ شياو بينغ”، ووصولاً إلى محطتها الحالية التي ترفع أفكار شي جين بينغ الإبداعية الى السماء، والتي إزدهرت الصين بها وتحت مظلتها بصورة وواقع لم يسبق لهما مثيل.

كل ذلك وغيره، أكد ويؤكد نجاعة الماركسية المُثمرة كثيراً في الواقع الصيني وضمن خصائصه، إلى جانب النجاح الذي أصاب النظرية الماركسية في أرض الصين، من خلال تمسّك الحزب الشيوعي الصيني بنظرية “المسؤولية” عن مصير الأمة الصينية والعالم، هذا العالم الذي يَنظر اليوم الى الصين بعيون متفائلة على أنها قوة اقتصادية وسياسية كبيرة ومُقرِّرة، تستطيع إسعاد ناس الكون، لكونها تعمل بقدرة نافذة على تعظيم الإنجازات الفكرية والثقافية البارزة في تاريخ البشرية، وفتح المجال أمامها نحو حياة جديدة ومزدهرة، على قاعدة تمسّك الحزب والصين بمبدأ “الفوز المشترك”، ونظرية “رابح – رابح”، التي ترفض النظرية التاريخية الغربية الماضوية الاستعمارية “رابح – خاسر”، والتي أدمت العالم، وقسّمت الشعوب، ونشرت العداء بينها، وسمّمت السياسة الدولية، ونثرت الأحقاد في كل البقاع، وكبّلت البشر بشعار “القيمة الأعلى هي للمال”، ما أفضى إلى حروب ومجاعات وأحقاد تاريخية، استولدها التركيز الأمريكي والغربي الشرس على صناعة السلاح بدلاً عن صناعة الحياة.

  • الاكاديمي#مروان_سوداح: رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء وحُلفاء #الصين.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.