موقع متخصص بالشؤون الصينية

سياسة القوميات في الصين بين الحملة الغربية.. والرد عليها

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
أوروموتشي ـ محمود ريا:

 

تستعر الحملة الغربية ضد الصين في ما يتعلق بوضع المسلمين فيها، حيث لا تخلو صحيفة أو نشرة أخبار أو موقع إلكتروني من موضوع جديد يتحدث عن جزئية من جزئيات “الانتهاكات المنظمة لحقوق المسلمين في الصين” ولا سيما في مقاطعة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الويغور التي تقع في شمال غرب الصين.

ولم تقتصر الحملة على كونها حملة إعلامية، بل توسعت لتأخذ طابع الهجوم المبرمج المركّب من عدة مصادر في وقت واحد، وصولاً إلى التصريحات والتحركات السياسية التي تقوم بها العديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وتركيا على سبيل المثال.

وقد لاحظ المتابعون ارتفاع نبرة التصريحات الأميركية التي تأخذ طابع الدفاع عن حقوق الإنسان، والتي تزامنت مع مناقشات في الكونغرس الميركي لحالات محددة تدّعي قيام الصين بممارسات غير إنسانية بحق المسلمين، كوضعهم في معسكرات اعتقال، ومنعهم من استخدام لغاتهم الخاصة، أو إجبارهم على تناول الطعام غير الحلال وشرب الخمر، أو تدمير مساجدهم، وغير ذلك من الإدعاءات التي لم يُقدّم عليها أي دليل ملموس.

في الجانب الآخر تحدث مسؤولون أتراك عن هذه الانتهاكات نفسها، وزادوا عليها الحديث عن اعتقال مطرب مشهور وقتله في السجن، وبعض الأحداث الأخرى التي تهيّج الرأي العام العالمي ضد الصين، وتساهم في الحملة الإعلامية المتصاعدة ضد الصين.

إزاء هذا الهجوم المدروس، لم تقف الصين مكتوفة الأيدي، بل ردّت بهجوم مضاد، تمثّل في عدد من الإجراءات العملية التي بدأت تأخذ صداها في الإعلام العالمي، بحيث يمكن ملاحظة تأثيرها من خلال مؤشرات محددة يمكن تلمّسها.

ففي الدرجة الأولى خرجت الصين، من خلال وزارة الخارجية والمؤتمرات الصحافية للناطقين باسمها، لكشف زيف الادعاءات التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية ومن ورائها المسؤولون الغربيون وغيرهم. فكشف هؤلاء الناطقون عن كذب المزاعم التي قدمتها الولايات المتحدة حول امرأة من الأقلية الإيغورية المسلمة تعرضت لـ “التعذيب” في المعتقلات الصينية قبل أن “تتمكن من الفرار”.

فقد نشرت قناة (سي إن إن) تقريرا الشهر الماضي، يورد ادعاءات امرأة ويغورية اسمها ميهريغول تورسون بأن ابنها توفي في عام 2015 عندما تم احتجازها من قبل السلطات الصينية في أورومتشي، حاضرة منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم في شمال غربي الصين. كما ادعت أنها عاشت في “زنزانة مكتظة بأكثر من 50 امرأة أخرى” وشهدت “وفاة تسعة من المعتقلين بسبب ظروف معادية”.

وجاء الرد الصيني واضحاً ومفصلاً ودون أي لبس حول ظروف احتجاز هذه المرأة، بحيث أنه أظهر حجم الكذب الذي تتضمنه الرواية المنشورة عنها.

وبما أنه، واستناداً إلى ما قالته ميهريغول، تقدم أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي بينهم ماركو روبيو بمقترح “قانون سياسة حقوق الإنسان للويغور” في الكونغرس، فقد أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ “أنه من غير المقبول تماما أن يقوم أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بتوجيه اتهامات لا أساس لها، والقيام بهجمات وافتراءات وتشويه لسمعة الحكومة الصينية والسياسة الصينية إزاء القوميات، وذلك على أساس الأكاذيب والشائعات التي يقدمها الكذابون”.

وقالت هوا :”إن مثل هذه المهزلة تكفي لمرة واحدة، وإلا فإن سمعة الولايات المتحدة سوف تتضرر بشكل خطير”.

إلى ذلك ردّت هوا تشونغ يين على ادعاءات مماثلة من المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، والتي جاء فيها أن الموسيقي الويغوري الشهير عبد الرحيم هييت مات بعد عام من احتجازه.

وقالت هوا “الحقيقة هي أنه على قيد الحياة ويتمتع بصحة جيدة. رأيت مقطعه المصور على الإنترنت أمس.”

وتابعت “بيان تركيا يقوم على كذبة سخيفة. هذه الخطوة المتمثلة في توجيه اتهام لا أساس له ضد الصين خاطئة وغير مسؤولة للغاية. نحن نعرب عن معارضتنا الشديدة لذلك.”

هذه الردود الصينية الواضحة والمحددة والصادمة ترافقت مع تصريحات من حاكم مقاطعة شينجيانغ شوهرات زاكير الذي تحدث بصراحة عن سياسات الحكومة الصينية المركزية وسياسات مقاطعة شينجيانغ للقضاء على الإرهاب دون توقف، قائلاً: ” سنجعل الهجمات الإرهابية المتكررة شيئا من الماضي، وسنضع حدا للحقبة التي عاثت فيها القوات الانفصالية في المنطقة. والأهم من ذلك أننا سنجعل من الأوقات التي لا يشعر فيها الناس بالأمن شيئاً من الماضي”.

وآضاف شوهرات: ” نأمل أن يستمتع السياح من داخل البلاد وخارجها بزياراتهم لشينجيانغ وأن يسعوا للبقاء فيها “، مؤكداً أن المنطقة ستواصل جهودها للقضاء على التطرف وفضح أولئك الذين يدعمون الإرهاب والتطرف والانفصالية بشكل سري.

لم تكتف القيادة الصينية بذلك، بل عمدت إلى تنظيم عشرات الزيارات لصحافيين ومسؤولين دوليين ووفود مختلفة إلى منطقة شينجيانغ لتعريف هذه الشخصيات العالمية على الوقائع بشكل مباشر ودون وسيط، كي تتمكن هذه الشخصيات من نقل الصورة الحقيقية لحالة التنمية الاقتصادية المتصاعدة في المقاطعة من جهة، والأوضاع الطبيعية القائمة على احترام حقوق المواطنين الأساسية بما يترافق مع احترام الدستور الصيني والقوانين المرعية الإجراء، من جهة أخرى.

ويأتي المؤتمر المنعقد الآن في مدينة أورومتشي، حاضرة مقاطعة شينجيانغ بعنوان: سياسة الصين الإثنية والتعريف بالوحدة والتضامن بين المجموعات القومية: التطبيق والإنجازات، بمشاركة أكثر من ستة عشر وفداً تضم مئات القيادييين من عشرات الأحزاب العالمية القادمة من حوالي 43 دولة، يأتي كخطوة صينية متقدمة لدحض كل الشائعات المتعلقة بشينجيانغ.

فهذا الحضور الدولي الكبير الذي جال في مناطق كثيرة من مدينة أوروموتشي شاهد بأم العين استعمال الإيغوريين للغتهم دون أي عوائق، فهي منتشرة في كل المحلات والمؤسسسات، بل إنه لا توجد لافتة واحدة في كل أحياء المدينة غير مكتوبة باللغتين الصينية والإيغورية على حد سواء.

كما زارت الوفود مسجداً ومعهداً لتخريج الأئمة للاطلاع على الأوضاع الدينية للمسلمين الإيغور في المقاطعة.

ومن أجل التعرف على النهضة الاقتصادية التي تشهدها هذه المناطق التي يستهدفها الإعلام بسهامه وسمومه، زارت الوفود مصنعاً ضخماً لإنتاج البلاستيك والنايلون بأحدث التقنيات، وباستخدام الروبوتات في أكثر من مجال، وهو المصنع الأكبر على مستوى الصين كلها في هذا المجال. كما تعرفت الوفود على الصناعة المزدهرة للذهب في المقاطعة من خلال جولة في المعرض الدائم للمشغولات الذهبية في أوروموتشي، والذي يضم نماذج لأهم المصوغات بالذهب والحلي المصنوعة من حجر اليشم الكريم، كما يضم مشاغل لإنتاج المشغولات الذهبية بالآلات وبالعمل اليدوي.

أما المؤتمر، الذي يعقد غداً في صالة المؤتمرات الكبرى في أورومتشي، فسيكون فرصة لعرض السياسة القومية التي تتبعها الصين، والإنجازات التي تحققت على صعيد تعميق التفاهم والتضامن والتعايش الحقيقي بين القوميات الصينية المختلفة، وهو الموضوع الذي يستحق إفراد مقالات عديدة خاصة به في المقبل من الأيام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.