موقع متخصص بالشؤون الصينية

البقاع اللبناني وجهة الصينيين… والخير آت ٍ

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. تمارا برّو:

المعروف عن الصينيين أنهم شعب عملي ومثابر لا يحد نفسه بالتفكير في الحاضر، بل ينظر دائماً إلى المستقبل، يستغل جميع الفرص للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والنفع المتبادل. في الوقت الذي تعاني البلدان العربية من تخبطات وتوترات ومظاهرات وجدال حول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ودعوتها لحضور القمة العربية في تونس، وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم توترات سياسية واقتصادية، وانشغاله بتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرسوم يعترف بسيادة “اسرائيل” على الجولان المحتل، كان الصينيون في المقلب الآخر يسعون للمساهمة في عمليات إعادة إعمار سوريا، فوجدوا أن لبنان سيكون بوابة العبور نحو سوريا، بسبب قربه منها.

إن استعداد الصين للمشاركة في إعادة إعمار سوريا ليس وليد اليوم. ففي العام 2017 أبدى وزير خارجية الصين وانغ يي في أثناء لقائه مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان جهوزية الصين للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، وهو ما أكد عليه شيه شياو يان، المبعوث الصيني الخاص إلى سوريا، حيث اعتبر أن الصين مستعدة للمشاركة في إعادة الإعمار من دون أي شروط مسبقة وذلك بعد انتهاء الحرب.

إن رغبة الصين في المشاركة بإعادة إعمار سوريا تعود لأسباب عدة. فالصين لم تشارك في العمليات العسكرية في هذا البلد لأنها ترفض استخدام القوة لحل النزاعات وتدعو لعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهي تعنى بالإنماء والتطوير الاقتصادي وإنشاء علاقات اقتصادية تعود بالنفع المتبادل. وتسعى الصين إلى تطوير علاقاتها مع سوريا التي تقع ضمن مشروع طريق الحرير الجديد الذي أطلقه الرئيس شي جين بينغ في العام 2013. كما أن سعي الصين للمشاركة في إعادة الإعمار نابع من امتناع الدول الغربية عن المشاركة في هذه العملية إلا في حال التوصل لحل سياسي، وتهديد الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات على كل الشركات الاقليمية والأجنبية التي ستساهم في إعادة الإعمار.

وبالعودة إلى الدور الاستراتيجي للبنان في إعادة إعمار سوريا، قامت وفود صينية بزيارة مناطق لبنانية لتنفيذ مشاريع اقتصادية كي تكون نقطة الانطلاق إلى دول مجاورة. فالصين ، كما قال رئيس غرفة التجارة الدولية لطريق الحرير لوجيان تشونغ، مهتمة بجعل لبنان مركزاً للتجارة العربية وللعبور من خلاله إلى المنطقة. وشكل ميناء طرابلس محط اهتمام الصينيين حيث تتجه الأنظار إليه كمركز لوجستي مركزي لشحنات إعادة الإعمار القادمة من الصين إلى سوريا. ويذكر في هذا الإطار، أن ميناء طرابلس، الذي يبعد 35 كلم عن الحدود السورية، استقبل أضخم سفينة منذ نشأته في العام 1952، وهي باخرة الحاويات الصينية Nerval  التابعة لشركة  CMA CGM الصينية، كما رست فيه سفينة شحن تابعة لشركة كوسكو COCSO المملوكة للحكومة الصينية، بهدف افتتاح طريق بحري جديد يربط الصين بالبحر الأبيض المتوسط.

 

وقبل أيام قليلة تفاجأ اللبنانيون عامة والبقاعيون خاصة بتقرير نشر على وسائل الاعلام اللبنانية يتحدث عن أن شركات صينية تسعى إلى إنشاء مركز تجاري ضخم في منطقة البقاع الأوسط، وذلك من أجل تلبية احتياجات الأسواق اللبنانية والسورية والعراقية والأردنية. ومن أجل تحقيق هذا المشروع، تم اختيار كاسكادا مول  CASCADA Mall الموجود في البقاع الأوسط مكاناً لتجمع الشركات الصناعية والتجارية التي يفوق عددها 350 مؤسسة صناعية، مع احتمال أن يصل العدد إلى 2000 مؤسسة وذلك لمدة 15 سنة. وبعد الاتفاق مع أحد نواب البقاع (سيزار المعلوف) تم اختيار المجمع السياحي الذي يملكه النائب في منطقة مكسه البقاعية والقريبة من مجمع الكاسكادا للإقامة فيه. وفي إطار دراسة هذا المشروع، أجرى الوفد الصيني لقاءات مع نواب وسياسيين لبنانيين لاستطلاع آرائهم حول المشروع المذكور، وكان لهم لقاء مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لتقديم التسهيلات اللازمة بهدف اقامته. وفي الوقت عينه، زار النائب اللبناني سيزار المعلوف رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وأطلعه على تفاصيل المشروع التجاري، فأبدى الأخير جهوزيته الكاملة اتجاه أي خطوة لصالح البقاع. أما عن سبب اختيار منطقة البقاع الأوسط لتكون محط عبور الصينيين نحو سوريا، فهذه المنطقة قريبة من الحدود السورية حيث يبعد المجمع التجاري الذي سيستقبل الشركات والمؤسسات الصينية نحو 35 كلم عن دمشق ، وعن بيروت أيضاً.

 

لبنان الذي يعاني من أزمة مالية، مدعو اليوم لعدم تفويت الفرصة والسعي لملاقاة الصين في مشروعها الذي سوف لن يعود بالنفع على الصين وحدها، بل على لبنان ودول المنطقة أيضاً. فهذا المشروع الاقتصادي الضخم سيشكل مدخلاً مهماً لتنشيط الحركة الاقتصادية وجذب التجار العرب إلى المنطقة ، وسيوفر العمل للآلاف من الشباب اللبناني ، وسينعش منطقة البقاع التي تعاني من حرمان واهمال منذ زمن، وعلى أمل ان نرى البقاع اللبناني شنغهاي الثانية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.