موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين: قَصم ظَهر الفَسَاد والمُفسِدِين ضَمانة لحَياة فُضلَى

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
مَارينَا سودَاح*:
قبل أيام قليلة، تناقلت وسائل الإعلام الدولية أخبار حادثة بارزة لمكافحة الفساد في الصين، وهي الحُكم الذي صدر بحق المدعو “لو ويي”، النائب السابق لرئيس إدارة الدعاية في الجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إذ أودع السجن لمدة 14 عاماً، وبدفع غرامة مقدارها 3 ملايين يوان صيني (نحو450 ألف دولار أمريكي)، وذلك بتهمة الحصول على رشى.
وحكمت المحكمة أيضاً بمصادرة الأموال والممتلكات التي حصل عليها المحكوم عليه في شكل رشاوى، وكذلك مصادرة الفائدة الناتجه عنها، وإعادتها إلى خزانة الدولة وفقاً للحُكم، وأعلن “لو” قبوله للحكم في المحكمة، وقال إنه لن يستأنف.
وجاء في جريدة “الشعب” الصينية الناطقة بإسم الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، أن “لو” استغل مناصبه الرسمية لمساعدة منظمات وأفراد مُحدّدين في إدارة الانترنت، وفي إدارة شركات، وفي الحصول على ترقيات، وفي النقل الوظيفي في الفترة ما بين 2002 و2017، وبأنه وافق بشكل مباشر، أو من خلال آخرين، على قبول أموال وممتلكات بقيمة 32 مليون يوان من المنظمات والأفراد السابق ذكرهم، وفقاً للمحكمة.
من ناحيتها نوّهت “شبكة الصين دوت اورغ”، إلى أن سقوط فاسدين آخرين منهم “تشو يونغ كانغ” عُضو اللجنة الدائِمَةِ السابقِ لِلمكتبِ السِّياسيِّ، و “شو تساى هو” نَائب رئيسِ اللجنةِ العسكريّةِ المركزيةِ السابقِ، وعدد من القيادات على جميع المستويات، بداية من القيادات العليا، إلى المستويات القاعدية التي تضم مسؤولين من المستوى المتوسط والمستويات الدنيا، هُو بِمَثابةِ إِجابةٍ نمُوذجيةٍ للمشكِّكينَ في جهودِ الحزب الشيوعي الصيني في اجتثاث آفة الفساد. كما وأشار المصدر نفسه (16 أُكتوبر2017) إلى أنه ومنذ أن بدأت سلطات الأمن العام الصينية حملة مكافحة الفساد “في الخارج”، عام ألفين وثلاثة عشر، “تم احتجاز نحو ألفين وخمسمائة هارب، وأعلنت وزارة الأمن العام، أنها خلال العام 2016 وحده، ألقت القبض على نحو ألف هارب في إثنتي وسبعين دولة، واستعادت نحو مئة وخمسين مليون دولار. كما ضبطت الشرطة أكثر من380 حالة فساد لها علاقة بالمصارف السرية وغسل الأموال، وأغلقت أكثر من خمسمئة بنك غير قانوني”.
من الضروري التنويه هنا أيضاً، الى أن “دستور الحزب الشيوعي الصيني” المُعدّل، يُلزم ببذل الجهود الشاملة “لضمان مواصلة الحرب ضد الفساد.. وتعزيز القدرة على التنقية الذاتية والتكميل الذاتي والتجديد الذاتي والترقية الذاتية باستمرار، وفقاً لقرار تم الموافقة عليه أثناء المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني”، وهذا بحد ذاته ذخيرة حيّة لتعظيم مسيرة الصين برمتها، للتخلص من الفساد بأشكاله كافة، وقصم ظهر كل مَن تسوّل له نفسه السير في هذا الطريق المِعوج.
إن محاكمة المسؤول الحزبي الصيني المُشار إليه أعلاه، هو حادثة واحدة من حوادث كثيرة تجري لمحاسبة الفاسدين في قمة هرم السلطة الحزبية والحكومية، وعلامة على أن حملات المكافحة هي نهج ثابت لا تراجع عنه، ويَحظى بدعم الأمين العام “شي” الذي حقّـق إختراقات جوهرية في مسألة مكافحة الفساد، وفي غيرها من أهم الاتجاهات في حياة الصين دولة وشعباً، فقد سبق وأكد “شي” بأن “النزاهة السياسية ستكون المعيار الأهم لاختيار المسؤولين”، مما شَكّل مِثالاً يُحتذى لكل المجتمع الصيني في شكل وطبيعة وجوهر المسؤول الصيني إيّاً كان موقعه للسير في طريق هذه المكافحة، وبخاصة في تصديه للفسادين الاقتصادي والسياسي، دون خشية من شيىء، ولذلك صارت الصين تنشغل في عهد الأمين العام المِقدام شي جين بينغ بهذه القضية التي غدت قضية حياة أو موت بكل ما في الكلمة مِن معنى، ففي الصين يرون بأنها تبرز كنقلة مفصلية ونوعية لجهة ضمان تقدّم الدولة وتنفيذ مهمات الحزب في تحقيق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وفي تذليل مختلف العقبات الاقتصادية والاجتماعية العالقة، ومن أجل ضمان حقوق المواطنين والدولة فعلاً لا قولاً، وبهدف إعطاء مِثال محلي وعالمي يُحتذى في مكافحة الفساد، الذي هو آفة قد تستفحل وتشكّل خطراً على الحزب والدولة والمجتمع ومكانة الصين دولياً ومِثالها غير المسبوق بشرياً في حالة عدم مجابهة الفساد بصرامة أو في مجابهته بضعفٍ، لاسيّما من أعلى إلى أسفل، ولهذا فقد أعطى الأمين العام للحزب “شي جين بينغ” الضوء الاخضر في مكافحة الفساد منذ توليه السلطة في الحزب والدولة، ماشكّل صمّام آمان لجميع مكافحي الفساد، لإجتراحه مأسسة نظام مكافحة الفساد، مما شجع الصينيين على بذل المزيد من الجهود لملاحقة “النمور” العدوانية والنيل منها، وصيد “الذباب” القذرة على حد سواء، لتخليص المجتمع منهم الى غير رجعة، وهذا المشوار صار يؤتى أُكله ويَحظى بقاعدة جماهيرية داعمة.
في ديسمبر 2018، ترأّس شي جين بينغ، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، اجتماعاً للمكتب السياسي للجنة المركزية، حيث درس الاجتماع العمل الاقتصادي لعام 2019، ووضع خططاً لبناء سلوك جيد وإستقامة سياسية داخل الحزب، وكذا مكافحة الفساد، ومنذ المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني، تحقق نصر كاسح في الحرب على الفساد وأُحرزت نتائج كبرى في ممارسة الحوكمة الكاملة والصارمة على الحزب، لكن الحرب على الفساد، بحسب التقدير الرسمي، لا تزال خطيرة ومعقدة، كما أن الحوكمة الصارمة على الحزب لا تزال مهمة طويلة وشاقة، بحسب المعلومات الراشحة من اجتماع المكتب السياسي، الذي أكد أنه يجب الالتزام بالانضباط الصارم على أساس طويل الأجل، وضرورة إتخاذ خطوات “لمكافحة الشكليات التي يتم إيجادها من أجل الشكليات والبيروقراطية”، وأهمية ضمان تنفيذ القرارات والخطط الرئيسية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وبذل الجهود لتطوير أنظمة وآليات جديدة لفحص الانضباط والرقابة، والقيام بابتكارات رائدة في التنظيم والرقابة طويلة الأجل، ومكافحة الفساد الذي يمس حياة المواطنين العاديين أيضاً.
ودلالة على عمق الحملة لمعاقبة الفاسدين ومكافحة الفساد، وحتى داخل الحزب الشيوعي الصيني، فقد كشفت مجلة الصين اليوم”، (عدد أبريل 2018)، أن اللجنة المركزية لفحص الانضباط في الحزب الشيوعي الصيني “نجحت حتى الآن في أداء المهام الموكلة إليها بفعالية عالية، فقد تم ضمن حملة مكافحة الفساد سجن أو معاقبة ما يقرب من 4ر1 مليون عضو في الحزب، منذ عام 2012، وشملت العقوبات التحذيرات، وخفض الرُّتب، والطرد من عضوية الحزب، والإقصاء من المناصب.. وخرجت المجلة باستنتاج مفاده: “حظيت جهود محاربة الفساد هذه بدعم شعبي كبير”.
في الصين يؤكدون بحق، أن ازدهار الدولة الآن وفي المستقبل إنما يتطلّب تقييد حرية التصرف الإداري التي يتمتع بها المسؤولون الحكوميون، والحد من سلطة الشركات المملوكة للدولة وإعانات الدعم المقدّمة إليها، وتعزيز سيادة القانون ونفاذه الفوري، من خلال تطوير نظام قضائي مستقل، ويشدّدون على ذلك، وفي طليعة أولئك المُشدّدين الأمين العام للحزب شي جين بينغ، الذي دعا جهاراً في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ال19 للحزب الى اجتثاث الفساد بقوله: أن الفساد هو “أكبر تهديد” يواجهه الحزب على أن التحدي الأكبر الذي يواجه الصين المُعَاصِرة هو: “مكافحة كل مظاهر الفساد واستغلال السلطة من قِبَل بعض المسؤولين في الحكومة والحزب..”، وذلك رغبةً ببناء مجتمع أمثل لا مكان فيه لغبنٍ ما وإهدار حقوق، وقد أكّدت حملة مكافحة الفساد والتي لم تتوقف في الصين، إن استعداد المواطنين الصينيين العاديين، أخيراً، لإدانة الفساد علناً هو في واقع الأمر تطوّر واقعي وجزء من التقاليد الجديدة المَحمودة والتي يجب تأصيلها، ويُلاحَظ بأنها تبشّر بتنامي مضّطرد للإصلاحات في مكافحة الفساد، ولاسيّما لما يتمتع به الجهاز القضائي المستقل من قوة، وللزوم الإفصاح المالي من قِبَل المسؤولين الحكوميين، وغير ذلك من المتطلبات التي تضمن الحد من الفساد وإحباطه.
ـ خلاصة القول، ونستشهد هنا بأقوال تشانغ وي قوه، النائب في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني: أن هذا العدد الكبير و”القياسي” للمدانين في قضايا الفساد، بمن فيهم عدد غير قليل من المسؤولين السابقين البارزين، أظهر عدم تسامح الصين مع الفساد، و “بالنظر إلى الانجازات التي تم تحقيقها في مكافحة الفساد خلال الأعوام الماضية، لدينا الثقة في أننا نستطيع ضمان تحقيق نصر ساحق على الفساد تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني.”

*كاتبة وناشطة وقيادية في الهيئة الاردنية للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدِقاء (وحُلفاء) الصّين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.