موقع متخصص بالشؤون الصينية

العلاقات الصينية العربية على ضوء رسالة شي إلى قمة تونس

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمود ريا:

 

يمكن اعتبار رسالة التهنئة التي أرسلها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بمناسبة انعقاد قمة جامعة الدول العربية في تونس دليلاً على مدى عمق العلاقات الصينية العربية، سواء تلك القائمة بين الصين والمؤسسات العربية وعلى رأسها الجامعة العربية، أو بين الصين والدول العربية كلّ على حدة.

ومع كون هذه الرسالة خطوة دبلوماسية معتادة في علاقات الصين مع المنظمات الدولية والإقليمية والدول، حيث تتميز الدبلوماسية الصينية بالتفاعل مع مختلف الأحداث في أنحاء العالم، فإن الرسالة الرسمية بمناسبة انعقاد القمة تؤشر إلى الأهمية التي توليها الصين لعلاقاتها الحالية والمستقبلية مع العالم العربي.

لقد تميزت لهجة الرسالة بالحرارة والودّ، لتظهر أن الصين مهتمة جداً بالعالم العربي، وأن الرئيس شي جينبينغ مهتم بشكل شخصي بتطوير الروابط وتوثيق التفاهمات مع الدول العربية ومع مؤسساتها الرسمية كالجامعة العربية. وهذا ما أكده الرئيس شي العام الماضي في كلمته أمام الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي حيث ركز على حيوية العلاقات بين الجانبين وعلى أهمية تحويلها إلى شراكة استراتيجية متكاملة تخدم تطلعات وآمال الأمتين العربية والصينية وتساهم في قيام العالم ذي المصير المشترك، وهو عالم يدعو الرئيس شي دائماً إلى بناء العلاقات العالمية بشكل يؤدي إلى نشوئه، ليكون البديل عن العالم القائم على الصراعات والمشاكل الذي نعيش فيه اليوم.

ما يمكن قوله عن العلاقات العربية الصينية حالياً إنها علاقات جيدة جداً وهي تتنامى بشكل دائم على مختلف المستويات.

بالطبع يبدو التطور على المسار الاقتصادي هو الأكثر بروزاً نظراً للقدرة على تقييمه انطلاقاً من الأرقام والبيانات الدقيقة. فالصين أصبحت شريكاً استراتيجياً للعديد من الدول العربية، وهي الشريك التجاري الأول أو الثاني لمعظم هذه الدول، وهذا تقدم كبير جداً نظراً إلى ما كان عليه الوضع قبل سنوات فقط. وتتعزز الاستثمارات الصينية على مدى الأرض العربية، وكذلك استثمارات الدول العربية الغنية في الكثير من المناطق الصينية، والمجال مفتوح تماماً لتعزيز هذه الاستثمارات المتبادلة نظراً للرغبة المشتركة في ذلك. كما أن هناك الكثير من المشاريع العملاقة التي تقوم بها شركات صينية في انحاء العالم العربي، في مختلف مجالات النقل والصناعة والإعمار، وهذا كله قابل للتطور بشكل أكبر وأسرع في المستقبل.

إلا أن هذه العلاقات الاقتصادية ليست هي الوجه الوحيد لتطور العلاقات بين الجانبين، فنحن نشهد خلال السنوات الماضية تنامياً للعلاقات السياسية والدبلوماسية، بحيث بات التشاور والتعاون هو السمة الفعلية لهذه العلاقات، بعد مرور فترة من الوقت كانت سمتها التجافي والتجاهل، نظراً للظروف الإقليمية والدولية التي كانت قائمة آنذاك.

ومن مظاهر هذا التناغم في العلاقات قيام مؤسسات ثابتة لتنظيم الروابط العربية الصينية، مثل منتدى التعاون العربي الصيني والمؤسسات المتفرعة عنه، والمؤتمرات المشتركة للبرلمانات، والأحزاب، والجامعات وغيرها من مجالات التعاون.

كما شهدت السنوات الماضية تصاعداً في تعزيز ما يمكن تسميته بـ “الدبلوماسية الشعبية”، حيث نشهد زيارات مكثفة وعلى مختلف المستويات لشخصيات صينية إلى دول العالم العربي، ولشخصيات عربية إلى أنحاء الصين، ما يفتح آفاقاً جديدة للتعامل المباشر والشخصي بين أبناء الأمتين، فيكون ذلك بوابة للتفهّم والتفاهم، ولبناء علاقات متينة تشكل جذوراً حقيقية، تمد العلاقات الرسمية بالحيوية والغذاء.

إلا أن هذه العلاقات، ومع كل التطور الذي تشهده، لم تبلغ ذروتها بعد، وما يزال هناك الكثير مما يمكن فعله، ومما يتوجب فعله، للوصول إلى مرحلة من التصاعد الثابت، الذي لا يمكن الرجوع عنه، لتطور العلاقات. ولعلّ انخراط الدول العربية في مبادرة الحزام والطريق التي دعا إليها الرئيس الصيني شي جينبينغ يشكل الرافعة الموثوقة لحصول هذا التطور المتصاعد. فهذه المبادرة تؤمن كل البنى التحتية والقنوات الرسمية والفرص الشعبية للانتقال بالاتفاقات بين الجانبين إلى مرحلة البناء الثابت والمستقر والمتصاعد، دون أي فرصة للتراجع أو الضمور أو الانهيار. فالمبادرة هي الأرضية المناسبة لمأسسة التفاعل بين مختلف الأمم التي يمر بها طريق الحرير الجديد، وعلى رأس هذه الأمم الأمة العربية التي تشكل ممراً طبيعياً لهذا الطريق الذي يفتح كل الآفاق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للتواصل بين الأمم.

إلا أن هذه الصورة الوردية والمبهجة تعاني من بعض الظلال التي تفرض نفسها عليها في أكثر من مجال. ولعلّ “التدخل الأجنبي” في مسار العلاقات العربية ـ الصينية هو الأكثر تأثيراً من الناحية السلبية في هذه العلاقات.

من المعروف أن الدول العربية مرتبطة بعلاقات وثيقة وتحالفية مع قوى عظمى لديها شكوك تجاه مبادرة الحزام والطريق من ناحية، وتجاه توثيق العلاقات الصينية ـ العربية من ناحية ثانية. وأي تأزيم في العلاقات الصينية مع هذه القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية يرجح أن يفرض نفسه على العلاقات الصينية العربية في أكثر من مجال.

وبوضوح أكثر فإن العديد من الدول العربية مستعدة لتعزيز العلاقات مع الصين في مختلف المجالات وإلى أبعد الحدود، طالما أنها لم توضع في موقع الاختيار بين العلاقات مع الصين والعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، لأنه في مثل هذه الحالة لا تملك العديد من هذه الدول الفرصة لاختيار قطع العلاقات مع الولايات المتحدة بسبب العلاقات التحالفية والاستراتيجية سياسياً وعسكرياً وأمنياً مع واشنطن، وفي هذه الحالة تصبح العلاقات بينها وبين الصين على المحك.

إزاء هذا الواقع، تبدو العلاقات العربية الصينية قابلة للتطور والتنامي طالما بقيت منظومة العلاقات الدولية قائمة على التعاون والتنافس الودي بين القوى العالمية، أما إذا تحولت البيئة العالمية إلى بيئة عدائية تقوم على أساس الحروب الاقتصادية والحروب الباردة سياسياً وعسكرياً، فإن هناك مخاطر جمّة ستتهدد مسيرة تطوير العلاقات العربية الصينية.

على صعيد آخر، وفي داخل منظومة العلاقات العربية الصينية، نجد أن الصين تركز علاقاتها مع الأجهزة الرسمية والمؤسسات العامة، وهذا الأمر جيد ومفيد بشكل إجمالي، ولكن هناك في العالم العربي الكثير من القوى التي لا تتبع للحكومات ولا تعمل في إطارها، وهذه القوى لها وجودها وتأثيرها العميق على أرض الواقع، ولذلك ينبغي أن تلتفت المؤسسات الصينية إلى كيفية تعزيز العلاقات معها، لأن هذه المنظومات الخاصة هي الأقدر على خلق علاقات حقيقية ومستدامة وعميقة بين الأمتين العربية والصينية، بغض النظر عن مواقف الحكومات التي يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها.

ولا يمكن أن ننسى في هذا المجال الدور المسيء الذي تلعبه المنظومة الإعلامية الغربية والتي تساندها بعض وسائل الإعلام العربية، والتي تقوم بتشويه صورة الصين في الكثير من المجالات، ما يخلق عوائق نفسية أمام السير بالعلاقات العربية الصينية نحو الأفضل. ويمكن ذكر بعض خطوط التشويه بشكل سريع، مثل الحديث عن رداءة المنتجات الصينية، أو عن استعداد الصين لـ “غزو” العالم العربي، أو عن وضع المسلمين في الصين، والتركيز على التضييق المزعوم على المسلمين في مقاطعة شينجيانغ. وأمام هذا الواقع يبدو من الضروري أن تعزز الصين وضع وسائل الإعلام التابعة لها والناطقة باللغة العربية من أجل التصدي لهذه الحملات الإعلامية القاسية. ومع التطور الذي نشهده لوسائل الإعلام هذه خلال السنوات الماضية، فالواقع يقول إن هذه المنظومة الإعلامية الصينية لم تستطع حتى الآن الوقوف بوجه وسائل إعلامية عالمية وعربية عريقة تشن حملات بروباغندا إعلامية مسيئة للصين.

بالإجمال، نحن نشهد نمواً كبيراً للعلاقات العربية الصينية، وهناك جهود ضخمة تبذل من كلا الطرفين العربي والصيني لتعزيز هذه العلاقات، إلا أن هناك المزيد من الجهود التي ينبغي أن تُبذل من أجل الوصول بهذه العلاقات إلى المستوى المنشود لدى الأمتين العربية والصينية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.