موقع متخصص بالشؤون الصينية

في الذكرى السبعين على تأسيسها: جمهورية الصين الشعبية تزدادُ تألقا وقوة

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق*:

عاما بعد عام تثبت الصين للعالم أنها الدولة الأهم تجاريا وتكنولوجيا وعسكريا وعلميا، وهي في تقدم دائم ومستمر وبوتيرة متسارعة. إنَّ الصين الحالية التي سوف تحتفل بعيد تأسيسها السبعين في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام لا تشبه الدولة التي تركها المؤسس والأب الروحي ماو تسي تونغ، ولكن مما لا شك فيه أن الروح الصينية لم تتبدل والقيم التي تربى عليها الجيل السابق هي ذاتها القيم التي يتم تنشئة الجيل الصاعد عليها.

سبعون عاما كانت كافية لجعل الصين واحدة من أعظم دول العالم وأخطرها على الاطلاق على من استبد في الأرض وحكم العالم دون حسيب أو رقيب. إنَّ ما قامت الصين بصنعه في فترة قصيرة من الزمن يثير الدهشة ويمكن وصفه بأنه “معجزة القرن الواحد والعشرين”، وهذا بالطبع ما كان ليصبح حقيقةً على أرض الواقع لولا اتحاد الشعب الصيني ووقوفه صفا واحدا وراء قيادته الحكيمة، بالاضافة إلى المساحة الجغرافية الكبيرة للأرض الصينية، والأهم من ذلك حسن ادارة الموارد الطبيعية والبشرية والسياسة الصينية الداخلية التي أـبعدت شبح الاقتتال الداخلي أو التفرقة على أساس عرقي أو قومي أو ديني.

إنَّ الصين التي تركها ماو تسي تونغ لا تشبه الصين التي أعاد هيكلتها دينغ شياو بينغ وهي أيضا مختلفة عن الصين الحالية بقيادة شي جينبينغ. لقد قام الرئيس الصيني شي باتباع سياسة فيها الكثير من الحكمة، قائمة على “التعاون والاحترام والربح المشترك”، هذه القيم هي بمثابة الخطوط العريضة لسياسة الصين الخارجية، فاستخدام السلاح للقيام بالغزوات والحروب على دول أخرى لها سيادتها هو مرفوض في العقيدة الصينية، ومن غير المقبول أيضا استباحة الموارد الطبيعية للدول الأخرى، أو حتى أن يكون التعاطي بين الصين والدول الصغيرة أو الضعيفة فيه شيء من الفوقية أو الغبن، فهذا أيضا مرفوض.

إنَّ الشجرة المثمرة سوف تراشق بالحجارة في أي زمان ومكان، إنَّ الانجازات المتتالية والتقدم في المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصاد الصيني الهائل، هي كلها عوامل مهمة تساهم في جعل أعداء الصين أكثر عداوة لها وفي تعزيز العلاقات بين الصين والدول الصديقة لها. إنَّ التخوف الغربي من التقدم الصيني الذي لم يعد من الممكن تطويقه قد دفع بالإعلام المأجور والمرتهن لشركات مشكوك بتبعيتها إلى أن تبث الكثير من المواد الغير صحيحة والمفبركة والتي تنشر روح العداء للصين وللنظام الحاكم، إلا أنَّ الشعب الصيني أثبت مرة أخرى أن لديه الكثير من الوعي وليس من السهل استمالته عكس الكثير من شعوب دول العالم الثالث التي يمكن كسب تعاطفها والوصول بها إلى اشعال الثورات فقط باستعمال الاعلام الكاذب والمزيف.

إنَّ الكلام المبني على التجرية هو أفضل بكثير من مجرد التنظير وإعطاء الرأي بدولة ونظام وشعب لا تعرفهم؛ إنَّ كل شخص يريد انتقاد النظام الصيني أو الحديث بمنحى سلبي عن الصين عليه أن يقرن أقواله بالشواهد من أرض الواقع الصينية، وإلا فإنَّ كل كلامه وتحليلاته لا معنى لها ولن يكون أكثر من كلام إما كرها بالصين أو خدمة لمشاريع خارجية معروفة الأهداف. انطلاقا من تجربتي الصينية ومعرفتي الجيدة بالشعب الصيني والنظام السياسي الحاكم والنظام الامني يمكنني الجزم بأنَّ الصين ستظل قوية وموحّدة، والشعب الصيني لن يكون وقوداً لمشاريع خارجية لأنَّ هذا الشعب تركيبته لا تشبه معظم الشعوب الأخرى بالاضافة إلى تاريخه النضالي الطويل مع المستعمر والتضحيات الكبيرة التي قدمها كي تصبح الصين على ما هي عليه اليوم، “دولة قوية لا تشبه غيرها من الدول وفي حالة صعود دائم.

في الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية أصبح حلم إعادة تفعيل طريق الحرير القديم واقعا عبر مبادرة الحزام والطريق التي اقترحها الرئيس الصيني شي جينبينغ، وأصبحت الصين دولة منفتحة على العالم بعد أن كانت تتبع سياسة الباب المغلق، وأصبح السوق الصيني هو الأكبر عالميا وبالتالي ارتفع تصنيف الاقتصاد الصيني إلى المراتب الأولى عالميا، كما ولم تعد اللغة الصينية بالغريبة فهي تنتشر على نطاق واسع ومراكز كونفوشيوس لتعليم اللغة الصينية تتزايد يوما بعد يوم.

إنَّ المعجزة الاقتصادية والتنموية والفكرية التي صنعتها الصين في وقت قصير من الزمن سيكون لها تأثير إيجابي على مختلف دول العالم بغض النظر عن موقعها الجغرافي أو دين أو عرقية شعبها. إنَّ الصين وعن طريق السياسة التي تنتهجها من المحتمل جدا أن تكون هي الدولة القادرة على تغيير النظام العالمي الحالي وصياغة نظام عالمي جديد وفق رؤية وتطلعات صينية لا مثيل لها، لذلك سيشهد العالم مستقبلا قائماً على التعاون والاحترام والتبادل الثقافي والربح المشترك وهذا ما لم يعرفه العالم من قبل إبان الانظمة الاستعمارية وأنظمة الانتداب وآخرها التفرد الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة في حكم العالم.

سبعون عاما والنجمة الحمراء تزداد اشراقا، سبعون عاما والصين موحّدة وقوية بوجه كل العواصف والحملات المغرضة. إنَّ التنين الصيني الذي طالما حذَّر منه الغرب قد قام من سباته والمستقبل القادم سيُكتب بالمقطع الصيني لا بالحرف اللاتيني. عاشت جمهورية الصين الشعبية، العمر المديد وإلى المزيد من الانجازات والتألق.

* محمد زريق؛ عضو  في الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين ـ فرع لبنان. باحث في شؤون الصين ومتابع لملف مراكز الأبحاث والجامعات الصينية.. مرشح للدكتوراه في Central China Normal University، مهتم في سياسة الصين الخارجية تجاه المنطقة العربية مع تركيز خاص على مبادرة الحزام والطريق، لديه العديد من الكتابات والمنشورات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.