موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين تحت وطأة الانتقادات الدولية والتشويه

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. تمارا برّو:

 

لا يمر يوم إلا وتُتهم  فيه الصين بأنها مصدر فيروس كوفيد 19، وبأنها أخفت معلومات عنه، ما ساهم في انتشاره إلى مختلف دول العالم. هذه الحملات الاتهامية تقودها الولايات المتحدة الأميركية يساعدها في ذلك بعض الدول الأوروبية وأستراليا ودول أخرى حليفة لأميركا. ومؤخراً صدر تقرير عن الإتحاد الأوروبي يتهم فيه الصين وروسيا بنشر معلومات مغلوطة عن جائحة كورونا، كما اتهم تقرير صدر عن وزارة الأمن الوطني الأميركية الصين بأنها أخفت “عمداً ” تفشي فيروس كورونا ومدى كونه معدياً حتى تتمكن من الحصول على الإمدادات الطبية اللازمة وتخزينها.

دعونا نعود بالذاكرة إلى مرحلة تفشي جائحة كورونا في الصين:

عندما كانت الصين تكافح جائحة كورونا أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مراراً وتكراراً بدور الصين في مكافحة الفيروس، وكان يخص بالذكر الرئيس الصيني “شي جين بينغ”. ففي تغريدة له نشرها على حسابه الشخصي على تويتر بتاريخ 25 كانون الثاني/ يناير ذكر ترامب أن الولايات المتحدة الأميركية تقدر جهود الصين وشفافيتها، وأضاف: باسم الشعب الأميركي أريد بشكل خاص أن أشكر الرئيس الصيني “شي جين بينغ”. وعاد ترامب وأشاد بدور الصين في 6 شباط/ فبراير حيث قال في تغريدته على تويتر أن هناك انضباطاً كبيراً في الصين، حيث يقود الرئيس “شي” بحزم عملية ستكون ناجحة للغاية. وبتاريخ 29 شباط/ فبراير أشاد بجهود الحكومة الصينية في مكافحة الوباء. نلاحظ من خلال هذه التغريدات أن ترامب أشاد بشفافية الصين وبدورها في مكافحة الوباء. وبالرغم من إشاداته بجهود الصين، كانت العلاقات بين الدولتين تشهد أحياناً توترات ومناوشات كالحرب الإعلامية التي جرت بينهما، عندما قررت الصين سحب تصريح العمل الممنوح لثلاثة من مراسلي جريدة وول ستريت جورنال الأميركية، وذلك على خلفية نشر مقال في المجلة وصفت فيها الصين بـ “رجل آسيا المريض” ما أغضب بكين. وفي وقت لاحق صنّفت واشنطن 5 وسائل إعلام صينية كمهمات أجنبية (تعمل لصالح الدولة)، إضافة إلى تقليصها عدد الصينيين الذين يمكنهم العمل لمصلحة هذه الوسائل، فقامت الصين بإجراءات مماثلة. واشتد فتيل الأزمة بين الدولتين عندما نشر المسؤول الصيني “ليجيان تشاو” تغريدة على حسابه الخاص على تويتر أشار إلى احتمالية أن يكون الجيش الأمريكي هو من جاء بفيروس كورونا إلى منطقة ووهان في الصين. هذه التصريحات للمسؤول الصيني لم تصدر رسمياً عن الصين، بل هي رأي شخصي عبّر عنه على حسابه الشخصي على تويتر، ولم يكن عبر مؤتمر رسمي للخارجية الصينية التي كانت تقوم كل يوم تقريباً بعقد مؤتمر صحافي للإعلان عن أخر مستجدات فيروس كورونا الجديد. ومن ناحية أخرى عندما طُرح سؤال على المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “قنغ شوانغ” خلال مؤتمر صحفي إن كان لدى الصين دليل على أن فيروس كورونا الجديد لم ينشأ في الصين أجاب “شوانغ” أن منشأ الفيروس يمكن تحديده فقط بالعلم، نحتاج إلى الاعتماد على وجهات النظر العلمية والمهنية”. بالمقابل أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب غضب الصين عندما وصف فيروس كورونا الجديد بـ “الفيروس الصيني”.

وبعد أن تفشى الفيروس في مختلف دول العالم، التي لم تكن مؤهلة للتعامل معه، بدأت الصين ترسل المساعدات والفرق الطبية إلى الدول الموبؤة لمساعدتها في مكافحة الوباء، فاتُهمت بأنها تسعى إلى تحويل الانتباه عن الانتقادات الشديدة التي وجّهت إليها على طريقتها في معالجتها الأولية لانتشار الفيروس، وإلى الهيمنة على العالم.

بعد تعافي الصين مبدئياً من فيروس كورونا المستجد وانتشاره في مختلف دول العالم، أعلن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” استعداد بلاده لتشارك خبراتها وتقديم ما بوسعها من المساعدة للدول التي يتفشى فيها الفيروس. وبالفعل قامت الصين بارسال المساعدات والفرق الطبية إلى مختلف بقاع الأرض، كما قامت شركة علي بابا التي يديرها الملياردير الصيني “جاك ما” بإرسال المساعدات الطبية إلى أكثر من 150 دولة. وفي تصريح لوزارة الخارجية الصينية حول المساعدات الصينية قال المتحدث باسم الخارجية “إن الصين تبذل مثل هذه الجهود لتبادل المساعي الحميدة التي تلقيناها في وقت سابق خلال تفشي المرض، وإعمالا للإنسانية الدولية وتنفيذ رؤية مجتمع مصير مشترك للبشرية”، ونوّه إلى “أن الصين لن تقف بمعزل عن الآخرين ولن تتخلى عن أصدقائها عندما يواجهون مشكلات، ولن ننتقي أو نختار أو نضع شروطاً عندما نقدم يد العون لهم”. لو سلّمنا جدلاً بأن الصين، التي هي أكبر مصنّع للكمامات في العالم، لم تقم بمساعدة الدول الأخرى فكانت حينها ستُتهم بالأنانية وبأنها ضد الإنسانية، وكنّا سنشهد حرب كمامات فعلية بين الدول، خاصة ما رأيناه من قيام دول (كبرى) بالاستيلاء على شحنات المواد الطبية التي كانت متجهة إلى دول أخرى.

ولم تسلم منظمة الصحة العالمية من اتهامات الرئيس ترامب الذي اتهمها بالتواطؤ والانحياز للصين، ووصل به الأمر إلى حد وقف الاشتراكات في المنظمة واتهام رئيسها بالوقوف إلى جانب الصين.

يصرّ الرئيس ترامب على أن الفيروس قد نشأ في مختبر في ووهان ويقول إنه لا يستطيع الكشف عن مصدر معلوماته. وكان الرئيس الأميركي والعديد من الدول قد طالبوا بإرسال محققين إلى الصين وجوبه الطلب برفض الأخيرة. كما طالبت دول عدة الصين بدفع تعويضات عن الفيروس تصل إلى تريليونات الدولارات. ومن ناحية أخرى أكد وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو وجود أدلة هائلة تشير إلى أن مصدر الفيروس مختبر في ووهان.

بالمقابل، يرفض مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الأميركية الدكتور أنتوني فوسي في مقابلة أجراها مع National Geographic نظرية المؤامرة بأن فيروس كورونا المستجد صنع في مختبر ووهان مشيراً إلى أنه لا يوجد دليل على ذلك. ومن ناحيته ناقض كبير جنرالات الولايات المتحدة الأميركية ما صرّح به وزير الخارجية مايك بومبيو حول وجود أدلة هائلة على أن الفيروس مصدره مختبر ووهان. فبحسب موقع رويترز قال الجنرال في الجيش الأميركي مارك ميلي ، رئيس هيئة الأركان المشتركة ، في مؤتمر صحفي عقده بتاريخ 5 مايو/ أيار إنه من غير المعروف ما إذا كان الفيروس قد خرج من سوق ووهان أو مختبر أو موقع آخر.

ومؤخراً انتقل الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأميركية إلى ساحة مجلس الأمن، حيث أدت المناوشات والتوترات بين البلدين إلى فشل المجلس في إصدار قرار حول فيروس كورونا الجديد.

وحالياً، يبدو أن المواجهة بين العملاقين تتحرك نحو موضوع تايوان، الذي هو من المواضيع الحساسة جداً بالنسبة إلى الصين، وتدرك الولايات المتحدة الأميركية ذلك جيداً. فبتاريخ 1 أيار / مايو نشرت بعثة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة تغريدة على تويتر اعتبرت فيها أن منع تايوان من أن تضع قدمها على أرض الأمم المتحدة يُعد إهانة ليس فقط لشعب تايوان، بل أيضاً لمبادئ الأمم المتحدة. بالمقابل رفضت الصين مشاركة تايوان في الأمم المتحدة، وقالت بعثتها هناك في بيان على موقعها على الإنترنت إن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بالتحدث باسم تايوان، وهي تتدخل في الشؤون الداخلية للصين و”تؤذي مشاعر 1.4 مليار صيني”.

تتصدر الولايات المتحدة الأميركية اليوم دول العالم من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، تليها إسبانيا (في عدد الوفيات الولايات المتحدة الأولى وبريطانيا الثانية). لقد أظهر فيروس كورونا عجز أنظمة الدول والإتحاد الأوروبي في مكافحته. الرئيس ترامب الآن في وضع لا يحسد عليه وهو على بعد 6 أشهر من الانتخابات الأميركية، لذلك يحاول صرف النظر عن طريقة تعامله مع الفيروس الذي قال في البداية إنه تحت السيطرة متجاهلاً التحذيرات حول خطورته وتفشيه في الولايات المتحدة الأميركية، فأخذ يصب جم غضبه على الصين، فتارة يتهمها بعدم الشفافية، وتارة أخرى يعتبر أن الفيروس تسرب من مختبر ووهان مطالباً بإرسال مفتشين دوليين إلى الصين للتحقيق، وطوراً يضغط على حلفائه لاتهام الصين بأنها مصدر الفيروس ومطالبتها بالتعويض، وأخيراً وليس آخراً بدأ يستعمل ورقة تايوان لإثارة غضب الصين أكثر واستفزازها والضغط عليها. ومع ذلك فإن الصين ما زالت تدعو الولايات المتحدة إلى التوقف عن مهاجمتها، والتركيز على جهود التعاون الدولي لمكافحة الفيروس عالمياً، وتكرر أن الوقت ليس للمحاسبة، بل للتعاون والتكاتف للفوز على الفيروس فالتشويه لن يعيد الموتى.

ولكن إلى متى ستبقى الصين تلتزم بالتهدئة حيال تصرفات الولايات المتحدة الأميركية، خاصة أنّ الأخيرة بدأت تمس المواضيع الحساسة بالنسبة إلى الصين؟ وهل سنشهد بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا الجديد ثنائية قطبية وطفرة جديدة في العلاقات الدولية؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.