موقع متخصص بالشؤون الصينية

الطاقة بالصين ودعوات وكالة الطاقة الدولية

0


موقع قناة الجزيرة الالكتروني:
سعد الله الفتحي*:
أكبر مستهلك للطاقة بالعالم
تؤكد الإحصاءات الأخيرة أن الصين أصبحت أكبر مستهلك للطاقة في العالم في عام 2010 إذ تجاوز استهلاكها الولايات المتحدة للمرة الأولى.

ويصح القول إن 2010 شهد انتعاشا في الاقتصاد العالمي الذي قاد إلى ارتفاع استهلاك الطاقة في جميع مناطق العالم، ولكن يبدو أن التجاوز الصيني لا رجعة فيه.

فوفقا لنشرة بريتيش بتروليوم الإحصائية (استعراض الطاقة في العالم 2011) كان استهلاك مجموع الطاقة الأولية في الصين 2458 مليون طن مكافئ نفط (مكافئ) في 2010 أي بزيادة 11% عن 2009 وحوالي 21% من الإجمالي في العالم، حيث كان النمو العالمي 5.6% بالمقارنة.

هذا المعدل المرتفع للنمو كان سمة للصين لسنوات عديدة، وهو يعكس استمرار النمو الاقتصادي السريع في البلاد والتغييرات في أسلوب الحياة.

وكان استهلاك النفط حوالي 445 مليون طن مكافئ ومعدل نموه 11% عن 2009 أي ما يعادل 899 ألف برميل يوميا بما في ذلك استهلاك هونغ كونغ.

وفي الوقت نفسه أصبحت الصين أكبر سوق للغاز في آسيا واستهلاكها بلغ حوالي 102 مليون طن مكافئ أو 22% عن 2009 حيث إن استهلاك الغاز مقيد حاليا بتوفر المعروض منه.

وكان استهلاك الفحم 1720 مليون طن مكافئ بزيادة 10% عن 2009 وبنسبة مذهلة تبلغ 48% من استهلاك العالم. لذلك فإن الصين من المحتمل أن تعتمد على الفحم لسنوات عديدة قادمة رغم أنها تحاول جاهدة استخدام موارد الطاقة الأنظف حيث تستهدف تخفيض حصة الفحم من 70% حاليا إلى 30% في عام 2050. ومع ذلك، لا أحد سوف يفاجأ إذا بدأت الصين استيراد الفحم قريبا.

وبلغ استهلاك الطاقة الكهرمائية 163 مليون طن مكافئ أو 17% عن 2009 بينما مساهمة النووي لا تتجاوز 17 مليون طن مكافئ، في حين ساهمت المصادر المتجددة بـ12 مليون طن مكافئ فقط ولو أن هذه المصادر الأخيرة مرشحة كلها لنمو سريع مستقبلا.

زيادة اعتماد الصين على الواردات
حالة العرض تكشف عن ازدياد اعتماد الصين على الواردات من النفط والغاز.

وواردات النفط تعود إلى عام 1993 إذ وصلت الواردات الصافية في عام 2010 إلى 5.3 ملايين برميل يوميا (م.ب.ي). وعلى الرغم من زيادة إنتاج النفط الخام في الصين، لا سيما من الحقول البحرية، إلى 4.1 م.ب.ي في 2010 من 3.8 م.ب.ي في 2009، فإنه لا مفر من زيادة اعتماد الصين على الواردات التي ازدادت نسبتها من 33% في عام 2009 إلى 55.2% في النصف الأول من عام 2011.

أما واردات الغاز فقد بدأت في 2007 ووصلت إلى 16.1 مليار متر مكعب (م.م.م) في 2010 بينما كانت 7.3 م.م.م فقط في 2009.

فالصين عندها محطة طرفية واحدة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال في وقت تسعى لبناء أخرى، علاوة على الكميات المستوردة بخطوط الأنابيب القادمة من روسيا وميانمار ومنطقة بحر القزوين.

ولكن على الرغم من الكارثة النووية في فوكوشيما باليابان، فإن الصين عازمة على المضي قدما بخططها النووية حيث من المحتمل أن تنمو القدرة من 8 غيغاواط في 2005 إلى 86 غيغاواط في 2020.

ويقدر الباحثون أن 40% من توسعات القدرات النووية المخطط لها في العالم هي في الصين.

أما سعي الصين لزيادة مساهمة الطاقات المتجددة فإنه الأكثر وضوحا.

ومع نمو بنسبة 75% في 2010 عن 2009 يمكن للمرء أن يرى هذا التوجه. مؤخرا احتلت الصين المركز الأول لمؤشر إيرنست ويونغ لمجموع مصادر الطاقة المتجددة من خلال زيادة استخدام الطاقة الشمسية والرياح البحرية. وتعتزم بناء 70 غيغاواط إضافية على الأقل من مزارع الرياح و5 غيغاواط من المزارع الشمسية الجديدة.

وإذ تتقدم نفوس الصين نحو 1.5 مليار نسمة وليس هناك تباطؤ منظور في النمو الاقتصادي فإن استهلاك الطاقة سيستمر في النمو وإن تنويع مصادرها هو المفتاح لأمن الإمدادات كما يتضح من الاتجاهات المذكورة أعلاه.

وبينما يتواصل استكشاف وتطوير موارد النفط والغاز، فإن الصين تستثمر أين ما في وسعها في العالم لتعزيز موقفها وتلبية احتياجاتها في المستقبل.

ويقال إن السياسة الخارجية للصين مستندة إلى حاجتها لاستيراد الإمدادات الخارجية للطاقة من بلدان في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية مقابل تمويل بعض مشاريع البنية الأساسية للتنمية في هذه البلدان.

وتسعى البلدان المنتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية والكويت وروسيا والعراق إلى مغازلة الصين لتأمين زيادة حصتها في السوق والاستفادة من استثمارات المشاريع المشتركة في التخزين والتكرير والبتروكيماويات والتوزيع.

وبصرف النظر عن النفط والغاز فإن متابعة الطاقة النووية والمتجددة في الصين ستكون على أشدها وربما يشمل ذلك تحويل الفحم إلى سوائل بالإضافة إلى تنفيذ برامج لتحسين كفاءة استخدام الطاقة.

إن الضغوط على الصين لتحسين المعايير البيئية سيفرض تغييرات في هذه السلسلة من استخدام الطاقة ولا سيما فيما يتعلق بمواصفات المنتجات النفطية والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

إن نصيب الفرد من استهلاك النفط في الصين مجرد اثنين برميل في السنة بالمقارنة مع 23 في الولايات المتحدة. وسيعني مجرد مضاعفة هذا الرقم حاجة الصين إلى 9 م.ب.ي تضاف إلى الطلب العالمي على النفط، فلا عجب أن أوبك تقدر الطلب على النفط الخام في الصين بـ16.7 م.ب.ي في عام 2030.

هذا الوضع الذي بيناه لا يغيب عن أنظار المستهلكين الآخرين وخاصة وكالة الطاقة الدولية (الوكالة) التي أسست في عام 1974 كمنتدى للمستهلكين من الدول الغنية التي كان استهلاكها من النفط 75% من الاستهلاك العالمي ولكنه انخفض تدريجيا إلى 50% في الوقت الحاضر نتيجة لنمو الطلب في البلدان النامية واستقراره أو انحساره في الدول الغنية.

ولذلك، تشهد الوكالة تضيق قاعدتها وأساس وجودها وإن كان قد انضم إليها أعضاء آخرون بعد دخولهم في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

أهمية وكالة الطاقة موضع تساؤل
وصرح المدير التنفيذي السابق للوكالة نوبو تاناكا لصحيفة فايننشال تايمز في مارس/آذار 2010 قائلا “إن أهميتنا باتت موضع تساؤل لأن نصف استهلاك الطاقة  قد أصبح فعلا في البلدان غير الأعضاء في المنظمة.

وبالنسبة للنفط فإن معظم الاستهلاك سيكون قريبا في البلدان غير الأعضاء بالمنظمة”.

ولهذا تحاول الوكالة دعم نفوذها بدعوة الدول الأخرى للتعاون في برامجها حيث قامت يوم 20 سبتمبر/أيلول 2011 بالتوقيع على مذكرة تفاهم مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) –التي تتألف من عشرة بلدان آسيوية بدون الصين- في “بروناي دار السلام” لتعزيز العلاقات بسبب نمو استهلاكهم من الطاقة نظراً إلى النمو الاقتصادي والسكاني وزيادة التحضر والتصنيع.

هذه المجموعة من البلدان أنتجت 2.9 م.ب.ي واستهلكت 3.8 م.ب.ي في 2010 بينما كان استهلاكها من الطاقة الإجمالية يعادل ما يقرب من 10 م.ب.ي ويتوقع أن يزداد بنسبة 84% بحلول 2035.

ولكن الوكالة غير ناجحة تماما في مسعاها مع الصين على الرغم من محاولاتها نتيجة لارتفاع استهلاك الطاقة الأولية الإجمالي في الصين في 2010 إلى ما يعادل 50 م.ب.ي تقريبا أو 21% من الإجمالي في العالم. وتسعى الوكالة جاهدة إلى إغراء الصين بقبول نوع من التعاون وحتى الدعوة الصريحة للانضمام إلى الوكالة. فمنذ يوليو/تموز 2008، ونتيجة لارتفاع أسعار النفط والضغوط البيئية دعا نوبو تاناكا الصين للانضمام إلى الوكالة.

شراكة خاصة بين الصين ووكالة الطاقة
ولكن قانونًا أعضاء الوكالة يجب أن يكونوا أعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ولذلك تم تعديل الدعوة إلى “شراكة خاصة” حيث يمكن تبادل المعلومات والخبرات ولكن الأهم من ذلك “سياسة توسيع نطاق التعاون على إدارة مخزون النفط” حيث دعيت الصين لإرسال مراقبين إلى بعض اجتماعات الوكالة المتعلقة بعدة مواضيع وخاصة إدارة مخزون النفط.

هذا التوجه له من يؤيده في الصين إذ يقول الباحث الأقدم في جامعة الصين النفطية ما هونك “إن الصين والوكالة بأعضائها الحاليين سيستفيدون من عضوية الصين”، وإن “هذا سيساعد على استقرار أسواق الطاقة في العالم من خلال تنسيق الحركة وتعديل مستويات خزين النفط وتبادل المعلومات المهمة بخصوص التقنيات”.

ولكن القادة السياسيين الصينيين يلتزمون الحذر ولم يصدر عنهم حتى الآن أي تعليق رسمي على هذه المفاتحات. فهم يرون الوكالة يسيطر عليها الأغنياء ولا سيما الولايات المتحدة وأن الصين ترغب في الحفاظ على موقفها كداعية للبلدان النامية التي هي منها على كل حال.

ولكن شركات الطاقة المملوكة للدولة في الصين يزداد تعاونها كفريق مع الشركات الغربية كلما كان ذلك أفضل لها –كما حدث في العراق- رغم أنها منعت من شراء شركات النفط في الولايات المتحدة.

إلا أن الوكالة ستستمر في محاولاتها وحتى فتحت نسخة صينية من موقعها على الإنترنت إلى حد يتكهن البعض بأن العضوية الصينية يمكن أن تحدث خلال السنوات الخمس القادمة.

وقد أشادت الوكالة في تقرير صدر مؤخرا بشركات الطاقة الصينية وخاصة بعملها مستقلة عن الحكومة نسبيا حيث أنفقت أكثر من 48 مليار دولار على استثمارات النفط والغاز في الخارج.

وشدد نوبو تاناكا في خطاب مطول في بكين يوم 25 يونيو/حزيران 2011 على أسباب دعوته للتعاون الوثيق مع الصين، وأعرب عن أسفه أنه لم يستطع تحقيق عضوية الصين خلال فترة ولايته.

وقال إن الطلب على الطاقة في الصين من المتوقع أن يزداد بنسبة 75% بحلول 2035 من مستوى 2008 وإن الصين الآن مستهلك الطاقة رقم واحد في العالم بعد أن تجاوزت الولايات المتحدة. كما أن الصين تعتمد اعتماداً متزايداً على الأسواق العالمية للنفط والغاز والفحم في المستقبل، لذا -وفقا لتاناكا– يجب السعي لوضع “آليات مشتركة لإدارة الأزمة”، وربما في يوم ما الانضمام إلى الوكالة “كمنتدى إدارة الطاقة على الصعيد العالمي”.

وأشاد بدعم الصين لقرار الوكالة في إطلاق 60 مليون برميل نفط من المخزون الإستراتيجي علنا، وقال “إنها إشارة جيدة للتقدم الذي أحرزناه في تعاون أوثق خلال السنتين الأخيرتين”.

وأشار إلى المزايا التي تتحقق للصين من حيث حالات الطوارئ، وأمن الطاقة، ونقل التكنولوجيا و”لكي تثبت للعالم أن الصين وصلت إلى حد من التنمية يعطيها ثقة التعامل جنبا إلى جنب مع الدول المتقدمة”.

وقد ترددت الآراء ذاتها من قبل المديرة التنفيذية الجديد للوكالة ماريا فان در هوفن حيث ذكرت أنها ستعزز التعاون مع الصين.

إذا هل ستدخل الصين في عضوية الوكالة؟

لا أعلم ولكن الذين قرؤوا رواية جورج أورويل “مزرعة الحيوان” يتذكرون أن الاشتراكيين والرأسماليين يمكن أن يلعبوا الورق على نفس المنضدة وأن ذلك لن يكون في صالح الدول المنتجة للنفط والغاز التي عليها أن تعزز تعاونها مع الصين وتطمئنها بشأن احتياجاتها.

*مدير دائرة دراسات الطاقة في أوبك سابقا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.