موقع متخصص بالشؤون الصينية

ماذا حققت العلاقات الصينية العربية منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي في العام 2004؟

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. تمارا برّو*:

أشاد الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في رسالة التهنئة التي بعث بها إلى الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني – العربي الذي عقد في شهر يوليو/ تموز بالعلاقات الصينية العربية التي شهدت تطوراً كبيراً على مختلف الأصعدة. ودعا الرئيس “شي” إلى تكثيف التعاون بين الجانبين للتغلب على الصعوبات، لاسيما مجابهة فيروس كورونا المستجد، وتعزيز بناء مجتمع مصير مشترك صيني عربي، والذي كان قد أعلن عنه خلال الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني – العربي المنعقد في العام 2018.

لقد شهدت العلاقات الصينية العربية خلال السنوات الأخيرة، وقبل أزمة فيروس كورونا، نمواً كبيراً على جميع الأصعدة، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، بحيث أصبحت الصين الشريك الاستراتيجي للعديد من الدول العربية، وهي الشريك الأول أو الثاني لمعظم هذه الدول. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والصين على سبيل المثال من 36,7 مليار دولار عام 2004‏ إلى 266.4 مليار دولار عام 2019. وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة التجارة الصينية، أن حجم الواردات الصينية من الدول العربية بلغ 146 مليار دولار أمريكي في العام 2019 ، بزيادة 4.8 % على أساس سنوي. كما أوضحت البيانات أن الاستثمارات المباشرة الصينية في الدول العربية بأكملها بلغت 1.42 مليار دولار أمريكي في عام 2019 بزيادة 18.8 % . ونظراً لأن الصين أكبر مستورد للنفط الخام عالمياً، فهي تستورد نصف احتياجاتها من النفط من البلدان العربية، فالسعودية التي تعتبر أكبر مصدر للنفط عالمياً في العام 2019، تساهم بـ 16.8٪ من إجمالي النفط الخام المستورد في الصين يليها العراق بـ 9.9%.

وفيما يخص دور الدول العربية في مبادرة “الحزام والطريق” أوضح الرئيس الصيني، خلال الحفل الافتتاحي للمؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية الذي انعقد في  العام 2014، أن بين الصين والدول العربية تفاهماً متبادلاً وصداقة قديمة تعود إلى عهد طريق الحرير. وأكد أن الطرفين شريكان طبيعيان في مشروع بناء مشترك لـ”الحزام والطريق”. وفي هذا الإطار وقعت 19 دولة عربية وجامعة الدول العربية مع الصين على وثائق التعاون في بناء “الحزام والطريق”. كما عمدت الكثير من دول المنطقة إلى مواءمة استراتيجياتها التنموية مع المبادرة، وفي مقدمتها “رؤية مصر 2030” و”رؤية السعودية 2030″، و”رؤية الأردن 2025″، ومشروع مدينة الحرير الكويتي، ومشروع مدينة محمد السادس الذكية بطنجة المغربية.

وعلى المستوى الثقافي، فقد ارتفع في السنوات الأخيرة التبادل الطلابي والشبابي والمثقفين والأكاديميين بين الدول العربية والصين، كما ازداد الاقبال على تعلّم اللغة الصينية في البلدان العربية، وفي خطوة لافتة قررت السعودية ادراج اللغة الصينية في مناهجها التعليمة، كما أسست الجامعة اللبنانية ماستر خاص بالدراسات الصينية بالتعاون مع جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، وازداد التعاون بين مراكز الدرسات الصينية والعربية وكثرت الندوات حول العلاقات الصينية العربية وسياسة الصين الخارجية ومبادرة “الحزام والطريق”، وأعلن عن تأسيس المكتبة الرقمية الصينية العربية، والتي تشرف عليها جامعة الدول العربية من أجل تعميق التعاون بين المكتبات العربية والمكتبات الصينية لتحقيق طفرة في مجال المكتبات والمعلومات، كما ازدادت ترجمة الكتب من العربية الى الصينية وبالعكس. هذا الانفتاح الثقافي المتبادل بين الصين والعرب ساعد على انتشار الثقافة الصينية في الدول العربية، بحيث بات المواطن العربي يعرف عن الحضارة الصينية العريقة، بعد أن كان ينظر إلى الصين فقط على أنها بلد التجارة والاستثمارات. وأخذ الصينيون أيضاً يتعرفون على جمال البلدان العربية وحضارتها المجيدة بعيداً عن الحروب وموجات الاستنزاف.

ولأن فهم الثقافتين الصينية والعربية لا يتم إلا عبر الزيارات المتبادلة، فقد شهدت السياحة بين الجانبين نمواً كبيراً بحيث أظهرت البيانات الصادرة عن منتدى التعاون الصيني العربي للسياحة عام 2019، الذي تأسس تنفيذاً لإنشاء آلية التعاون السياحي الصيني العربي التي طرحها الرئيس الصيني خلال الاجتماع الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في العام 2018، أن عدد الزوار المتبادلين بين الصين والدول العربية ارتفع بمتوسط 16.5 بالمائة سنوياً خلال السنوات الخمس الماضية، وزار الدول العربية أكثر من مليوني صيني حتى نهاية العام 2019.

لقد برهن تفشي وباء كورونا عن عمق العلاقات بين الدول العربية والصين، فمنذ الاعلان عن تفشيه في الصين سارعت الدول العربية إلى تقديم المساعدات لها، وأعرب العديد من الرؤساء العرب عن تضامنهم مع بكين. وباشرت الصين بعدما سيطرت على انتشار الوباء داخل أراضيها بتقديم الدعم لدول العالم، وكان للدول العربية نصيب من هذه المساعدات، فقامت الصين بإرسال المعدات الطبية من أجهزة لقياس الحرارة وقفازات طبية وأغطية للأحذية ومعدات اختبار وكمامات، وأرسلت الفرق الطبية المتخصصة، وتم عقد اجتماعات عبر تقنية الفيديو بين أطباء صينيين وعرب، كما تم الاتفاق بين الصين والامارات العربية المتحدة لإطلاق التجارب السريرية للمرحلة الثالثة من تجربة لقاح ضد فيروس كورونا المستجد.

لقد أثبتت جائحة كورونا أن الصين والدول العربية يتعاونان ويقفان إلى جانب بعضهما البعض في السراء والضراء، ومما لا شك فيه أن العلاقات بين الجانبين ازدادت بعد تفشي الفيروس، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والتجارية والطبية المتدهورة، وحاجة كلا الطرفين إلى بعضهما البعض. ولم يمنع انتشار الوباء التعاون وتعزيز العلاقات بين الجانبين، وتطبيق مبدأ مجتمع المصير المشترك الصيني العربي، حيث تم عقد العديد من الاجتماعات والمنتديات بين الطرفين عبر تقنية الفيديو كعقد الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني – العربي، والاجتماع الاستثنائي لمؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية خلال الفترة ما بين 22-24 يونيو/حزيران ، ويتم التحضير حالياً لعقد مؤتمرات واجتماعات أخرى عبر الانترنت. فقد أعلنت الامارات العربية المتحدة عن عقد منتدى التعاون السياحي الصيني الاماراتي في 16 يوليو/ حزيران، ومعرض رقمي للتجارة والاقتصاد بين الامارات والصين، في الفترة الممتدة بين 15 و21 حزيران/يوليو.

تقوم العلاقات العربية – الصينية على أساس الاحترام والتعاون والمنفعة المتبادلة لكلا الطرفين. وبالرغم من المعوقات التي تواجه علاقتهما، إلا أن الصين تتبع سياسة خارجية واضحة تقوم على التعاون لا على الصراع، فهي من الدول القليلة التي ليس لها طموحات الهيمنة، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، بل على العكس تسعى إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط، وتدعو إلى حل المنازعات بالطرق السلمية وتعارض استخدام القوة العسكرية لحلها، وترفض التدخل الأجنبي في شؤون الدول العربية. وفي ظل الأوضاع العالمية المتدهورة اقتصادياً وتجارياً وطبياً، وفي خضم الحملات العدائية ضد الصين من قبل منظمة العيون الخمس، وحرب الصين الباردة مع الولايات المتحدة الأميركية، والتوترات في هونغ كونغ، ومسألتي الايغور وبحر الصين الجنوبي، وفي الوقت الذي تسعى فيه “إسرائيل” إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية، وتشهد بعض الدول العربية أوضاعاً اقتصادية مزرية وصراعات، يسعى الطرفان إلى النهوض بعلاقاتهما ودفع التنمية المشتركة وبناء مجتمع يقوم على المصالح المشتركة والمصير الواحد، والتأكيد على ثوابت كل منهما تجاه المسائل الخاصة بهما. فالدول العربية تقف باستمرار إلى جانب الصين في القضايا المتعلقة بمصالحها الجوهرية، بما فيها منطقتا هونغ كونغ وشينجيانغ وقضية تايوان، والصين تدعم الدول العربية في حماية السيادة الوطنية والأمن والاستقرار الاجتماعي واختيار الطريق التنموي المستقل، وتساند القضية الفلسطينية.

وخلال منتدى التعاون الصيني العربي المنعقد مؤخراً دعا وزير خارجية الصين “وانغ يي” إلى إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك من خلال تعزيز التعاون والتضامن لهزيمة فيروس كورونا، وتبادل الدعم الثابت للدفاع عن العدالة والحفاظ على الأمن السياسي والاستقرار، والالتزام بتعددية الأطراف واستكمال الحوكمة العالمية، إلى جانب التشارك في بناء “الحزام والطريق”، والعمل على تحقيق النهضة، من خلال إعطاء الأولوية للتعاون الصيني العربي في مجالات استئناف العمل والإنتاج، وضمان التوظيف ومعيشة الشعب، وتعزيز الحوار السياسي وصيانة الأمن في الشرق الأوسط.

الصين بحاجة إلى العرب كما أن العرب بحاجة إلى الصين، وبالرغم من المعوقات التي تواجه العلاقات الصينية العربية نتيجة لتدخلات بعض الدول ومحاولتها كبح تطور هذه العلاقات، إلا أنه يبدو أن هناك نية حقيقية وجدية لدى الجانبين في تعزيز علاقاتهما، خاصة بعد تفشي فيروس كورونا، والتخبط الذي تعيشه بعض الدول التي لها نفوذ كبير في المنطقة العربية جراء هذا الوباء، وفشلها في محاولة السيطرة عليه.

*باحثة في الشأن الصيني من لبنان

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.