موقع متخصص بالشؤون الصينية

حوكمة صينية رشيدة في التعامل مع انتشار وباء كورونا

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. حسن عبدالله الدعجه*:

مقدمة

كيف تدير الصين أزمة انتشار فيروس كورونا؟ رغم أن الانتشار السريع لفيروس كورونا أثار حالة من القلق العالمي ، فإن الخبرات المتراكمة لبكين في التعامل مع أوبئة مماثلة مثل السارس مكنتها من إدارة الأزمة بشكل مختلف هذه المرة ، عندما فعلت بكين ذلك بإعلانها بشفافية عن عدد الحالات المصابة ، وسعت جاهدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الفيروس بسرعة ؛ لكن البعض انتقدها ، مشيرين إلى أن بكين أصدرت بيانات غير شفافة حول الوباء. يمكن القول إن فاعلية إدارة الأزمة الحالية قد تمثل فرصة لبكين في تعزيز وتحسين صورتها وسمعتها على المستوى الدولي.

 

إدارة الأزمة الوبائية لفيروس كورونا

 

في الصين ظهر وباء كورونا، ففاجأت الحكومة الصينية العالم مرة أخرى بسلوكها وكيف نجحت الصين في ضبط سلوك مليار ونصف مليار مواطن بسهولة من خلال الحكم الرشيد والإيمان بالعلوم والتعامل مع الأزمة على النحو التالي:

–  الشعب الصيني شعب صامت وهادئ ، ويواجه المشاكل بالحلول والبحوث العلمية ، وليس بالصراخ والمقالات وبرامج الفضاء التي تملأ العالم بالصخب والجنون دون فائدة.

– تم حظر التجوال في العديد من المدن (أقل عدد لهذه المدن هو حوالي 12 مليون نسمة). على الفور ، اتبع الصينيون الأوامر، وأغلقوا المطارات، وأوقفوا السيارات، والتزم الصينيون بشققهم ومبانيهم، وأغلقوا النوافذ، وأعدوا الطعام لمدة أسبوعين.

–  لم نسمع عن معارضة صينية تستغل الوباء والصراخ والنعيق وتحرض السكان على انتهاك حظر التجوال.

– – * في غضون أيام قليلة أنشأ الصينيون أكبر مستشفى على بعد 9 كيلومترات من التجمع السكني الأول، وتم تجهيز المستشفى بالمعدات والمعامل والأطباء وطاقم التمريض.

–  بدأ العلماء الصينيون على الفور في العثور على علاج ولم ينتظروا منظمة الصحة العالمية لإرسال العلاج لهم.

–  كانت الحكومة الصينية صادقة في كل كلمة، ولم تتعامل مع الأمر على أنه سر عسكري، وبشهادة جميع المنظمات الدولية، فإن الصينيين هم شعب شريف ولا يخلطون بين الكوارث والمواقف الإنسانية كما يفعل البيت الأبيض.

–  تنقسم المدن والتجمعات السكانية إلى أحياء، ويتكون كل حي من هذه الأحياء من عدة ملايين من السكان وله مسؤولون مباشرون.

يمكن للمقيمين الاتصال بمكتب الحي على مدار 24 ساعة في اليوم والحصول على أي خدمة يحتاجون إليها دون وسيط ودون أن يضطر المواطن الصيني إلى القول إنني كذا أو كذا أو أنه من هذا أو ذاك.

–  في حالة حدوث أي تقصير، يتم تقديم مسؤول الحي للمحاكمة.

–  من لا يجد طعامًا في منزله أثناء حظر التجوال، يتصل بمكتب الحي، فتقوم شركة التوصيل الحكومية بإرسال الطعام المناسب، الكافي لمدة أسبوعين، للأسرة والتوصيل وترك الطعام أمام الباب والمغادرة، وتأخذ الأسرة طعامها مجانًا دون الحاجة إلى الشرح أو التفسير أو القسم إن رب البيت ليس لديه ما يكفي من الطعام.

– الأصل السلوك الصادق، ومن يثبت منه العبث والعشوائية في مثل هذه الحالات يعاقب عليه بعقوبة مناسبة.

–  عدم محاولة أصحاب المركبات والمسافرين خرق حظر التجوال والبحث عن الطرق الالتفافية. في الشوارع لا تجد غير المتطوعين. “من تطوع بحياته لمساعدة المجتمع وهم أطباء وممرضات وباحثون وباحثون يطلبون الإذن من لجنة الحي بالخروج وإنقاذ وطنهم وشعبهم.

–  لا يوجد من يشك في الرواية الرسمية في مثل هذه الحالات ، والشعب الصيني يستمع بثقة للتوجيهات الطبية، ولن تجد صينيًا يهرب إلى قناة فضائية قريبة ويروي قصة مختلفة. بدلا من ذلك ، عملت وسائل الإعلام الصينية كخلية نحل لإنقاذ الصين والبشرية من الوباء.

–  إن سلوك الصين كدولة وحكومة وشعب ولجنة وحي ومواطن يتفق مع هدف واحد وهو وقف الوباء وإنقاذ الأرواح.

– عندما حاولت الدول المتغطرسة التي تعتقد أنها أفضل من الصين أن تطالب بالإجلاء الفوري لمواطنيها ومغادرة الصين. لم تعتبر الصين طلب هذه الدول تشهيرًا أو مضاعفة للآفة، بل استجابت على الفور.

–  بدلاً من تسرع أمريكا في إرسال علمائها إلى الصين على الفور، طلبت إجلاء عشرات الدبلوماسيين الأمريكيين من الصين، وهي خطوة غبية قد تطون نقلت الفيروس إلى القارة الأمريكية بأكملها.

– فقدت الصين مئات الأرواح ومئات المليارات من الدولارات في هذه الكارثة، ولم نسمع رئيس الصين أو المخابرات الصينية أو الجيش والأمن يتحدث عن مؤامرة أو تقارير سرية تستهدف الصين.

الحكم الرشيد للحكومة الصينية

تبنت الحكومة الصينية إجراءات الوقاية والسيطرة الأشمل والأكثر صرامة بطريقة مسؤولة للغاية لحماية حياة وصحة الصين والشعب الصيني في جميع أنحاء العالم. ”

“ترأس الرئيس شي جين بينغ اجتماعًا للجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وقاد شخصيًا توجيه معركة الوقاية من الوباء ومكافحته. وعمل لي كه تشيانغ كرئيس لمجموعة القيادة المركزية للحزب الشيوعي الصيني للاستجابة الوبائية وتوجيه الحكومات المحلية للقيام بعمل جيد للوقاية من الوباء ومكافحته ”

الوطن كله جسد موحد، وجميع الجبهات تعمل بجد وعلميا ومنهجيا. في الواقع، يمكن الوقاية من الوباء والسيطرة عليه والشفاء منه بشكل عام، وسلامة حياة الناس مضمونة بالكامل. ”

في الواقع، أشادت منظمة الصحة العالمية بالصين في إعلانها أن الصين قد اتخذت جهودًا ضخمة وإجراءات فعالة في الوقت المناسب للتعامل مع الوباء.

إن الإجراءات الصينية مثيرة للإعجاب حيث أظهرت الحكومة الصينية عزمها السياسي القوي ووضعت نموذجًا جديدًا للدول فيما يتعلق بالوقاية من الوباء والسيطرة عليه، وأكدت أن تصرفات الصين لا تحمي شعبها فحسب ، بل تحمي أيضًا شعوب العالم ككل، مما يعكس كفاءة الصين ويستحق التقدير والاحترام. نشكر منظمة الصحة العالمية على تقديرها الكبير. ”

ومن المؤمل أن تأخذ جميع الأطراف في العالم الإرشادات الأولية والملاحظات المهنية من قبل منظمة الصحة العالمية على محمل الجد، ولا ينبغي أن يحدث أي رد فعل مفرط، ولكن يجب مواصلة الإجراءات لمنع الوباء ومكافحته بشكل هادئ ومنطقي، الموقف الموضوعي والعلمي وترسيخ الثقة وتعزيز التعاون من أجل الحفاظ على الأمن الصحي العام في العالم. ”

إن الصين واثقة تمامًا من قدرتها على الانتصار في معركة الوقاية من الوباء ومكافحته، وستواصل أيضًا الالتزام بمبدأ الانفتاح والشفافية والقيام بنشاط بالتعاون الدولي في مجال الوقاية والسيطرة مع جميع الأطراف، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية

سعت بكين للبناء على تجربة مكافحة السارس، حيث أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن فيروس كورونا الجديد ينتشر بسرعة، وأن الوضع خطير، في محاولة لإظهار شفافية الصين في التعامل مع الأزمة، وشكلت لجنة مركزية لمكافحة المرض. كما أكد المسؤولون الصينيون في الحزب الشيوعي أن من سيثبت إخفاء أي معلومات حول هذا الفيروس سيكون قد ارتكب خطأ فادحًا.

في هذا السياق، اتخذت الصين إجراءات للحجر الصحي، وعزل مدينة ووهان تمامًا عن بقية الصين، وأوقفت جميع وسائل النقل من ووهان وإليها، وهو ما لم تطلبه منظمة الصحة العالمية، لكن يبدو أن الصين تسعى لاحتواء الفيروس وتجنب توجيه أي لوم قد يؤثر على صورة البلاد وموقعها العالمي.

كما تم إلغاء احتفالات رأس السنة الصينية للحد من التجمعات وتقليل احتمالية انتشار الفيروس، وعلقت الصين العديد من الرحلات الداخلية والخارجية في الصين، وألغت العديد من الرحلات السياحية من وإلى الصين للحد من انتشار المرض، و قدمت وزارة المالية واللجنة الوطنية للصحة 60.33 مليار يوان (8.74 مليار دولار) للمساعدة في احتواء الفيروس.

جدير بالذكر أن تفشي مرض السارس في الماضي كان له دور كبير في جهود الصين لتغيير وتحسين نظامها الطبي، حيث زاد الإنفاق الحكومي في مجال الصحة، وأنشأت الحكومة نظامًا مركزيًا على الإنترنت يربط بين العيادات والمستشفيات في جميع أنحاء البلاد، والسماح لهم بالإبلاغ عن الحالات فور الإصابة، تم تعزيز آليات مراقبة قسم الطوارئ للتأكد من أن أي مريض يعاني من أي أعراض تنفسية لم يكن سارس. هذا ما أكده رئيس مكتب الصحة العامة بجامعة هونج كونج “غابرييل ليونج” في 24 يناير 2020، حيث أكد أن الجدول الزمني لجمع المعلومات وتحديد الأعراض والإبلاغ عن أي حالات مصابة قد تحسن بشكل ملحوظ منذ اندلاع السارس. كما ذكر في مؤتمر صحفي في وقت سابق أن “ما كان يستغرق شهورا لمكافحة فيروس السارس، يتم الآن في غضون أسابيع أو أيام.

 

 

لماذا ووهان؟

ما هو تأثير كورونا على العالم وأسعار النفط والمواد الأخرى

الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم، ثاني أكبر مستهلك بعد الولايات المتحدة، يستهلك 15٪ من النفط المنتج في العالم

وتعطل المصانع الصينية يعني تراجع حاجتها لاستيراد النفط من الخارج، وهو ما تسبب في انهيار سعر البرميل بنسبة 14٪ منذ بداية الأزمة. وقدمت أوبك موعد اجتماعها في فيينا لبحث كيفية التعامل مع الأزمة.

بينما كانت الصين تشرع في خطط نمو اقتصادي طموحة للعام الجديد، إيذانا ببداية العودة إلى مسار تعافي النمو الاقتصادي، الذي وصل إلى أدنى مستوياته العام الماضي، خلال الثلاثين عاما الماضية ، في خضم حرب تجارية  أمريكية مع الصين ، فجاء فيروس كورونا، وانتشر الوباء، الذي عطل بعض هذه الخطط ، وتسبب بالوقوف أمام تنفيذ خطط طموحة ، وشل العديد من قدرات التنين الاقتصادي في مواجهة خصمه.

خاتمة

لا بد من الوصول إلى ملخص يتكون من عدة أسئلة وهي:

لماذا ظهر هذا الفيروس في الصين؟ هل لأنها تمتلك أكبر مجتمع بشري مكتظ في مدنها؟ هل هذا يسهل انتشار المرض بسرعة كبيرة مما يجعل منظمة الصحة العالمية تعلن جائحة؟ ثم يتم تصنيع اللقاح المعالج أو يتم تصنيعه في الدول الغربية ، وخاصة أمريكا ، لبيعه للدول بأسعار مرتفعة.

لماذا تم اختيار مدينة ووهان الصينية؟ هل لأنها مركز الإنتاج في الصين والعالم؟

ما علاقة الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين بانتشار الفيروس في الصين؟

ما علاقة نجاح مبادرة الحزام والطريق بانتشار فيروس كورونا في الصين؟

ما علاقة وجود الحروب والاضطرابات السياسية والحروب الأهلية على طريق طريق الحرير؟

أعتقد أن ما يحدث في الصين نابع من  نجاحها السياسي والعلمي والاقتصادي وتقدمها بقيادة الحزب الشيوعي الذي نجح في مزج الرأسمالية الغربية بالاشتراكية الصينية بنظام فريد وهو الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. وهذا النظام هو مجموعة النظريات والسياسات التي تطبق الماركسية اللينينية بطريقة تتناسب مع الظروف الصينية خلال فترات زمنية معينة. من هذا المنظور يمكن القول أن ما يسمى بفكر الزعيم  شي جين بينغ هو تطبيق للماركسية اللينينية في الظروف الحالية للصين ونجاحها الملحوظ والتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإقامة علاقات ودية مع معظم دول العالم.

 

*أستاذ مشارك في العلوم السياسية / قسم الإعلام والدراسات الإستراتيجية

جامعة الحسين بن طلال /معان الاردن

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.