موقع متخصص بالشؤون الصينية

هل يصلح بايدن ما أفسده ترامب تجاه الصين أم يزداد إفساداً؟

0

 

 

موقع الصين بعيون عربية
محمد أ. الحسيني*:   

   

حدّد الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن – وقبل أن يعتلي سدة الرئاسة رسمياً في 20 كانون الثاني / يناير 2021 – الصين على رأس أولويات سياسته الخارجية، لتتراجع روسيا والشرق الأوسط إلى المرتبتين الثانية والثالثة، أما أوروبا فمن المسلّم لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على الرغم مما شابها في عهد دونالد ترامب من توتّر وترنّح، أنها تشكّل الظهير الأمريكي والحليف اللدود الذي يشكّل قاعدة متقدّمة في أي مشروع تحالفي سياسي – اقتصادي في مواجهة القوى المتنامية للشرق الأقصى بحسب التسمية الأمريكية، ليس من باب التبعية الاقتصادية والتجارية فحسب، بل أيضاً على مستوى تنسيق الأجندات السياسية لدول الاستعمار القديم – الجديد، والتي تزعمّتها واشنطن أخيراً.

تقول المعادلة الثابتة في العلاقات الدولية إن ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، والمصالح هي المحور الحاكم في تحديد الإتجاهات التي تحكم علاقات الدول بعضها ببعض، وهي المعيار الذي تبني عليه استراتيجياتها العامة، ولا شك في أن تعاظم دور الصين وتأثيرها في ميزان الإقتصاد العالمي، حتى في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فرض نفسه كلاعب أكبر في إعادة تشكيل الخارطة الكونية، وبالتالي باتت الإدارة الأمريكية ملزمة، شاءت أم أبت، بأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار، فالبلدان الخصمان اللذان يمتازان بأكبر اقتصادين متحرّكين في العالم محكومان بالجلوس إلى طاولة التفاهم القسري.

لماذا هذه الخلاصة؟! ولماذا لا يكون التصادم هو الخيار المرجّح؟! وماذا يستفيد الطرفان في حالتي التنسيق والصدام؟! الأجوبة سهلة – صعبة، فالصين على مدى سنوات طويلة اعتمدت في سياستها الخارجية وفي ثقافتها المتوارثة على مستوى إدارة النظام، على عدم التدخّل في شؤون الدول وعلى مبادئ التعايش السلمي، ولكنّها في السنوات الأخيرة تصدّت بدبلوماسيتها الناعمة لكل الاجتياحات السياسية التي قادتها واشنطن، تارة من خلال العقوبات الاقتصادية، وطوراً من خلال الحصار السياسي الذي حاول ترامب من خلاله بناء جدار يمنع نمو الصين من الإنتشار في العالم دون أن يفلح في ذلك، فيما الموقف الدائم الذي يعبّر عنه الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أن العالم يحفل بالأزمات الداهمة مما يحتّم التعاون المشترك، أما الصدام فلن يجرّ على الدول إلا الويلات، وأن “المواجهة بين الولايات المتحدة والصين “ستسبّب كارثة للإنسانية بأكملها”، على حد تعبير وزير الخارجية “وانغ يي”، وهذه رسالة واضحة بأن زمن التسيّد الأحادي قد ولّى.

في المقابل، وعلى الرغم من سيادة الإتجاه الداخلي في خطاب بايدن خلال حفل تنصيبه، إلا أنه كان قد أتمّ صياغة خطوط استراتيجيته الخارجية، والبند الأول فيها كيفية التعامل مع العلاقات الأميركية – الصينية التي تشهد تدهوراً غير مسبوق، منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل 41 عاماً، ولن تكون الصين على قائمة الدول الصديقة أو الحليفة لواشنطن، ولكنّها بلا شك ستكون الطرف الآخر الذي يتمركز على الضفة الأخرى من العالم، مما يفرض أسلوباً مدروساً من التعاطي في المجالات الحيوية والمصيرية المختلفة، ويعلم بايدن تماماً بأن مواجهة الصين من قبل الولايات المتحدة بمفردها لن يكون ممكناً أبداً، ولذلك سيعمد إلى إعادة بناء السياسة الخارجية الأمريكية وتقويمها، لا سيّما تجاه أوروبا وروسيا، وتجاه دول منطقة الشرق الأوسط بعد استتباب العلاقات العربية – الإسرائيلية، بما يقود إلى تكوين حلف عالمي جديد، يملك فيه أوراق القوة أمام المارد الصيني.

وفي الوقت الذي يتوقّع فيه محلّلون اعتماد سياسة مرنة ومتوازنة لبايدن مع الصين، وفق سياسة العصا والجزرة، إلا أن محلّلين آخرين يؤكدون أن بكين لم تعد في وارد الدخول في تجربة جديدة من المماحكات غير المجدية في إطفاء بؤر التوتّر التي خلّفتها إدارة ترامب، فإن الاهتزاز الاقتصادي الذي تعاني منه معظم دول العالم اليوم، خصوصاً في ظل جائحة كورونا التي باتت تهدّد استقرار الكثير من الدول الكبرى والفاعلة، لا تحتمل مغامرات صبيانية أو عنتريات فارغة، ولذلك فأي مخطّط يستهدف إعادة عزل الصين تحت عناوين انتهاكات حقوق الإنسان، أو فرض قيود تجارية وعقوبات على المؤسسات المالية والصناعية الصينية، أو عبر الإبتزاز السياسي في ملفي هونغ كونغ وتايوان، أو في ما يخص بحر الصين الجنوبي وتقييد حرية الملاحة، كل ذلك لن ينفع في “ترويض” الصين وفق الحسابات الأمريكية، وسيكون هذا المخطّط محكوماً بالفشل.

*كاتب وباحث من لبنان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.