موقع متخصص بالشؤون الصينية

بعد سبع سنوات.. رؤية شي بشأن الحضارات تبث الأمل في عالم يتسم بعدم اليقين

0

“نحن بحاجة إلى تشجيع الحضارات المختلفة على احترام بعضها البعض والعيش معا في تناغم مع تعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بينها كجسر للصداقة بين الشعوب، وقوة دافعة وراء المجتمع البشري، ورابطة قوية من أجل السلام العالمي”، هذا ما قاله الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2014 في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في باريس.

لقد مرت سبع سنوات، لكن رؤية شي بشأن الحضارات التي تتميز بالتنوع والمساواة والشمولية في خطابه الهام الذي ألقاه في مقر “اليونسكو” لا تزال يتردد صداها في عالم يصارع وباء كوفيد-19 المستعر، فضلا عن التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العالمية.

— بذور السلام

وأشار شي في الخطاب إلى أنه “على مر القرون، كان الناس يتوقون إلى السلام الدائم، لكن الحرب طاردت البشرية في كل خطوة من خطوات تقدمها. وبينما نتحدث، يتعرض العديد من الأطفال على هذا الكوكب لأهوال الصراعات المسلحة”.

في الواقع، منذ مدة من الزمن، يعاني أناس في سوريا وليبيا وأفغانستان وبلدان أخرى تعيش في حالة اضطراب من عنف وإذلال لا يمكن تصوره. كما أن الوصم وكراهية الأجانب والعنصرية والتمييز فضلا عن خطاب الكراهية، كلها أمور باتت تنتشر بشكل واسع في أنحاء كثيرة من العالم.

وذكرت ديما القائد، وهي مواطنة سورية، لوكالة أنباء ((شينخوا)) أنها فقدت والديها خلال الحرب. وقالت، وهي تحمل صورة لنفسها التقطت لدى تخرجها من جامعة دمشق قبل سنوات، “كنت أحلم ذات مرة بتغيير العالم، لكن الحرب غيرت حلمي”.

وأفاد فايز أحمد، وهو مواطن أفغاني يعيش في مدينة كابول ويوشك على بلوغ الخمسينات من عمره، أنه أمضى حياته كلها تقريبا في بيئة تسودها الحرب وأعمال العنف. وقال “لم أر يوما واحدا من السلام في وطني. آمل أن يتمكن بلدي من تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في أقرب وقت ممكن، وأدعو أن أعيش مثل هذا اليوم”.

وشدد شي في خطابه على أهمية فكرة السلام، مقتبسا ديباجة ميثاق اليونسكو التي تنص على أنه “لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام”.

ولإبعاد الحرب عن البشرية قدر الإمكان، قدم شي الحل – “تكثيف الأنشطة بين الحضارات في مجالات التعليم والعلوم والتكنولوجيا والثقافة عبر الحدود والزمان والمكان لنثر بذور فكرة السلام في كل حدب وصوب حتى تنبت وتتجذر وتنمو في قلوب وعقول شعوب العالم وتزود الكوكب الذي نتقاسمه بالمزيد والمزيد من غابات السلام”.

وهذا ليس بمجرد كلام. ففي الحقيقة، عكفت الصين، مسترشدة بحكمة شي بشأن السلام، التي تبينت بجلاء مرارا وتكرارا من خلال تصريحاته في مناسبات مختلفة، على تقديم إسهامات كبيرة في الاستقرار والتنمية والازدهار الإقليمي والعالمي.

وتعد الصين الآن أكبر مساهم في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي. وعلاوة على ذلك، اضطلع البلد بدور بناء في معالجة القضايا العالمية مثل نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية والصراعات في الشرق الأوسط.

وذكر محمد زهرة، وهو خبير سوري في شؤون الصين، أن الصين “تعمل دائما على حل الصراعات بالأساليب السلمية وإعطاء الأولوية لمنطق الإنسانية ومنطق القانون الدولي على منطق القوة والهيمنة”.

وقال كافينس أدهير، وهو باحث في العلاقات الدولية في كينيا، إن فكرة السلام التي تبناها شي “تتوافق بشكل جيد للغاية مع المبادئ الأساسية للتعايش المتناغم بين الشعوب”، مبينا “لقد رأينا أن هذا هو أساس المشاركة الصينية في الداخل والخارج على حد سواء”.

— العقل الأوسع

وقال شي قبل سبع سنوات “نحن بحاجة إلى عقل أوسع من السماء عند اقترابنا من الحضارات المختلفة.. ويجب أن نسعى للحصول على الحكمة والقوت من الحضارات المتنوعة لتقديم الدعم والمواساة لعقول الشعوب، والعمل معا لمواجهة التحديات التي تواجه البشرية”.

لا تزال تصريحاته تحمل أهمية عميقة الآن، حيث أن العالم لم يخرج بعد من أزمة الصحة العامة العالمية الحادة – فالتنوع سيدعم ويثري الجهود العالمية ضد كوفيد-19.

وفي حين أن لقاحات كوفيد-19 يجب أن تكون منفعة عامة عالمية ومتاحة وميسورة التكلفة للجميع، كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في فبراير، فقد قامت بعض الدول الغربية بتخزين كميات كبيرة من اللقاحات المضادة للفيروس، مما خلق تفاوتات صارخة بين الدول الغنية والفقيرة.

ووفقا لتقرير منشور في صحيفة ((نيويورك تايمز)) يوم الاثنين، تلقى سكان البلدان الغنية والمتوسطة الدخل حوالي 90 في المائة من حوالي 400 مليون لقاح تم تسليمها حتى الآن.

وفي ظل هذه الخلفية، فإن الصين، بوصفها بلدا رئيسيا مسؤولا يتمتع بعقل أوسع لمساعدة البشرية على الانتصار ضد العدو المشترك، لم تكتفي فقط بتسليم الإمدادات الطبية وإرسال فرق الخبراء إلى الأماكن المحتاجة في المرحلة المبكرة من المعركة، بل بذلت أيضا جهدا شاملا لتعزيز التوزيع العادل للقاحات كوفيد-19.

وحتى الآن، قدمت الصين مساعدات في مجال اللقاحات إلى 80 بلدا في حاجة إليها، وتقوم بتصدير لقاحات إلى 47 بلدا. كما قررت تقديم 10 ملايين جرعة لقاح للتحالف متعدد الأطراف للقاح “كوفاكس” لتلبية الاحتياجات الملحة للبلدان النامية، والتبرع بلقاحات لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

ومع وصول الدفعة الثانية من لقاحات “سينوفاك” التي تبرعت بها الصين إلى الفلبين يوم الأربعاء، قال وزير الصحة الفلبيني فرانسيسكو دوكي إن “وصول هذه اللقاحات لم يكن من الممكن أن يحدث في وقت أكثر ملاءمة بالنظر إلى التصاعد المستمر في عدد الحالات”.

وذكر شي في عام 2014 في تجمع بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا أن “الصين هي الأسد الذي استيقظ، لكنها أسد مسالم وودود ومتحضر”، مؤكدا أن الحلم الصيني هو السعي لتحقيق السلام والسعي وراء السعادة والمساهمة في الصالح العام للعالم.

وصرح الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاء الدين شعبان لوكالة أنباء ((شينخوا)) أنه “مع نشر اللقاحات (الصينية) وتقديمها كمساعدات، فإن هذا يعتبر أكبر دليل على صدق نوايا الصين واستعدادها لمد يد العون ومساعدة كل من يحتاجها”.

وقال فرحات آصف، رئيس معهد دراسات السلام والدبلوماسية ومقره إسلام أباد، إن ما تفعله الصين “يتجاوز النزعة القومية”، مضيفا أنه “ليس لأمة واحدة، أنه (من أجل) مجتمع ذي مستقبل مشترك. عندما تنقذ شخصا ما، عندما تنقذ حياة، فإن ذلك أيضا إنقاذ للبشرية”.

— التناغم دون التطابق

وأشار شي في عام 2014 إلى أن “الحضارات أصبحت أثرى وأكثر حيوية من خلال التبادلات والتعلم المتبادل. وتشكل مثل هذه التبادلات والتعلم المتبادل محركا مهما للتقدم البشري والسلام والتنمية العالميين”، حيث طرح على العالم فهم الصين للتناغم، وهو مفهوم يتجذر بعمق في روح الشعب الصيني.

في عالم اليوم المتسم بعدم اليقين، حيث الحمائية والأحادية وما يسمى بـ “صراع الحضارات” آخذة في الازدياد، وحيث تقوم بعض الدول الغربية بتكوين شللية أو قلب عجلة التاريخ أو التحريض على الانقسام على أسس أيديولوجية أو إثارة المواجهة بين مجموعات مختلفة، أصبحت تصريحات شي أكثر تحفيزا على إعمال الفكر.

وقال شي في عام 2019 في حفل افتتاح مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية إنه “من أجل مواجهة تحدياتنا المشتركة وخلق مستقبل أفضل للجميع، نتطلع إلى قيام الثقافة والحضارة بدوريهما، الذي لا يقل أهمية عن الدور الذي ينهض به الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا”.

وعبر سلسلة من الأحداث العالمية، وفي إطار منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس التي تضم الاقتصادات الناشئة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) ومبادرة الحزام والطريق ومنظمات أخرى، شدد شي بشكل متواصل على حكمة “التناغم دون التطابق”، والتي يلتزم بها الصينيون ويقدرونها. وعلى مدار السنوات السبع الماضية، وخلال رحلاته إلى دول أخرى، عرض الرئيس الصيني على العالم الفكرة الصينية المتمثلة في الحفاظ على الشمولية.

وذكر آصف أن الصين بدأت حوارا هاما بين الحضارات، وتشاركت مع الدول الأخرى في الأفكار القائلة بأن السبيل الوحيد للتعايش السلمي هو من خلال التفاهم، من خلال التواصل لحل جميع الخلافات، مضيفا أن هذا هو “جوهر المشهد السلمي للصين على المستوى العالمي”.

وقال أدهير إنه “فيما يتعلق بالتبادلات الدولية كوسيلة لتدعيم السلام والتنمية في جميع أنحاء العالم، لعبت الصين أيضا دورا رئيسيا للغاية”.

وأوضح أنه على سبيل المثال، أصبح منتدى التعاون الصيني الأفريقي منصة رئيسية لتعزيز التبادلات متعددة الحضارات بين الصين والدول الأفريقية، مبينا أنه من خلال هذه التبادلات فقط يمكن أن يكون هناك تفاهم متبادل بين الشعوب.

وأفاد أن “قرار الصين هذا بتعزيز التبادلات الحضارية يعتبر مكونا رئيسيا. وهو يواكب تطلعات الأمم المتحدة والأوساط المتعددة الأطراف وهو أمر يجعل في نهاية المطاف كل إنسان بحال أفضل”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.