موقع متخصص بالشؤون الصينية

الكتاب الأزرق من الصين: قراءة في تقرير التنمية السورية (2020)

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. شاهر إسماعيل الشاهر:

صدر عن المركز السوري للأبحاث بجامعة نورث وسترن، في الصين، كتاب بعنوان: تقرير التنمية السورية (2020) وهو عبارة عن تقرير أعده مجموعة من الخبراء والباحثين المهتمين بشؤون الشرق الأوسط، وسوريا على وجه التحديد. برئاسة رئيس تحرير مركز الدراسات السورية بجامعة نورث وسترن / وانغ شينغانغ.

وكان المركز السوري للبحوث بجامعة نورث وسترن، ومنذ تأسيسه قبل أكثر من عامين قد حقق نتائج متميزة في البحث الأكاديمي والخدمات الاجتماعية والرؤى والاستراتيجيات.

يذكر أن البروفيسور وانغ شينغانغ، مدير المركز، عمل بجد في مجال البحث السوري لسنوات عديدة، ونشر سلسلة من الأعمال المهمة مثل “التاريخ العام لدول الشرق الأوسط: سوريا ولبنان”، “القرن العشرين سوريا”، “الدولة السورية والسياسة الحديثة”.

يذكر أن تقرير التنمية السورية الذي ينظمه المركز السوري للأبحاث بجامعة نورث وسترن هو التقرير السنوي الوحيد للصين عن سوريا. بعد أن نجح فريق البحث برئاسة البروفيسور وانغ شينغانغ في التقدم بطلب واعتماد المشروع الخاص والفريد من نوعه التابع للصندوق الوطني للعلوم الاجتماعية “أبحاث التاريخ السوري القديم” في العام 2018، وتمت الموافقة عليه في آب/ أغسطس 2019 لتخصص الفلسفة والعلوم الاجتماعية في وزارة التربية مشروعاً بحثياً بعنوان “الحضارة السورية القديمة” مشروع بحث تاريخي.

يتألف الكتاب من مقدمة، وتقرير عام وتقرير فرعي وتقرير خاص، وفصل عن العلاقات الصينية السورية وعدة ملاحق، ويتألف الكتاب من /٢٥٠/ صفحة.

تناول التقرير التطورات في سوريا في عام 2019، على الصعد كافة، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وآخر المستجدات في القضايا المتعلقة بالشأن السوري.

 

 

 

يشير التقرير إلى أنه ومنذ اندلاع الحرب في سورية، قدمت الصين لسوريا كمية كبيرة من إمدادات الإغاثة الإنسانية. في سياق مشاركة الصين في إعادة إعمار البنية التحتية المحلية في سوريا، حيث تزود الصين سوريا بالمعدات الطبية والمعدات الكهربائية وغيرها من المساعدات المادية. كما بدأت بعض الشركات الصينية الكبيرة في تتبع مشاريع الطاقة والسيارات، ودخلت بعض الشركات الخاصة إلى سوريا.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2016 وكانون الثاني/ يناير 2017، قدمت الحكومة الصينية 2 مليون دولار أمريكي ومليون دولار أمريكي كمساعدة نقدية خاصة لمنظمة الصحة العالمية، على التوالي، لدعم العديد من المشاريع المتعلقة بسوريا لمنظمة الصحة العالمية، بما في ذلك توفير الخدمات الطبية والصحية. رعاية اللاجئين السوريين، الخدمات، تعزيز الرعاية الصحية الأساسية في سوريا وتوسيع نطاق الخدمات الصحية.

ويرى التقرير أن العام 2019 شهد بداية إعادة إعمار سوريا، بعد أن استقر الوضع الميداني إلى حد ما، حيث حقق الجيش السوري العديد من الإنجازات واستعاد عدة مناطق من أيدي المجموعات الإرهابية. وأن الفصائل المسلحة في إدلب تتعرض لحصار وضغط شديد، كما أن الجيش السوري استعاد زمام المبادرة وأصبح من الصعب على المجموعات الإرهابية التفكير في السيطرة على مناطق أخرى.

وأسهب التقرير في الحديث عن مراحل تأسيس الجيش العربي السوري، ويرى أن سورية وبعد مرور أكثر من نصف قرن على بناء الجيش السوري وتطويره، فقد أضعفت سنوات الحرب إلى حد كبير الفعالية القتالية للجيش السوري وأوقفت عملية تحديث الجيش السوري. وبالنظر إلى التاريخ القتالي للجيش السوري، فإن كيفية بناء جيش حديث علميًا، وتعزيز القدرات القتالية بشكل فعال، وإيجاد حل حقيقي لمشكلة تحديث بناء الجيش، أصبح تحديًا كبيرًا في إعادة الإعمار الوطني في سوريا.

ويتحدث التقرير عن الدعم التركي للفصائل المسلحة، ويرى أنه لا تزال هناك احتمالية للصراع في المستقبل طالما بقيت تركيا تتدخل وتدعم تلك الفصائل.

كما تم تشكيل اللجنة الدستورية في عام 2019، والتي تشكل بداية لعملية إعادة الإعمار السياسي على حد وصفهم.

وعلى الصعيد الاقتصادي يرى الكتاب أن الحكومة السورية أقامت عددًا من المعارض التجارية بمقاييس مختلفة، بهدف جذب المستثمرين الأجانب وإعادة تنشيط الاقتصاد السوري. وأن إعادة اعمار سورية تشكل فرصة كبيرة للشركات الصينية التي ترغب بالمساهمة في إعادة الاعمار بشرط إحلال السلام والاستقرار. إلا أن عملية إعادة إعمار سوريا تتطلب تعاون وتفهم دول مثل: روسيا تركيا وإيران.

فهناك خلافات واضحة بين روسيا وتركيا في الشأن السوري، فللدولتين أهداف مختلفة في سلسلة من القضايا الإقليمية الحساسة، مثل قضية ليبيا وتطوير الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، مما سيؤثر حتماً على توجه التنمية في المنطقة بشكل عام، وسورية بوجه خاص.

إن عملية إعادة الاعمار تتم في بيئة دولية ومحلية معقدة، فقد وجهت سنوات الحرب ضربات مدمرة للاقتصاد السوري حيث تعاني سورية من نقص الأموال والموارد البشرية وغيرها من القيود، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا 19.381 مليار دولار أمريكي، بمعدل نمو 4.9٪، وهو أبطأ مما كان عليه في عام 2018.

وعلى الرغم من جميع القيود والتعقيدات فقد نفذت الحكومة السورية إعادة إعمار اقتصادية محدودة في المناطق المستعادة، وصاغت وأصدرت مشاريع قوانين مالية، وقوانين إعادة الإعمار، وما إلى ذلك، وشجعت الاستثمار.

وفي الوقت نفسه، أطلقت الحكومة حملة لمكافحة الفساد لتعزيز الثقة الاجتماعية وخلق بيئة عمل جيدة، مثل إنشاء مناطق صناعية وإقامة معارض متعددة، مما جذب العديد من الشركات ذات الصلة حول العالم للمشاركة في إعادة الإعمار. بالإضافة إلى ذلك، تجمع الحكومة السورية الأموال لإعادة الإعمار من خلال إصدار الدين الوطني وتحصيل “ضريبة الخروج” للمواطنين السوريين.

وكذلك تناول التقرير موضوع التعليم في سورية، والتخريب الذي تعرض له هذا القطاع جراء الحرب على سورية، والإجراءات التي اتبعتها الحكومة السورية لتدارك ذلك، وكذلك مشكلة فقدان التعليم لعدد كبير من السوريين في مناطق القتال، وواقع التعليم في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية.

وأفرد الكتاب فصلاً للحديث عن العلاقة بين سورية والمنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وكيف أن سورية كانت من الدول المؤسسة لهاتين المنظمتين وكيف عانت سورية من ازدواجية المعايير والظلم في المواقف الصادرة عن هاتين المنظمتين تجاهها. ويرى الباحثون أن الخطوات اللازمة لعودة سورية إلى الجامعة العربية قد بدأت بالفعل، وأن القضية قضية وقت فقط.

وأشار الكتاب إلى أهمية سورية كدولة من دول مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ في العام ٢٠١٣.

وتحدث التقرير عن الدور الروسي في سورية، وهو دور كبير ومتنامٍ، حيث لعبت روسيا دوراً كبيراً استطاعت من خلاله تحييد الدور الأمريكي إلى حد ما، كما أصبحت موسكو الراعي الأساسي للعملية السياسية بين الحكومة السورية والمعارضة، عبر التنسيق الكبير مع كل من تركيا وإيران.

وللعلاقات الثنائية بين روسيا وإيران تأثير كبير على الوضع السياسي في الشرق الأوسط. حيث تدعم كل من روسيا وإيران الحكومة السورية لمحاربة التنظيمات المتطرفة في سوريا، والحفاظ على التواصل والتعاون الوثيقين بشأن القضية السورية. ومع ذلك، في الوقت نفسه، هناك اختلافات كبيرة بين إيران وروسيا حول انسحاب القوات الأجنبية من سوريا وعلاقاتهما مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية. الفرق بين الموقف الاستراتيجي لـ “القوة العالمية” لروسيا و “قوة إيران في الشرق الأوسط” هو السبب الجذري للخلافات بين روسيا وإيران حول القضية السورية.

وتحدث عن الدور الأمريكي في الأزمة السورية، وأسهب في الحديث عن اعلان الرئيس الأمريكي السابق ترامب سحب قواته من سورية، لكنه عاد وتراجع وأبقى عدداً من القوات الأمريكية في شمال سورية للسيطرة على آبار النفط هناك، ولتقديم الدعم اللوجستي لقوات سورية الديمقراطية.

وتحدث الكتاب عن الدور التركي الهام في الأزمة السورية، ففي العام 2019، شنت تركيا والمقاتلون السوريون المدعومون منها هجومًا واسع النطاق في شمال سوريا وأنشأت منطقة عازلة في المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية في شمال سوريا. كما تواصل إيران تقديم الدعم والمساعدة للحكومة السورية لاستعادة الأراضي التي تسيطر عليها قوات الفصائل المسلحة. وأشار إلى أن إسرائيل ودول الخليج العربية تولي اهتمامًا وثيقًا بتطور الوضع في سوريا “بعقلية معقدة”. حيث تواصل إسرائيل استخدام الطائرات المقاتلة والصواريخ لمهاجمة أهداف عسكرية داخل سوريا، بحجة ردع إيران وتقليص دورها. وأشار إلى أن دول الخليج العربية أصبحت أكثر حذرًا من التوسع التركي في سوريا، وبدأت تستشعر الخطر التركي على الدول العربية مما دفع بعضها للبدء بالاتصالات مع الحكومة السورية ببطء في عام 2019. وما يجعل هذا التقارب بطيئاً هو العلاقة الخاصة بين سوريا وإيران والتي لا ترغب بها تلك الدول.

أما عن مستقبل الأزمة السورية، فيرى التقرير أن الوضع في سورية ما زال معقداً، وأن تسوية القضية السورية ما زالت تواجه مخاطر كثيرة. أولاً، لا يزال الوضع حول محافظة إدلب في شمال غرب سوريا غير واضح وغير مستقر، وقد يتصاعد الصراع بين القوات الحكومية والمتمردين في أي وقت. ثانيًا، قد يؤدي النزاع في مرتفعات الجولان إلى صراع عسكري بين إسرائيل وسوريا. على الرغم من أن المجتمع الدولي يعتبر بشكل عام مرتفعات الجولان أرضًا سورية ويطالب إسرائيل بإعادتها إلى سوريا، ويشير التقرير إلى اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسمياً في آذار/ مارس ٢٠١٩ بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة من سوريا في عام 1967، في خطوة أشاد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو ووصفها بـ “تاريخية”. الأمر الذي أثار الحكومة السورية وأحزاب مختلفة. ثالثاً: من المرجح أن تؤدي الضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة عبر الحدود ضد أهداف عسكرية سورية إلى تصعيد التوترات الإقليمية. وأخيرًا، ستصبح العلاقة بين روسيا وتركيا عاملاً خارجيًا مهمًا يؤثر على اتجاه الوضع في سوريا.

وختاماً: يشكل التقرير مرجعاً هاماً يوثق للعلاقات السورية الصينية وقد أعد بحرفية ومهنية عالية، واحتوى بين دفتيه على العديد من الأرقام والمعلومات التي توثق ما أورده.

 

*باحث في كلية الدراسات الدولية/ جامعة صن يات سين / الصين/ من سوريا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.