موقع متخصص بالشؤون الصينية

الحزب الشيوعي الصيني… والدبلوماسية ذات الخصائص الصينية

0

موقع الصين بعيون عربية-

د. شاهر إسماعيل الشاهر:

يصادف هذا العام الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، هذا الحزب الذي استطاع أن ينقل الصين من مصاف الدول المتخلفة الباحثة عن لقمة عيشها إلى مستوى القمة في الهرم الدولي، فأصبح النموذج الصيني مثالاً يحتذى به للشعوب الباحثة عن التقدم والتطور، وأصبحت تجربة الحزب الشيوعي الصيني تجربة رائدة جعلت العالم يقر بها وبنجاحها في إدارة شؤون الدولة، وأصبح الزعيم الصيني شي جين بينغ زعيماً عظيماً بالأفعال والمنجزات لا بالأقوال والشعارات.
هذا النجاح جعل أعداء الصين يطلقون سهامهم نحوها، في محاولة يائسة لزعزعة الاستقرار فيها، أو لتشويه صورتها في المجتمع الدولي، معتمدين على ماكيناتهم الإعلامية الضخمة التي أتقنت تشويه الحقائق وفبركة الاخبار. ولعل أهم الأشياء التي تم الحديث عنها هو الديمقراطية الصينية، ومطالبة الصين باستنساخ التجربة الغربية في الديمقراطية، متناسين عن سوء قصد أن لكل تجربة لها خصوصيتها، كما أن لكل حضارة تاريخها وقيمها، فأرادوا للصين أن تبدأ من حيث انتهوا، وكأن الديمقراطية سلعة يمكن استيرادها بغض النظر عن تاريخ الشعوب وتجاربها.
لقد استخدمت الصين دبلوماسية هادئة رصينة مكنتها من شق طريقها نحو القمة، متجاوزة الصعوبات، متجنبة الصدامات الهامشية والمطبات التي وضعت في طريقها، هذه الدبلوماسية المتفردة كانت دبلوماسية صينية خالصة، لها خصوصيتها وصفاتها التي تميزها عن سواها.
هذه الدبلوماسية كانت محور كتاب صدر قبل أيام عن الدار العربية للعلوم ناشرون، تحت عنوان: “الحزب الشيوعي الصيني والدبلوماسية ذات الخصائص الصينية بين التنظير والتطبيق”. لمؤلفه البروفيسور يانغ جيه ميان، وهو باحث صيني مشهور متخصص في العلاقات الدولية، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة شانغهاي للدراسات الدولية. تولى منصب مدير معهد شانغهاي لبحوث القضايا الدولية، ويشغل الآن منصب رئيس اللجنة الأكاديمية لهذا المعهد، ومستشار لحكومة بلدية شانغهاي، وعضو اللجنة الاستشارية بوزارة الخارجية الصينية، ونائب رئيس مجمع دراسات العلاقات الدولية بالصين، ورئيس مجمع دراسات العلاقات الدولية في شانغهاي، ورئيس مجمع دراسات الاستراتيجية الدولية بشانغهاي. وقد قام بنقله إلى اللغة العربية البروفيسور تشن جي، الأستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية سابقاً، وأستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها وباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة صون يات سين حالياً، وهو المتخصص في علم السياسة والمهتم بدراسات الشرق الأوسط، والدبلوماسية العامة.


يتحدث الكتاب عن قيادة الحزب الشيوعي الصيني للدبلوماسية الصينية وإنجازاته، متناولاً البيئة الداخلية والخارجية ومراحل تطور الدبلوماسية الصينية، مستعرضاً النظريات الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية، ومتحدثاً عن خصائص قيادة الحزب الشيوعي الصيني للدبلوماسية الصينية. كما تطرق إلى الاستراتيجية العالمية والتخطيط الدبلوماسي للحزب الشيوعي الصيني.
لقد طرأت على الصين خلال القرن الماضي تغيرات هائلة، ففي العام 1949 تحقق النصر العظيم للثورة الديمقراطية الجديدة. وبعد مرور ثلاثين عاماً على بناء الاشتراكية انطلقت رحلة الإصلاح والانفتاح في العام 1979 لتستقبل الصين نهضتها العظيمة.
وتزامناً مع ذلك، حدثت تغيرات كبيرة على الساحة الدولية، فقبل تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، ترسّخت المبادئ العالمية المتعلقة بتقرير المصير القومي. وقبل تأسيس الصين الجديدة، تشكلت المواجهة بين قطبي العالم، والتي تعد السمة الأبرز للحرب الباردة. وقبل تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح بالصين، قلّت تدريجياً حدة الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وانطلقت مرحلة العولمة المعاصرة. وكانت نهاية الحرب الباردة افتتاحاً لمرحلة تاريخية تتمثل في إعادة بناء المنظومة الدولية وإعادة بناء المعايير الدولية.
وبعد نهاية الحرب الباردة، تجاوز الحزب الشيوعي الصيني مرحلة التعايش السلمي، وبدأ بـ مرحلة “التطور السلمي”. إذ تمسك بقوة بتيار العولمة الذي كان قد ظهر لتوه، فلم يعد يخطط بناءً على الأيديولوجيات، بل بدأ في تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، وسار بعزيمة لا تتزحزح في طريق الدبلوماسية السلمية المستقلة، الأمر الذي وضع قاعدة هامة لنهضة الصين اليوم.
ويرى الكاتب أن الحزب الشيوعي الصيني قد برع في الدمج الخلاق بين الماركسية وبين واقع العالم الحالي والممارسات الصينية وفقاً لتغيرات الأوضاع في الداخل والخارج، فكوَّن فكراً دبلوماسياً ونظريات دبلوماسية لتوجيه علاقات الصين الخارجية في مختلف الفترات التاريخية. وقد استهدى عمل الحزب الخارجي بالتتابع بأفكار موجهة مهمة مثل أفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ وأفكار “التمثيلات الثلاثة” المهمة ومفهوم التنمية العلمية، ويعد كل ذلك نتاج الدمج بين الماركسية وواقع الصين، كما يعد تجديداً للفكر الصيني التقليدي المتميز في العصر المعاصر، وتلخيصاً نظرياً وتطويراً لممارسات الدبلوماسية الصينية الغنية، وأيضاً نتاج استيعاب الصين للأفكار المتميزة والممارسات الناجحة لدى الدول والشعوب الأخرى.
ويتحدث الكتاب عن الرؤية السياسية للرئيس شي جين بينغ، ويرى أن الفكر الدبلوماسي للرئيس شي هو نتاج الأحداث الدولية المعاصرة، وبلورة لشؤون الصين الداخلية ودبلوماسيتها.
فمنذ المؤتمر الوطني السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني عام 2007، تولى شي جين بينغ منصب العضو الدائم بالمكتب السياسي للجنة الحزب المركزية ونائب رئيس جمهورية الصين الشعبية، فبدأ بذلك الدخول إلى أعلى قيادة لصناعة القرار في دبلوماسية الصين وشؤونها الداخلية.
ومنذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب عام 2012، أصبح شي جين بينغ نواة للمجموعة القيادية للجنة المركزية. وبعد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب عام 2017، صارت المسؤولية الواقعة على عاتق شي جين بينغ أكثر أهمية وأكبر مشقة.
ويرى الكاتب أن الفترة ما بين عامي 2007 – 2017، هي العقد الذي حدثت فيه تغيرات ضخمة، سواء في شؤون الصين الداخلية ودبلوماسيتها، أم في الساحة الدولية. فقد ورث شي جين بينغ عن سلفه أفكاراً دبلوماسية ولخصها ونقحها خلال مشاركته وقيادته للممارسة الغنية لحكم الدولة وإدارتها حتى تشكلت عنده نظرية دبلوماسية القوة الكبرى ذات الخصائص الصينية، وتبلور الفكر الدبلوماسي الخاص به، وهو يستمر في إثراء مضمون هذا الفكر.
لقد اهتم الرئيس شي جين بينغ كثيراً بالتفكير الاستراتيجي، وأكد دوماً على أهميته. ويرى أن التفكير الاستراتيجي الصيني لبناء منظومة “نظرية دبلوماسية القوة الكبرى ذات الخصائص الصينية” يجب أن يركز من الآن فصاعداً على ما يلي:
1. تعزيز الدراسات والبحوث في مجال النظريات الاستراتيجية للدبلوماسية: فالاستراتيجية بدون دعم نظري تعد مجرد تكتيك، ولا تستطيع أن تقود الوضع كله وتخطط له إلا تحت توجيه النظرية. فالنظرية الاستراتيجية هي “نظرية وسطى” بين النظرية العامة والنظرية التطبيقية، ويجب أن يجسد بناء النظرية الاستراتيجية الطابع الشمولي والجدلي للتفكير الاستراتيجي للدبلوماسية الصينية، ويجب أيضاً إبراز طبيعتها التطبيقية والبراغماتية.
2. تعزيز تأسيس علم الاستراتيجيات الدبلوماسية: فلدى الصين علم الاستراتيجيات العسكرية وعلم الاستراتيجيات التجارية، ولكن ما زالت تفتقر إلى علم الاستراتيجيات الدبلوماسية. وإن علم الاستراتيجيات الدبلوماسية المنهجي والشامل ينبغي بل ويمكن أن يزيد من طابع الوعي للتفكير الدبلوماسي، وبذلك يدفع تطور الاستراتيجيات الدبلوماسية من الحسية إلى العقلانية، ويفعّل دوره الدافع والتوجيهي للممارسات.
3. تعزيز تأهيل الاستراتيجيين الدبلوماسيين: فالاستراتيجيين الدبلوماسيين، القدماء منهم والحديثين، سواء أكانوا من الصين أم من خارجها، قد أتوا في الأساس من طبقة القيادات الوطنية والدبلوماسية، ولكنهم قبل أن يصبحوا استراتيجيين دبلوماسيين مروا بدرجات متفاوتة من دراسة النظريات والممارسة العملية. وعلى الصين أن تعزز التعلم الاستراتيجي والتفكير الاستراتيجي بطريقة واعية، وأن تتيح بيئة صالحة لنشأة الاستراتيجيين الدبلوماسيين.
إن هذه النقطة تبدو بالغة الأهمية في دبلوماسية القوة الكبرى ذات الخصائص الصينية. ويحتاج تأهيل الاستراتيجيين الدبلوماسيين إلى بصيرة وعزم استراتيجي.
٤- تجديد المبادئ والسياسات: فمن بين العناصر الأربعة المكونة لمنظومة نظرية “دبلوماسية القوة الكبرى ذات الخصائص الصينية”، هناك المبادئ والسياسات التي تتحمل التنفيذ العملي للشروط والأفكار والاستراتيجيات. وتعد نظرية صنع القرار واحدة من المهام الضرورية للبناء النظري المستقبلي للصين، وهي تشمل الدراسات النظرية والتطبيقية التي تغطي مجالات مختلفة، مثل: آليات صنع القرار وعملياته ومتابعته. ومنذ المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب، ولمواجهة التغيرات في البيئة الداخلية والخارجية التي تتسارع يوما بعد يوم، تحتاج الصين إلى تمشيط شامل للسياسات والمبادئ الدبلوماسية الموجودة، وتحديد أولويات الإصلاح والتجديد. وتحتاج الصين إلى مواكبة تطورات العصر لإبداع وتجديد السياسات في مجالات عديدة منها: الحوكمة العالمية وإصلاح المنظومة الدولية، وممارسة الدبلوماسية مع مختلف الدول وفي مختلف المجالات، والتنسيق بين الوضعين الداخلي والخارجي وإصلاح الآليات الدبلوماسية، بغية توطيد الأسس النظرية والعملية لدبلوماسية “القوة الكبرى ذات الخصائص الصينية”.
يشكل الكتاب مرجعاً هاماً للباحثين والمختصين، ويشكل قيمة علمية مضافة يمكن للقارئ العربي الاستفادة منها.

*باحث في كلية الدراسات الدولية/ جامعة صن يات سين / الصين/ من سوريا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.