موقع متخصص بالشؤون الصينية

صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي الصيني(1) الحزب ومَولد الصين الجديدة

0

موقع الصين بعيون عربية-

أسامة مختار*:

أنْ تُحَقِق الصينُ الجديدةُ  نجاحا باهرا خلال مسيرتها الطويلة فإن ذلك يؤكد نجاح نموذجٍ آخرَ غير الليبرالية، فالدولُ تبحث عن ظروف تناسب وضعَها وخصائصَها .

الحكومة الصينية وشعبها الاحتفالي يبتهجان وحُق لهما ذلك على مدار هذا العام بحزبهما القائد العملاق في احتفالات تبدأ في الأول من يوليو/تموز 2021م وعلى مدار عام  كامل، وقد مضى على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني مئة عام إلا أنه يتجدد كلَّ يوم شباباً وقوة وعزيمة، ويجعل ما كان مستحيلا معجزة حقيقة وواقعية بانضباطه وإنجازاته لتكون هذه الدولة مثالا يُحتَذى وتجربة تَستحِقُ الدراسة والتعلم منها.

تقول المصادر التاريخية : في بناية  مميزة تحمل الرقم 76 في شارع شينغيَه  بشانغهاي وشاهدة على تقلبات تاريخية، عقد المؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي الصيني قبل 100 في  يوليو/ تموز عام 1921.

في الحادي والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأوّل عام 2017، عقب اختتام المؤتمر الوطني الـتاسع عشر  للحزب بأسبوع فقط  قاد الأمين العام شي جين بينغ أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب في أداء زيارة إجلالا لهذا المقر لتعود عقارب التاريخ إلى أيام النضال والثورات  لمحاربة النزعات التوسعية الخارجية السريعة. كيف لا تكون التحية من الرئيس الصيني ورفاقه لذلك المقر التاريخي للحزب؟ وقد شهدت البلاد عبر  ماضيها ولقرون خلتْ تدهورا وكانت مجتمعا شبه مستعمر وشبه إقطاعي فقرر الشعب الصيني النضال واستكشاف طريقه الذاتي.

خاض عددٌ لا يُحصَى من الأبطال الوطنيين دروبَ الكفاح والنضال جيلا بعد جيل ضد الغزاة والاقطاعيين، وضحوا بحياتهم من أجل بقاء البلاد ونهضة الأمة غير مبالين بالمخاطر والمصاعب.

اندلعت ثورة  شينغهاي  في أكتوبر/تشرين الأوّل 1911،لتُسقِطَ المَلكِية المطلقة التي حكمت الصين طوال أكثر من ألفى عام. ولكن هذه الثورة لم تغير مصير الشعب الصيني المأساوي ولا طبيعة الصين القديمة، ورغم تعاقب مختلف القوى السياسية وممثليها في الصعود على المسرح السياسي  ولكنّها لم تستطع أداء مهمة إنقاذ البلاد والشعب الصيني الذي كان يعيش في شقاء وظلم.

في سبتمبر/أيلول 1915، أنشأ تشن دو شيو مجلة (الشباب) في شانغهاي، وغير اسمها في نسختها الثانية إلى  (الشباب الجديد).وكانت المجلة تدعو إلى الديمقراطية والعلم ومعارضة التقاليد الذميمة والأخلاق البالية، تلبية لدعوة رئيس الجامعة تساي يوان بيه، تولى تشن دو شيو عمادة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعة عام 1917، وانتقلت معه هيئة تحرير مجلة  (الشباب الجديد) إلى بكين. وفي يناير/ كانون الثاني عام 1918، تولى لي دا تشاو منصب مدير مكتبة الجامعة. ولم يمضِ إلا وقت وجيز، وأتى ماوتسي دونغ المولود في عام 1893 أحد مؤسسي جمعية (الشعب الجديد) بهونان إلى الجامعة أيضا. فالتقت الشخصيات الثلاث التي غيرت فيما بعد مسيرة تاريخ الصين  كانت حركة الثقافة الجديدة تتخذ الديمقراطية الرأسمالية خطةً لإنقاذ الوطن، لكن الحرب العالمية الأولى فضحت بشكل متطرف التناقضات التي تتأصل في النظام الرأسمالي وأنه ولا يمكن التغلب عليها، إضافة إلى وقائع فشل جهود الصينيين في التعلم من الغرب أكثر من مرة، مما جعل التقدميين الصينيين يشكّون كثيرا في احتمال تطبيق خطة جمهورية رأسمالية في الصين.

حمل دويّ مدافع ثورة أكتوبر/تشرين الأوّل الروسية إلى الصين الماركسية اللينينية، والشعب الصيني الذي عانى كثيرا من ظلم مارسته القوات الإمبريالية، ورأى أن دعوة الثورة إلى مناهضة الإمبريالية لها “أهمية خاصة”، مما دفع   الصينيين   إلى الميل إلى الإشتراكية والاطلاع بجدية على نظرية الماركسية التي ظلت توجِّه  ثورة أكتوبر. في النصف الأول من عام 1919، عقدت دول الحلفاء التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى “مؤتمر السلام” في باريس، ورفض المؤتمر مطالب الصين المعقولة بل نقل جميع الامتيازات الألمانية في شاندونغ إلى اليابان.

في 4 مايو/ أيّار، تجمع أكثر من 3 آلاف من الطلبة في بكين أمام بوابة تيانانمن في مظاهرة احتجاج  لاسترداد السيادة ومعاقبة خونة الوطن”، مما أشعل نيران حركة 4 مايو/ أيّار التي أدهشت العالم.

كان ما تعاني منه الطبقة العاملة الصينية في مثل ذلك المجتمع مدى شدة وقسوة الاضطهاد وطول دوام العمل وقلة الرواتب ورداءة ظروف العمل .

أدت حركة 4 مايو/ أيّار دورا في انتشار الماركسية الواسع في الصين والجمع بينها وحركة العمال الصينيين، مما مهّد طريقا أمام تأسيس الحزب الشيوعي الصيني من حيث الأفكار والكوادر.

عقب حركة 4 مايو/ أيّار، توافقا مع بروز شخصيات تقدمية تطور بعض أعضاء هذا الصف إلى قادة الحزب بمواظبتهم مثل ماوسي دونغ، ودونغ بي وو، وضحى البعض بحياتهم، وفرضت مسألة تأسيس الحزب الشيوعي الصيني نفسها فكان ما كان إلى أن أصبح حاليا أكبر حزب في العالم بعدد أعضائه البالغ أكثر من 89 مليون عضو، والحزب الشيوعي الصيني بصفته حزب الطبقة العمالية وهي أكثر الطبقات الصينية تقدما، مازال لا يُمثِلُ مصالحَ  تلك الطبقة فقط، بل مصالح جميع الصينيين والأمة كافة.

أثناء عملية بناء الصين الجديدة، ظهر العديد من الكوادر والتقدميين في جميع القطاعات. كان أبناء الشعب في أرجاء البلاد يشعرون بالعزة والكرامة والثقة في  الحزب والفخر بالصين الجديدة.

حتى الآن، تحت قيادة الحزب، تعيش الصين، باعتبارها دولة شرقية كبيرة تضم ربع سكان العالم، في مجتمع اشتراكي، وحققت التحول الاجتماعي الأكبر والأعمق في تاريخ الصين، مما أرسى الأساس السياسي والقاعدة المؤسسية للتنمية والتقدم في الصين المعاصرة.

تاريخيا وخلال عملية الاستكشاف الشاقة لطريق البناء الاشتراكي، بسبب نقص الخبرة والفهم غير الكافي لقوانين التنمية الاقتصادية والظروف الأساسية في الصين، انحرف الحزب الشيوعي الصيني تدريجياً عن المفهوم الصحيح للتناقضات الاجتماعية الرئيسية، مما أدى إلى تراكم الأخطاء “اليسارية” في النظريات والتطبيقات، وانطلاق “الثورة الثقافية الكبرى عام 1966م” التي أحدثت اضطرابات خطيرة استمرت عشر سنوات وعرضت الحزب والدولة وأبناء الشعب من جميع المجموعات العرقية لأطول انتكاسة منذ قيام الجمهورية، وأوسعها نطاقا، وأكبرها خسار خلال فترة الثورة الثقافية الكبرى، لم يتوقف الحزب والشعب قط عن مكافحة الأخطاء وبفضل نضال الجماهير العريضة من أعضاء الحزب وعامة الشعب ومقاطعتهم للثورة الثقافية الكبرى، تم احتواء تأثيراتها المدمرة إلى حد ما أسقطت اللجنة المركزية للحزب عصابة الأربعة في أكتوبر/تشرين الأوّل عام 1976م، منهية عشر سنوات من الاضطرابات ،لقد أثبت التاريخ أن الحزب الشيوعي الصيني لديه القدرة على تصحيح أخطائه بالاعتماد على نفسه، وأن للحزب والنظام الاشتراكي طاقة حيوية جبارة    .

التاريخ لا يسير في خط مستقيم. كانت السنوات الثلاثون الأولى بعد تأسيس الصين الجديدة أعواما قاد فيها الحزب الشعب لاستكشاف طريق الثورة والبناء الاشتراكي وحقق إنجازات عظيمة، حيث أسست الصين من لا شيء منظومة صناعية ونظاما اقتصاديا مستقلًا ومتكاملا نسبيًا، وسجلت نموا اقتصاديا سريعا نسبيا، وارتفع مستوى المعيشة والحياة الثقافية للمواطن تدريجياً وصارت الصين دولة كبيرة ذات تأثير مهم..

الشيوعيون الصينيون، ويمثلهم الرفيق ( المؤسس) ماوسي دونغ، مرورا بفترة( مهندس الاصلاح والانفتاح) دنغ شياو بينغ إلى عهد الزعيم الحالي شي جين بينغ عهد المجتمع الرغيد الزاهر (الخالي من الفقر المدقع) وحّدوا صفوف الحزب والشعب وقادوهم في نضال طويل، أكملوا خلاله الثورة الديمقراطية الجديدة، واعتمدوا النظام الاشتراكي الأساسي، وأحدثوا تغييرا اجتماعيا يُعد الأعمق والأعظم في التاريخ الصيني، مما أرسى أساسا سياسيا ومؤسسيا لأي تطور وتقدم في الصين المعاصرة التي تأسست عام 1949م. إن المآثر العظيمة التي سطرتها  الأجيال المتعاقبة للشعب الصيني والحزب الشيوعي الصيني  ستبقى خالدة في تاريخ الحزب الشيوعي الذي أظهر حكمة وتميزا، وتمكّن من أنْ يجعل الصين من أعظم الدول  .

( ونواصل .. )

*إعلامي سوداني مقيم في الصين

 مجموعة الصين للإعلام 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.