موقع متخصص بالشؤون الصينية

روسيا والصين تنافسان اميركا في الشرق الاوسط

0


موقع قناة العالم الالكتروني:
انقضى نحو ثلاثة عقود من الزمن على وصف الرئيس الاميركي رونالد ريغان للاتحاد السوفياتي آنذاك بـ “امبراطورية الشر” واعتبر الاميركيون حينها انه بمقدور الصين تشكيل قوة مواجهة امام القوة الروسية. ويلفت الانتباه الى انه قبل عقدين من الزمن ايضا كانت روسيا حليفة للولايات المتحدة التي اوضحت بان سياساتها النشطة تقوم على نشر الديموقراطية على نطاق العالم. اما اليوم، فقد تغيرت الاوضاع وموازين القوى الدولية اذ يشهد العالم التنامي السريع للصين كقوة اقتصادية يحسب لها وكذلك لنزعة روسيا في العودة الى اوج قوتها السابقة كدولة عظمى.

مرة اخرى، تتصارع القوى الثلاث المذكورة لاستعراض قوتها وبسط نفوذها خاصة في منطقة الشرق الاوسط؛ الولايات المتحدة منشغلة بلملمة جراح هزائمها وسحب عدد من قواتها من المنطقة، وروسيا تنتهج سياسة مختلفة عما ذي قبل لاعادة بناء شبكة علاقاتها على اسس جديدة في المنطقة، والصين مستمرة في سعيها للحصول على عقود للطاقة طويلة الاجل ضمانا لاستمرارية نموها الاقتصادي. وعليه، فان بعض اوجه التعاون التي شهدتها المراحل السابقة، بين الاقطاب الدولية، هي في طريقها الى الانكماش.

وافضل مثال على التحول في التوازنات الدولية هو البرنامج النووي الايراني لناحية حالة الاستقطاب والفرز المرافقة للجدل حوله. ففي اعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي اقدمت الزعامة الروسية المرتبطة بحلف الناتو على نشر تقرير استخباراتي اعد قبل الانهيار يحدد فيه الدول التي تسعى لانتاج اسلحة نووية، وكانت ايران من بين تلك الدول. واليوم، تعمل الزعامة الروسية – بدافع وطني – عرقلة الجهود الدولية لفرض العقوبات على ايران، وفي نفس الوقت بيع التقنية النووية لايران. كذلك قامت بالرد بقوة على اتهامات الوكالة الدولية للطاقة النووية حول امتلاك ايران للتقنية قائلة ان معدي التقرير في الوكالة الدولية “لجأوا للاستناد الى افتراضات وشكوك، وتزييف الوقائع بغية ارساء الفهم بأن البرنامج النووي الايراني له بعد عسكري.”

والموضوع الايراني هو احد القضايا الخلافية بين روسيا والولايات المتحدة، لا سيما فيما يتعلق ببرنامج الدفاع الصاروخي الذي ترغب الولايات المتحدة بنشره في اوروبا درءا  لصواريخ هجومية مصدرها “دول مارقة،” كما تدعي اميركا. اما روسيا فتعتبر البرنامج محاولة لنشر طوق نفوذ يقيدها ويمتد الى داخل الاراضي الروسية. وقد اعرب احد الاكاديميين الروس، ايغور بنارين، عن اعتقاده بان البرنامج المذكور ينظر اليه كاجراء من شأنه زعزعة استقلال اوروبا وتحفيز السباق لحرب باردة جديدة. كما ويراها بانارين بانها محاولة اميركية مقصودة للحد من المشاعر الروسية التي تعتبر بلدهم قوة نووية عظمى، اضافة الى كونها تشكل تهديدا للأمن الوطني الروسي.

ومن نافل القول ان روسيا تنشط في اعادة الحياة لعلاقاتها الايجابية مع الشرق الاوسط التي ترنحت نحو عقد من الزمن – وهي العلاقات التي تشكل تحديا مباشرا للنفوذ الاميركي في المنطقة. وفي اعقاب غياب القذافي عن الساحة، تنصَبّ المراهنة الروسية لبسط نفوذها في الاقليم على ايران وسورية. اذ بينما تمتلك ايران السيولة المالية لشراء التقنية العسكرية الروسية، تتميز سورية بتوفيرها مجالا وحضورا جغرافيا هاما لها في المنطقة، لا سيما في بناء قاعدة بحرية على الشواطيء السورية المطلة على البحر المتوسط. وفي ذات الوقت، تمد روسيا يدها للتعاون مع الحكومات الجديدة في كل من ليبيا وتونس ومصر.

واليوم يدخل اللاعب الصيني الى المنطقة ليزاحم نفوذ الولايات المتحدة ايضا، ومن اهم الميزات التي تتحلى بها الصين هي متانة وضعها الاقتصادي وعلاقاتها القوية مع روسيا قياسا بالتشنجات التي شهدتها الفترات الزمنية السابقة. ونجحت الصين في تبوأ المركز الاول في التبادل التجاري مع روسيا، العام الماضي، واطاحتها المانيا من المرتبة الاولى. ويقدر ان يبلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين ما ينوف عن 70 مليار دولار في عام 2011، ويستمر في التصاعد ليبلغ نحو 200 مليار دولار في عام 2020، مقارنة مع ما سجله ميزان التبادل التجاري بينهما لعام 2010 والبالغ نحو 59 مليار دولار. ولا يجوز اغفال مشروع انابيب نقل الغاز الطبيعي من سفوح سيبيريا مباشرة الى المراكز الصناعية في الصين والذي تقدر كلفته بنحو 1000 مليار (تريليون) دولار، مما يعني ان روسيا ستزود الصين بنحو ثلث احتياجاتها من وسائل الطاقة مع حلول نهاية العقد الجاري.

كما تجدر الاشارة الى ان روسيا اليوم تتجه شرقا لتعزيز نفوذها السياسي. ونشر قبل بضعة اشهر رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين مقالا في اليومية “ازفستيا” طالب فيه بانشاء “اتحاد اورو-آسيوي،” يضم جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا بغية انشاء قوة اقتصادية تنافس الاتحاد الاوروبي او الولايات المتحدة.

وقال “نقترح انشاء اتحاد وطني متين باستطاعته التحول الى قطب (حيوي) في شؤون العالم الحديث، وفي ذات الوقت يشكل جسرا فعالا بين اوروبا ومنطقة آسيا النشطة المطلة على المحيط الهاديء.”

هذا التحول في المواقف الروسية يشير الى انها في طريقها للابتعاد عن استراتيجيتها الشرق اوسطية السابقة. الامر الذي يعني انها بدلا من انتهاج استراتيجية احادية في المنطقة او بالعمل مع الاتحاد الاوروبي، فهي تنظر الى اقامة تحالفات في الشرق الاوسط بالتزامن مع الصين ومنطقة آسيا الوسطى.

وتتجسد نزعة التحالف بين الصين وروسيا في عدد من القضايا، من ضمنها التصدي في المحافل الدولية لسياسة الادانة لايران. علاوة على ذلك، الاستخدام المزدوج مع الصين لقرار النقض (الفيتو) في مجلس الامن الدولي الشهر المنصرم الذي كان ينوي تكثيف الضغط الدولي على الحكومة السورية. وكذلك المعارضة الواضحة لنداءات الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي في مطالبة الرئيس الاسد بالتنحي، بينما تواجه سورية ومسؤوليها الرسميون حظرا غربيا على السفر وتجميدا للارصدة السورية

توفر العلاقة التكافلية المشار اليها عددا من الامتيازات. فروسيا تمتلك معدات عسكرية وتقنية بالغة التطور وباستطاعتها تقديم بعض المساعدات العسكرية “الصديقة،” على الرغم من القيود المالية الراهنة، او بوسعها الاقدام على ابرام عقود طويلة الاجل مع قوى صديقة لها في المنطقة. وفي الوقت عينه، تتميز الصين بتوفر السيولة المالية لديها وحاجتها المتنامية لاستيراد موارد الطاقة من المنطقة ذاتها. اذن، باستطاعة الصين وروسيا معا تشكيل القوة العسكرية والاقتصادية المطلوبة في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة.

ومن بين الدول المرشحة للعمل المشترك للتحالف الصيني – الروسي هي مصر. وبالنظر الى عوامل غياب نظام مبارك عن الساحة وتنامي تمثيل الاسلاميين في البرلمان المصري وتصاعد حدة التوتر بين مصر واسرائيل، تشكل كلها مناخا سياسيا ملائما لدخول التحالف بصورة اقوى الى مصر. ومن المحتمل ان تقدم الولايات المتحدة على تقليص حجم مساعداتها الخارجية لمصر في الفترة القادمة، مما يعزز موقع التحالف المذكور للتوثب وتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية لمصر التي ليس بوسعها الحصول عليها من الولايات المتحدة، خاصة في ظل اجواء تفاقم العلاقات المصرية مع اسرائيل.

تبرز قبرص من بين الساحات المرشحة لترجمة التحالف الصيني الروسي لناحية حقول الغاز الطبيعي المكتشفة حديثا في مياهها الاقليمية. لا سيما اذ اخذنا بعين الاعتبار مساعي روسيا لتوسيع رقعة حضور سلاحها البحري في منطقة شرق المتوسط مضاف اليها حاجة الصين لمصادر اضافية للطاقة. وسيجني طرفي التحالف الفائدة معا ولجم المساعي الاسرائيلية للحفر في المنطقة، وكذلك مواجهة المصالح الاميركية.

ومع ذلك، فان انشاء علاقات امتن مع الصين لا تعني بالضرورة مواجهة روسيا للولايات المتحدة في القضيا ذات الاهتمام المشترك. ومع ذلك اوضحت الولايات المتحدة، وعلى لسان وزيرة الخارجية كلينتون، بأن بلادها تعتبر الانتخابات الروسية الاخيرة  شهدت تزويرا لصالح الحزب السياسي الذي ينتمي اليه بوتين – روسيا الموحدة.

من المستبعد في المدى المنظور ان تشهد العلاقات الروسية الاميركية تحسنا يذكر. لا سيما وان كل من الرئيس اوباما ورئيس الوزراء الروسي بوتين  سيترشحان لمنصب الرئاسة في بلديهما تباعا العام المقبل، اذ قد يخضع الخطاب السياسي لكليهما الى التشدد في نبرته يعيد الحيوية للخصومة زمن الحرب الباردة. الموقف الاميركي المتشدد قد يسعف اوباما في مواجهة التهم المنهالة عليه من قبل خصومه الجمهوريين الذين يصرون على ان سياسته نحو روسيا تتجه نحو التهدئة، وتوفر له دفعة مد الدعم بين اقرانه الديموقراطيين الذين يرغبون في رؤية توجه اميركي اكثر حزما في مسألة حقوق الانسان. اما في حالة بوتين فان خطابا سياسيا متشددا قد يسعفه في تحويل الانظار عن المعضلات السياسية الداخلية وفي ذات الوقت التقرب من جمهور الناخبين التواق الى رؤية روسيا في وضع اقوى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.