اقتصاد الصين والانكماش القادم
صحيفة واشنطن بوست الأميركية ـ
روبرت سامويلسون –
ترجمة قاسم مكي (صحيفة عمان العمانية):
هل سيلحق التباطؤ الاقتصادي؟ هل ستواجه هذه القوة الماحقة الساحقة في الاقتصاد الدولي التي حققت نموا بمعدل سنوي وصل الى 10% على مدى ثلاثة عقود تباطؤا في النشاط الاقتصادي او (ما سيكون بالنسبة للصين ) انكماشا ؟ هل لديها حقا ” فقاعة ” عقارات توشك أن ” تنفجر” ؟ وماذا ستكون النتائج الدولية التي ستترتب على ذلك؟ ت
شكل هذه الاسئلة خلفية لزيارة وزير الخزانة الأمريكية الصين غضون هذا الشهر . ومع جمود اقتصاد اوروبا والنشاط الفاتر الذي يشهده الاقتصاد الامريكي فان حدوث تباطؤ كبير في الصين سيكون خبرا سيئا. ان الصين تثير الحيرة والبلبلة . فسياساتها خصوصا سعر صرف عملتها المقوم باقل من قيمته يتم تحريفها كي تقدم للصين ميزة في الاسواق الدولية . وقد تسبب ذلك في فقدان وظائف في الولايات المتحدة واوروبا والبلدان النامية. رغما عن ذلك فان الصين هي اليوم قوة اقتصادية مؤثرة بحيث إن تباطؤا فجائيا لأنشطة اقتصادها ستترتب عنه تداعيات خارج حدودها. فالتجارة ستعاني. وقد تتشدد الصين في سياستها الحمائية لموازنة فقدانها للوظائف اذا حدث ذلك. واذا تم اغراق الاسواق العالمية بفوائض الفولاذ والسلع ( من الصين) فان الاسعار ومستويات الانتاج خارجها ستهبط . ثمة إشارات تحذيرية ماثلة. وقد نوه بثلاثة منها الاقتصادي نيكولاس لاردي من معهد بيترسون. أولا أدى التباطؤ في اقتصاد اوروبا إلى إضعاف تجارةَ الصين.فاوروبا تشتري حوالي خمس صادراتها.
ثانيا، يرسل قطاع الاسكان في اقتصاد الصين إشارات على تكون فقاعة تشهد تقلصا في انتفاختها. ثالثا واخيرا ، ستجد حكومة الصين مشقة أكبر في تطبيق تحفيزات اقتصادية قياسا إلى فترة الازمة الاقتصادية خلال عامي 2008- 2009 . فالدين الحكومي ارتفع من نسبة 26% من الناتج المحلي الاجمالي في 2007 إلى 43 % في 2010 . ان الكيفية التي سيؤثر بها كل ذلك على نمو الصين مثار اختلاف. يقول جستن يفو لينو، كبير اقتصاديي البنك الدولي ، ” من المرجح أن الصين ستنجز هبوطا سلسا. فالنمو سيتراوح بين 8 % إلى 8.5 % ” وهو معدل يقل عن معدل 9% الذي حققه النمو في اقتصاد الصين في 2011″. كما ان الدين الحكومي لا يزال في مستوى منخفض بما يكفي للسماح بتطبيق سياسات تحفيزية واسعة بحسب ما يرى لين. وتتفق معه الكثير من التنبؤات الاقتصادية. غير ان الشكوك تتزايد. فشركة الاوراق المالية نومورا ترى احتمالا بنسبة واحد إلى ثلاثة في أن يحقق اقتصاد الصين هبوطا خشنا. اي هبوطا في النمو بنسبة 5% أو أقل. وبالنسبة للامريكيين الذين يحرزون نموا اقتصاديا سنويا بحوالي 2% فإن تلك النسبة (أي 5%) تعتبر خرافية. ولكن بالنظر إلى اقتصاد الصين الذي يجري تحديثه وإلى قوتها العاملة الضخمة فإن نسبة نمو اقتصادي سنوي في حدود 5% سترفع من مستويي الافتقار إلى الوظائف والاستياء الاجتماعي. ومن شأن هذا التحول السلبي في نمو الناتج المحلي الاجمالي ان يساوي تقريبا الهبوط الذي حدث في نمو الاقتصاد الامريكي اثناء انكماش اعوام 2007-2009. وربما سيحدد ما سيحدث في قطاع المساكن من هو المحق من المخطئ. يحاجج لاردي في كتابه الجديد ( الحفاظ على استدامة النمو الاقتصادي الصيني بعد الازمة المالية الدولية) بأن الصين أفرطت بشدة في الاستثمار في هذا القطاع. ويقول إن السبب الرئيسي لذلك هو منع السياسات المالية المدخرين من تحقيق عائدات مناسبة لأموالهم. فسوق الاسهم ينظر إليها على انها خاضعة للتلاعب. وتبقي الضوابط الحكومية على معدلات الفائدة على الايداعات المصرفية (وهي المنفذ الرئيسي للمدخرات) في مستوى منخفض. ففي الفترة من 2004 حتى 2010 كانت اقل من مستوى التضخم. وبسبب الاحباط يلجأ المدخرون إلى الاستثمار في قطاع الاسكان الذي لا تخضع الاسعار فيه إلى اية ضوابط. ثمرة ذلك كما يبدو ظهور فقاعة مضاربة تقليدية. فالناس يشترون (العقارات) لانهم يعتقدون ان الاسعار سترتفع، وتزداد الاسعار لأن الناس يشترون. لقد وجد مسح أُجري في عام 2010 ان 18 % من عائلات بكين تملك عقارين او اكثر. وكشف مسح آخر اجري في العام وغطى كل المدن ان 40% من العقارات المشتراة تم شراؤها بقصد الاستثمار. ويقول لاردي ان العديد من الوحدات السكنية خالية من شاغليها لأن الايجارات في بكين وشنغهاي والمدن الكبرى الاخرى منخفضة. ولسوء الحظ فان الازدهار ينجب الافلاس . ففي نهاية الامر يدرك المشترون ان الاسعار المرتفعة تعكس طلبا زائفا فتنخفض الاسعار ويتدهور معدل بناء المساكن الجديدة .
ان هذه العملية تتغذى من نفسها. واذا كانت الاختلالات طفيفة فان ما سيحدث هو اجراء تصحيحات. اما اذا كانت سوى ذلك فالنتيجة ستكون انهيارا ماحقا ( للاسعار) . اي المصيرين تواجه الصين؟ ان انفجار فقاعة العقارات قد تنجم عنه تداعيات كبيرة ( في الاقتصاد الكلي). فبناء المساكن تجاوز نسبة 10% من الناتج المحلي الاجمالي. وهذا معدل مرتفع تاريخيا.
ففي مستوى مشابه من التنمية الاقتصادية في تايوان كان الاستثمار الاسكاني في حدود 3٫4% من ناتجها الاجمالي . وفي ذروة آخر ازدهار حدث في الاستثمار العقاري بالولايات المتحدة وصل النشاط الاقتصادي في قطاع الاسكان إلى معدل 6% من الناتج المحلي الاجمالي الامريكي . اما في الصين فان الإسكان يحفز على توسع كبير في الانفاق الاستهلاكي (أثاثات وادوات منزلية) . وهو يستهلك 40% من انتاج الحديد بحسب ما ذكر لاردي. وكذلك تشكل مبيعات الاراضي مصدرا كبيرا لايرادات الحكومات المحلية.
وسيعاني الجميع من حدوث انهيار في هذا القطاع. هنالك عوامل مخففة. فخارج بكين وشنغهاي ليس واضحا ان اسعار المنازل ” غير متناسبة مع نمو الدخل العائلي” ، بحسبما يقول الاقتصادي إيزوار براساد من جامعة كورنيل . ايضا فان المشترين الصينيين يميلون إلى تقديم مدفوعات (نقدية) كبيرة مقابل عقاراتهم. ومقارنة بالولايات المتحدة فمن غير المرجح أن يتحول انهيار في اسعار المنازل اذا حدث إلى ازمة مصرفية بسبب التخلف عن سداد القروض السكنية .
ومهما يحدث فان النموذج الاقتصادي الصيني يوشك ان يصل إلى نهايته كما يحاجج لاردي. لقد اعتمد هذا النموذج على الصادرات التى يتم تعزيزها عبر سعر الصرف المقيد وعلى الاستثمار بما في ذلك في القطاع السكني والذى يحصل على دعم من خلال تقديم ائتمان رخيص. وفي الاثناء ، فان المدخرين الصينيين قد عوقبوا بحصولهم على عوائد منخفضة من ايداعاتهم المصرفية . ان ذلك سيقلل من دخولهم. والمشكلة هي ان التباطؤ في الاقتصاد العالمي يهدد الصادرات (الصينية) وفرط نشاط قطاع الاسكان يهدد الاستثمار. وما لم يكن في مقدور الصين التحول إلى إنفاق استهلاكي اكبر فان اقتصادها سيتباطأ، او انه سيحقق نموا من خلال تشديد نزعته الافتراسية ازاء البلدان الاخرى
