موقع متخصص بالشؤون الصينية

أميركا والتحدي الصيني

0

صحيفة المستقبل اللبنانية ـ
عبد الزهرة الركابي:

منذ فتح أوراق الملف النووي الإيراني، وصعوداً في تفاقم الأزمة بين إيران والغرب عموماً في هذا الجانب، وفي خضم المناورات الإيرانية في الخليج العربي، بما في ذلك التهديد بغلق مضيق هرمز، وفي ظل التصريحات الأميركية المقابلة للتهديدات الإيرانية، تتشكل صورة مرعبة عما سيكون عليه المشهد في المنطقة، خصوصاً إذا ما إلتزم الطرفان الأميركي والإيراني عملياً في تنفيذ سيناريوهات هذا الخضم من المناورات والتهديدات والردود المتقابلة من كلا الطرفين.
بيد أن إعلان إدارة أوباما عن الاستراتيجية الدفاعية الأميركية الجديدة، جعل من إمكانية تشكل هذه الصورة المرعبة تتبدد واقعياً وعقلانياً في آن، بل ان هذا الأمر سينحصر في حدود الحرب الجامدة، حيث ان طهران لن تجازف في عبور أو تجاوز الخط الأحمر في هذا المجال، على الرغم من كل مناوراتها البحرية وتهديداتها الصاروخية ومناوشاتها الكلامية وسياساتها الإقليمية المثيرة للجدل، كما أن واشنطن في حقيقة الأمر لن تمضي بعيدا في عملية الخنق للاقتصاد الإيراني، كي لا تدفع بإيران الى هذا التجاوز من جهة، ومن جهة أخرى لا تريد تصعيد هذه الأزمة الى الحد الذي تُشجع فيه، من حيث تدري أو لا تدري، تبلور أو قيام تحالف عسكري بين إيران وروسيا والصين، خصوصاً ان إستراتيجيتها الجديدة تتجه الى الشرق الأقصى، بغرض وقف رقعة إتساع نفوذ المارد الصيني في هذه المنطقة.
واستباقاً لمنع الصين من مزاحمتها على زعامة القطب الأوحد في العالم، ولا سيما أن التقارير الاستشرافية المستقبلية في هذه الخصوص، تؤكد أن تفاقم الأزمة المالية في أميركا وتضاعف الخفوضات في الإنفاق العسكري من جراء هذه الأزمة، قد يجعل الصين مستقبلاً قادرة على إنتزاع الزعامة القطبية من أميركا على الأكثر، وفي الأقل ان هذا المستقبل كفيل بتبلور زعامة متعددة الأقطاب، تكون الصين أحد أركانها، فإن واشنطن واعتماداً على هذه الاستراتيجية، ستوجه ثقلها العسكري والسياسي والاقتصادي نحو آسيا الجنوبية.
ان هذه التوجهات الأميركية الجديدة تنبئ عن بداية قيام حرب باردة في الشرق الأقصى والمحيط الهادئ بين أميركا والصين، وربما تكون واشنطن قد ركزت إهتمامها بهذه المنطقة عبر هذه الاستراتيجية أكثر من الشرق الأوسط ومناطق أخرى، وقد يكون إنسحاب أميركا من العراق والتمهيد للانسحاب من أفغانستان وما يترتب على ذلك من تهيئة وترويض لحركة (طالبان) كي تعود الى الحكم من جديد في البلد المذكور، أحد الملامح لهذه الاستراتيجية التي يُراد لها، أن تتفرغ بحجم أكبر واهتمام نوعي متعدد، لمواجهة الصين والحد من نفوذها المتعاظم وإيقاف مسار طموحاتها في المنطقة والعالم.
لهذا سيكون التركيز الأميركي منصباً على آسيا وباهتمام أكبر على الشرق الأقصى والمحيط الهادئ في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهذا ما أكدته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون في مقابلتها مع مجلة (فورين بوليسي) الأميركية عندما قالت، ان أولوياتنا هو التركيز على المستقبل الاقتصادي والاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية بتوطيد علاقاتنا مع آسيا حيث تتطلب الضرورة مواجهة النفوذ المتصاعد للصين بالمنطقة.
وأضافت الوزيرة الأميركية، خلال السنوات العشر المقبلة نسعى لأن نصبح أكثر ذكاءً ومنهجية تجاه استثمار الوقت والطاقة لنضع أنفسنا فى أفضل مكانة لدعم قيادتنا ولتأمين مصالحنا ورفع قيمتنا، مؤكدة أن التركيز حول زيادة الاستثمارات وتوطيد العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية والاستراتيجية بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ أحد أهم مهام الساسة الأميركيين خلال العقد المقبل.
يُذكر في هذا السياق ان الرئيس الأميركي أوباما قد بكر في تنفيذ هذه الاستراتيجية الجديدة شخصياً وقبل الإعلان عنها، عندما شارك في قمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ الأخيرة والتي عقدت في هاواي بعدما أُستبعدت الصين عنها، ليكون أوباما أول رئيس أميركي يحضر مثل هذه القمة.
لا شك ان الإعلان عن توجهات الاستراتيجية الأميركية الجديدة، جعل المراقبين والمحللين يبحثون عن حجم الاهتمام الأميركي والمتبقي بالشرق الأوسط، بعد الكشف عن التوجهات الجديدة. وصحيح ان الإدارة الأميركية في خطابها السائد لم تنس إلتزام واشنطن بقضايا المنطقة على صعد الأمن والاستقرار والسلام، بيد ان شبكة (إيه.بي.سي) الإخبارية الأميركية، قد أكدت في هذا الجانب أن واشنطن بدأت تتخلى عن منطقة الشرق الأوسط لدعم أحلامها بالريادة والتقدم، متوجهة بطموحاتها للاستيلاء على جنوب القارة الآسيوية.
وعلى كل حال، تظل بوادر الحرب الباردة الجديدة محصورة في آسيا الجنوبية، بيد ان هذا الحصر لا يعني عدم تطوير مواقف بكين المعادية لواشنطن في الشرق الأوسط، بينما واشنطن لن تسعى لخوض حرب جديدة في المنطقة بعد تجربتيها في العراق وأفغانستان، وان ما يدور بينها وبين طهران في هذا الوقت يظل في عداد الحرب الجامدة التي ربما تنتهي بمساومات وصفقات بين الطرفين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.