موقع متخصص بالشؤون الصينية

شهرُ العسل الصيني: الربيعُ يحتضن الأولمبيادَ الشتوية

0

موقع الصين بعيون عربية-

أسامة مختار*:

عيدُ الربيع، أو عيدُ رأس السنة الصينية الجديدة، أو رأسُ السنة القمرية، هو تقليدٌ إحتفالي يعود تاريخُه إلى نحو أربعة آلاف عام وهو أهم المناسبات الإحتفالية التقليدية وأكبرُها في الصين وعدة دول آسيوية أخرى،مثل الكوريتين الشمالية والجنوبية، وميانمار وتايلاند ولاوس.
تستغرق النشاطاتُ الإحتفالية بما فيها الإستعدادات للعيد أكثر من شهر، وكان الصينيون في العصور الغابرة يرون أن عيد الربيع     “شهر عسل” يمضونه في كل سنة يجددون فيه كل ما هو قديم. وفي الماضي كان الناس يعتبرون عيد الربيع ممراً يعبرونه سنوياً آملين في ذهاب السنة الماضية بكل ما هو محزن. ويسمى أيضاً بعيد لمّ الشمل، حيث يلتقي أفراد العائلة بعد فِراق قد يمتد لسنة أو أكثر، بسبب ظروف العمل ومواقعه المترامية في الصين الشاسعة الواسعة ، وخلال فترة العيد المليئة بأزهى ألوان المهرجانات والإحتفالات، يتمتع الصينيون، بعطلة تمتد لسبعة أيام في هذه المناسبة التي ينتظرونها بفارغ الصبر لما لها من أهمية، وما يتخللها من فرح ومرح ولقاءات وأطيب أصناف الطعام والشراب والسفر والظفر بالهدايا بكلِّ أنواعها الكبيرة والصغيرة،

وفي هذا العام 2022م ،أضافتْ دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لوناً آخر زاهياً، وهي تلتقي بعيد الربيع وتحتضنه ليكون شعار الدورة “معًا نحو مستقبل مشترك” فعمت الإحتفالات العاصمة الصينية بكين في (عام النمر) وفقاً لترتيب الأبراج الصينية وقد تحلت المواقع السياحية ومراكز التسوق والمطاعم والمحلات التجارية وأزقة المدينة بزينات إحتفالية جميلة ومتعددة ، منها الفوانيس الحمراء التي تتدلى من أعمدة الإنارة في كل إتجاه تجذب الأنظار ببريقها إضافة إلى لوحات الألعاب الأولمبية واللافتات في جميع الإتجاهات والشوارع.
وبينما يتواصل الإحتفالان كانت هناك ليلة شتوية مهمة ميزت إحتفال هذا العام كما الأعوام الماضية، وهي حفلة رأس السنة الجديدة التي يُنظمها تلفزيون الصين المركزي بداية من عام 1983، لأكثر من ثلاثين عاماً والتي تعد نشاطاً ثقافياً وترفيهياً لا غنى عنه عندما يلتئم شمل الأسر الصينية عشية رأس السنة ،وتم تسجيل هذا البرنامج السنوي في موسوعة جينيس للأرقام القياسية باعتباره البرنامج التلفزيوني الأكثر مشاهدة في العالم. وتضمنت فقرات برنامج هذا العام مضامين الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وتنشيط الريف، وإستكشاف الفضاء، حيث تم إستخدام أحدث تقنيات التكنوليوجيا الفائقة في العروض الفنية والمعززة للواقع ،وكان هناك بثٌ حي للحفل على ألف شاشة عملاقة تم وضعها في أكثر المناطق إزدهاراً في مئة مدينة صينية. وامتد البثُ الحي لهذا الحفل الضخم لأربع ساعات ابتداء من الساعة الثامنة مساء يوم الاثنين (31 يناير/ كانون الثاني) بتوقيت بكين، ولأهمية هذه الحفلة ،هناك من يقول ويؤكد أن الإعداد لها يتطلب عاماً كاملاً!! حيث يبدأ المعنيون عملهم بعد إنتهاء حفلة رأس السنة ويستمرون بالإعداد لحفلة العام المقبل !! ومهما كان إحتمال المبالغة في هذا القول، فإنَّه يؤكد أهميةَ المناسبة وهذه الحفلة بالذات للصينيين.

وفي غمرة الحديث عن هذا العيد التقليدي، يبرز سؤال مفاده: هل ظلّ هذا العيد محافظاً على تقاليده وجذوره بأكملها ؟ الجواب هو نعم بينما يشتكي بعض كبار السن من فقدان تقاليد عيد الربيع لبعض بريقِها الخاص وسحرِها الجذاب، ويقولون إنَّ بهرج الحياة الحديثة وزحمتها ومضامينَها المتنوعة الأخرى تُلقِي بظلال ثقيلة على بريق هذه المناسبة التقليدية العريقة، الأمر الذي يجعلهم يشتاقون ويحنون لتلك السنين الخوالي التي كانت رغم بساطتها وبعض الحرمان فيها، أجمل وأكثر تلاحماً من هذه الأيام التي ظهر فيها الإنترنت ليكون بديلاً عن التواصل المباشر المليء بالمودة والأحاسيس الدافئة، وظهرت فيها الرسائل الإلكترونية (عبر التطبيق الصيني الويشات ووسائل التواصل الأخرى) والرسائل النصية القصيرة عبر الهواتف المحمولة، لتكون بديلاً عن بطاقات جميلة ملونة بمشاعر المحبة اعتاد الناس على رؤيتِها وتسلمها في مثل هذه المناسبات السعيدة.
وبمثل ما تمضي إحتفالات الربيع الصيني في بهجة وسرور رغم ظروف الوباء التي ألقت بظلالها على العالم كلِّه، إلا أن السلطات الصينية تحملت أعباء التنظيم وفق تعهدها وكانت قدر التحدي، واتخذت التدابير اللازمة بما في ذلك الإحترازات الصحية لضمان إحتفالات آمنة للجميع حيث يشارك أكثر من ثلاثة ملايين شخص في هذه الألعاب الشتوية الجليدية، كما أظهرت إلتزامها بمفهوم الألعاب الأولمبية الخضراء باستخدام العديد من أدوات التكنولوجيا الفائقة لأول مرة في تاريخ الألعاب لضمان تحقيق هدف الحياد الكربوني طوال دورة الألعاب الأولمبية.
وهكذا تمد الصين ذراعيها لتحية الرياضيين المشهورين بحضور لفيف من الرؤوساء والزعماء العالميين يتقدمهم الرئيس شي جين بينغ لحضور هذا الحدث العالمي ، يجتمعون معًا في الصين في عيد ربيعها الزاهر وتحت راية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين التي تعد فرصة لإظهار معاني الوحدة والصداقة والإخاء في موسم الأفراح وشهر العسل الصيني الذي تاقت النفوس لقضائه في أحضان هاتين المناسبتين المُبهِجَتين.

*إعلامي سوداني مقيم في الصين-

مجموعة الصين للإعلام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.