موقع متخصص بالشؤون الصينية

مقارنة بين الصين وأمريكا اقتصادياً.. ماهي نقطة الضعف؟

0


موقع الاقتصادي الالكتروني:
ترجمة عبد القادر خطاب عن ذي إيكونوميست:
تبدو الصين لا تقهر، كما هو حال أشيل بطل الإلياذة. ففي عام 2010 تغلبت الصين على أمريكا من حيث كمية المنتجات المصنعة واستهلاك الوقود ومبيعات السيارات.

وكان الإنفاق العسكري الاسمي ينمو بمعدل 16% لكل عام خلال الأعوام العشرين الماضية. و وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي فإن الصين ستسبق أمريكا و تستحوذ على لقب أكبر اقتصاد في العالم ( من حيث تكافؤ القوة الشرائية ) في عام 2017. لكن دعونا لا ننسى أنه حينما قامت ثيتس بتغطيس ابنها أخيل في نهر ستيكس لمنحة ملكة الحصانة, كان عليها حمله في وقت ما قبل أن تصله بركة النهر. و بالإضافة إلى المشاكل الكثيرة الأخرى التي تواجه الصين, فإن لديها نقطة ضعف مميتة وهي الديموغرافيا أو السكان.

خلال الثلاثين عاماً التي مضت, انحدر معدل الخصوبة في الصين – و هو عدد الأطفال التي يمكن للمرأة أن تنجبهم خلال مدة حياتها من 2.6 طفل و هو رقم أكبر من المعدل المطلوب تحقيقه للحفاظ على عدد سكان ثابت, إلى 1.56 طفل وهو معدل أقل من الرقم المطلوب للحفاظ على عدد سكان مستقر.

لأن معدل الخصوبة المنخفض يمكن أن يصبح ذي دافع ذاتي , كحالة الشخاص من عائلات ذات طفل واحد ويريدون بدورهم انجاب طفل واحد. فالصين الآن تواجه معدلات خصوبة منحفضة جداً و لمدى طويل جداً بغض النطر عما سيحصل لسياستها التي تنص على عدم انجاب أكثر من طفل واحد للعائلة الواحدة.

قامت الحكومة الصينية بتعديلات بسيطة على سياسة الطفل الواحد ( تلاحظ من خلال السماح لشخص وحيد متزوج من شخص وحيد آخر بانجاب أكثر من طفل ) و قد تعدلها أكثر لاحقاً. لكن هذه السياسة الآن تطبق بصرامة, و معدلات الخصوبة المنخفضة لا تزال سائدة, خصوصاً في المناطق الغنية من الصين. ففي مدينة شانغهاي على سبيل المثال سجلت معدل خصوبة 0.6 طفل في عام 2010 و هو على الأغلب الرقم الأقل في أي مكان من العالم. و بحسب دائرة السكان التابعة للأمم المتحدة فإن معدل الخصوبة في الصين كلها سيستمر بالإنخفاض ليصل إلى 1.51 طفل بين عامي 2015- 2020. وعلى العكس من ذلك فإن معدل الخصوبة في أمريكا إلى 2.08 و سيستمر في الارتفاع.

ربما لا يبدو الفرق كبيراً بين 1.56 و 2.08. لكن على المدى الطويل فإن لهذا الفرق أثر كبير على المجتمع. و تعداد سكان الصين سينخفض قليلاً بين الآن و عام 2050, من 1.34 مليار نسمة في عام 2010 , إلى أقل من 1.3 مليار نسمة في عام 2050. و هذا باعتبار أن معدل الخصوبة سيبدأ بالتعافي. أما إذا بقي المعدل على انخفاضه فإن تعداد سكان الصين سيهبط إلى أقل من 1 مليار نسمة في عام 2060. و على العكس من ذلك فإنه من المتوقع ارتفاع عدد السكان في أمريكا بمقدار 30% في العقود الأربعة القادمة. وأما الصين فسوف تصل إلى الذروة من حيث عدد السكان في عام 2026, في حين أنه لا أحد يعرف متى ستصل أمريكا إلى ذروتها.

الفرق بين البلدين يظهر بوضوح أكبر عندما ننظر إلى معدل الأعمار بينهما. ففي عام 1980 كان متوسط العمر في الصين (المتوسط هو العمر الذي يكون نصف السكان أصغر منه, و النصف الآخر أكبر منه ) 22 عاماً. و هذا يدل على حالة دولة يانعة ناشئة. أما الآن فمتوسط العمر في الصين يصل إلى 34.5 عاماً, وأصبحت الصين أشبه ببلد غني لا يختلف كثيراً عن أمريكا التي يصل معدل العمر فيها إلى 37 عاماً. لكن الصين تشيخ بسرعة لا مثيل لها,لأن أطفالاً أقل يولدون يوماً بعد يوم مع أجيال بأعداد هائلة من البالغين يشيخون في نفس الوقت, و سيصبح متوسط الأعمار في الصين 49 عاماً في 2050, ما يقارب أكثر من 9 أعوام أكبر من أمريكا في ذلك الوقت. وستتكون بعض المدن الصينية ذات معدل أعمار كبير جداً. بحسب تصريحات لجنة الاسكان و تخطيط العائلات في شانغهاي فإن أكثر من ثلث سكانها سيكونون أكبر من 60 عاماً في عام 2020.

هذا التوجه سيتسبب بعواقب وخيمة مادياً واجتماعياً. فالعاقبة الأكثر وضوحاً هي أن الصين ستجد أن لديها أعداداً كبيرة جداً من المتقاعدين الذين يجب عليها الاعتناء بهم قبل أن تطور السبل لذلك. على عكس بقية الدول المتقدمة, ستصبح الصين دولة شائخة قبل أن تصبح دولة غنية. حالياً 8.2% من تعداد سكان الصين أكبر من 65 عاماً من العمر. الرقم المعادل لأمريكا هو 13%. عند بلوغ العام 2050 ستكون حصة الصين من السكان البالغين أكثر من 65 عاماً أكبر بـ26% من حصة أمريكا لنفس العمر.

في العائلات التقليدية الصينية, يقوم الأبناء, خاصة الذكور بالاعتناء بأهلهم الشيوخ ( على الرغم من أن هذا الأمر بدأ بالتغير الآن ). لكن الكبر السريع في الصين سيجعلها تواجه ما يسمى بظاهرة ال ( 4-2-1 ): هذا يعني أن الابن الوحيد مسؤول عن إعالة والاعتناء بوالدين و أربعة أجداد. و حتى مع معدلات ادخار عالية , فإنه لا يبدو أن الجيل الأصغر سيكون قادراً أو حتى عازماً على احتمال هكذا عبئ. لذلك فإن أغلب الكبار والطاعنين في العمر في الصين سيكونون مجبرين على الاعتماد على المعونات الاجتماعية بشكل كبير.

ولقد قامت الصين بتفعيل صندوق وطني للمعاشات التقاعدية في عام 2000, لكن لا يتجاوز عدد المستفيدين رسمياً من المعاشات التقاعدية اكثر من 365 مليون نسمة من السكان. ومع ذلك فإن النظام في أزمة. و تقدر قيمة المعاشات غير الممولة في الصين بمقدار 150% من الناتج الاجمالي المحلي. وتقريباً فإن أغلب صناديق المعاشات في المقاطعات الصينية قابعة تحت الخط الأحمر, و تخلفت الحكومات المحلية في بعض الأحيان عن دفع الاستحقاقات من المعاشات التقاعدية.

لكن هذا كله غيض من فيض لمشكلة أكبر. فبين عامي 2010 و2050 ستتقلص حصة القوة العاملة في الصين كعدد سكان بمقدار 11%, بانحدار من 72% إلى 61% من اجمالي عدد السكان و هو تناقص هائل. حتى مع قبول حقيقة أن عدد القوة العاملة الموجود في الصين هو رقم كبير و استثنائي الآن. هذا يعني بأن معدل اعتماد الكبار على الغير في الصين ( الذي يقارن عدد السكان الأكبر من 65 عاماً مع عدد السكان ما بين 15 إلى 64 عاماً ) سوف يرتفع و يحلق عالياً. في هذه اللحظة فإن نسبة 11% تقريباً تساوي نصف مستوى أمريكا الذي يبلغ 20%. لكن عند عام 2050, ستصبح نسبة الصين من كبار العمر عالية جداً وصولاً إلى 42% , متجاوزة أمريكا. ومن الملفت للنظر أكثر, فإنه في عام 2050 سيكون عدد الأشخاص الذين اقتربوا من نهاية حياتهم في العمل ( مثلاً الأشخاص الذين أصبحوا في الخمسينات من العمر) سيكونون ارتفعوا بمقدار 10%.

أما الأشخاص الذين بدؤوا بدخول مرحلة العمل (الأشخاص في مرحلة العشرينات من العمل وهم غالباً الأشخاص المتعلمين بشكل جيد وقادرين على أعلى مستويات الانتاج في المجتمع ) سوف يتقلص عددهم إلى النصف.

حاجة ماسة للمساعدة
هذا التغير يعني نهاية الصين بوصفها المصنع للعالم أجمع. و تدفق العمالة الرخيصة الواضح حالياً قد بدأ ينضب. على الرغم من العدد الكبير من السكان العاطلين عن العمل, فإن الصين تواجه نقصاً في العمالة العادية. وعند بدء العمالة بالتقلص بعد عام 2013 فإن هذه المشاكل ستسوء أكثر فأكثر.

تقول سارا هاربر من معهد اوكسفورد للسكان: أن التقدم في العمر يظهر أن الصين رسمت الهيكل العمري للوظائف, و تعرف الصين تماماً متى ستواجه نقصاً في العمالة لكل اختصاص من الاختصاصات. وعلى الأغلب ستقوم الصين بمحاولة التغلب على هذا الأمر وعكس الأثر السلبي بالبحث عن العمالة من الخارج.

شركة مان باور – وهي شركة توظيف خارجية تقول أنه مع حلول عام 2030 ستقوم الصين باستيراد العمالة من الخارج بدلاً من تصديرها.

ولكن الهجرة بمستويات كبيرة ستظهرلها مشاكلها الخاصة. وأمريكا هي أحد الأمثلة النادرة لبلد استطاع أن يحول المهاجرين المتدفقين بكثرة إليها إلى يد عاملة ماهرة. لكن أمريكا هي بلد منفتح ذو مجتمع متعدد الأعراق مع تاريخ عريق بالهجرة و المؤسسات السياسية والقانونية. أما الصين فلا تملك أياً من تلك المقومات.

مع غياب المؤسسات المتوقع, اعتمدت كل مقاطعات الصين على ( جوانكسي ). شبكة الاتصالات التي غالباً ما عززت العلاقات العائلية في المركز. لكن ما الذي يحصل عندما يكون هناك عائلات ممتدة أقل ؟ نتيجة واحدة يمكن أن تكون خطوة إلى نظام قضائي أكثر توقعاً و ( من الممكن ) أن يؤدي إلى ثقافة سياسية أكثر انفتاحاً. مثلما تؤدي حركات الاقتصاد الصيني إلى معدلات نمو أقل, سيتوجب على الحكام الصينيين اتخاذ قرارات انفاق أكثر صعوبة و سيتوجب عليهم الاختيار ما بين شراء الأسلحة أو شراء العكازات لكبار السن!

والصين ليست البلد الوحيد الذي يواجه هذه المشاكل. كل البلدان الغنية لديها كلف إعانات ومعاشات تقاعدية متصاعدة. والصين لديها بعض المزايا في التعامل مع هذه المشاكل, تلاحظ في معدلات الضرائب المنخفضة ( مع ترك مساحة لزيادات مستقبلية ), و توقعات منخفضة للسكان من ناحية الرفاهية.

و مع ذلك فإن الصين تبقى غير اعتيادية من منظورين. فهي أكثر فقراً من بقية الدول المعمرة من جهة. والتحولات الديموغرافية الموجودة فيها حادة وغير مترابطة إلى حد بعيد.

و يبدو أن الصين لن تستطيع التطور اقتصادياً في ظل مشكلة السكان الحالية. وعوضاً عن ذلك ستقوم هذه المشاكل بإرهاق كاهل معدلات النمو – ناهيك عن التحديات الاجتماعية التي سوف تسببها.
وتر أشيل سوف لن يكون قاتلاً للصين , لكنه سوف يجعل البطل أعرج.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.