موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين تشكل التحدي الأكبر في العالم

0


خدمة “إم سي تي” ـ خاص بـ الوطن العمانية:
بينما كنتُ أعمل في الصين منذ سنوات قليلة مضت، تجولتُ ذات صباح في الشارع الذي يفضي إلى “فوربيدين سيتي” (أي المدينة المحظورة). وكالمعتاد، كان هناك حشد كبير من الباعة المتجولين في الشارع، وصاح عشرات منهم فيّ لشراء أقراصهم المدمجة المقرصنة ـ وهي لأفلام ما زالت في دور العرض، في مقابل دولار واحد لكل فيلم. ولم يعر رجال الشرطة الذين كانوا يسيرون في الشارع اهتماما أو التفاتا.
يقول الأصدقاء من الصحفيين في بكين الآن إن الباعة الجائلين ما زالوا هناك، حتى بأعدادٍ أكبر. وأحيانا يبيعون أفلاما لم تصل بعد إلى دور العرض.
وفي هذا الشهر، نشر المراجعون الفيدراليون للحسابات دراسة عن “الجهود المبذولة لتحديد الآثار الاقتصادية للسلع المغشوشة والمقرصنة”. وفي أكثر من 36 صفحة، أظهر “مكتب المحاسبة الحكومية” الأميركي أنه من المستحيل معرفة كم الأموال الضائعة، وعدد الوظائف التي تم القضاء عليها، ومقدار الضرر الاقتصادي الذي تسببه فعليا القرصنة.
ولكن ثمة شيئا كان كامنا في عمق ذلك التقرير ـ ولم يحز على اهتمام وانتباه كبير ـ وهو هذه الحقيقة التي لا يمكن دحضها: وهي أن سلطات الجمارك الأميركية وحرس الحدود الأميركي وجدوا “السلع المغشوشة المُستولى عليها تهيمن عليها منتجات من الصين. وخلال السنوات المالية من 2004 إلى 2009، كان يُعزى إلى الصين نسبة 77% من القيمة المراكمة للسلع المُستولى عليها في الولايات المتحدة. وأقرب منافس، وهو هونج كونج، وهو إقليم خاص من الصين، كان يُعزى إليه 7%. وصنفت الهند ثالثة. وقدمت نسبة 2%.
ووقتما يلتقي مسؤولون أميركيون زائرون مع نظرائهم الصينيين، تكون مشكلة القرصنة دائما بين قائمة طويلة من المسائل المعضلة التي يناقشونها. ورجال الشرطة الصينيون الذين يسيرون في الشارع ما زالوا يمرون بالقرب من قراصنة الاقراص المرئية المدمجة ولا يعيرون التفاتا أو اهتماما.
وخلصت “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، وهي منظمة بين الحكومات قائمة في باريس، خلصت أيضا في تقريرٍ لها إلى أن “الصين هي أكبر مصدر وحيد” للسلع المغشوشة.
إن الصين هي دولة تضيع فيها حقوق الملكية بالنسبة لمنتجي البرمجيات. فنسبة 80% من مستخدمي الحواسيب الصينيين يُعتقد بأنهم يستخدمون نسخا مقرصنة من برنامج “مايكروسوفت ويندوز”. وكما لو أن ذلك ليس كافيا، فقد حظرت محكمة صينية في الخريف الماضي على شركة “مايكروسوفت” بيع أي نسخة من “ويندوز” في الصين، قائلةً إن الشركة كانت تخرق قيود حقوق الملكية ـ على استخدام بنط حروف معينة. واستأنفت شركة “مايكروسوفت” الحكم.
ولدى منتجي الأدوية ولعب الأطفال والملابس والإلكترونيات الاستهلاكية وقطع غيار السيارات والساعات والأسلحة ـ وغيرهم كثيرون ـ قصص مماثلة تُروى. والجميع في كل تلك الصناعات يعلم أيضا أن إصرار الحكومة الصينية المعتاد على مشاريع وشركات مشتركة في الصين هو من أجل أن يتسنى للمشاركين الصينيين نسخ التقنية الأجنبية أو الإبداع الأجنبي للبدء في عمل نسخهم الخاصة المضروبة.
وكل امرئ يعلم أيضا أن الأدوية الصينية المضروبة وأطعمة الحيوانات على مستوى العالم في السنوات الأخيرة أصابت وقتلت أناسا وحيوانات. ولا تنسوا الحوائط الجافة السامة المُستخدمة في بناء عدة آلاف من المنازل الأميركية. وعبر الولايات المتحدة في هذا الشهر، تعوض المحاكم الأضرار على العائلات التي تعاني من أمراضٍ سببتها مواد كيماوية كاوية مُطعمة في حوائط منازلهم.. ولكن المندوبين المحليين للمنتجين الصينيين لا يظهرون عموما في تواريخ محاكمهم. وكالمعتاد، لا تواجه الصين أي تعويضات جدية.
وهذا كله يثير التساؤل الآتي: كم عدد الإهانات والتحديات الدبلوماسية والسياسية والتجارية التي من المتوقع أن يقبلها سائر العالم من الصين قبل أن يقرر ببساطة أنها دولة مارقة؟ في هذا الشهر، يضغط الغرب على الصين للموافقة على العقوبات الأممية على إيران لإثنائها عن مزيدٍ من تخصيب اليورانيوم إلى نوعية من التي ترقى إلى درجة إنتاج أسلحة نووية. حسنا، في هذا الشهر أوردت “وول ستريت جورنال” أن شركة صينية مملوكة للحكومة قد ساعدت فعليا إيران في شراء معدات تكرير تُستخدم في تكرير اليورانيوم إلى نوعيةٍ ترقى إلى درجة إنتاج أسلحة نووية.
والهجمات الإنترنتية على “جوجل” والتلاعب في قيمة العملة والانبعاثات الغازية الضارة وغير ذلك كثير تقوم به الصين. لا دولة أخرى تهاجم العالم بمثل هذا التهديد واسع النطاق، وبمثل هذا السلوك الخارج على القانون. فهل من المُفترض أن الغرب ما زال يقبع جالسا ويبتلع كل هذا؟ ربما حان الوقت للتفكير بشأن العزلة والعقوبات بالنسبة للصين. ولكن بدلا من ذلك، رأى الصينيون العالم يجبن؛ والقادة الغربيون يبدو أنهم خائفون من التصرف أو حتى من الشكوى.. وتحتفظ الصين بمليارات الدولارات من الدين الغربي؛ وتستغل حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي.
وبطريقته الخاصة، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما غليظا على الصين ـ فباع أسلحة لتايوان، والتقى الدالاي لاما. ولكن مسؤولي الإدارة الأميركية الآن يطيرون إلى بكين، محاولين المواءمة. وماذا بشأن تلك الأقراص المدمجة المغشوشة؟ لقد اشتريتُ القليل منها كتجربة. وفي إحداها، كان مسار الصوت بالروسية. وفي آخر، وعندما نقرت على خيار الترجمة باللغة الإنجليزية، حصلتُ على حوارٍ لفيلم مختلف ـ شيء له صلة بالحياة في مدرسة داخلية بريطانية!
كانت هذه هي الصين.. كان ينبغي لي أن أعلم هذا.
جويل برينكلي*
*مراسل صحفي سابق بصحيفة “نيويورك تايمز” حائز على جائزة “بولتيزر” في الكتابة الصحفية وأستاذ الصحافة حاليا بجامعة “ستانفورد” الأميركية

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.